الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعم أنا طائفي ان كانت هذه هي الطائفية

حسين ديبان

2012 / 2 / 4
حقوق الانسان


لأن ليس لي دينا بعينه غير الانسان وكرامته وحقوقه أيا يكن هذا الانسان، فقد كتبت هنا الكثير والكثير عن جرائم المسلمين بحق كل أتباع الأديان الأخرى، من المسيحيين واليهود وغيرهم، وتحدثت باستفاضة وبعشرات المقالات عن حجم تلك الجرائم التي وصلت بعضها الى حد استئصال أديان كاملة عن بكرة أبيها من مناطق شاسعة من جغرافية المنطقة وحيثما وصلت خناجر المسلم وسيوفه وحوافر حصانه، فهل يدلنا أحد على أي أثر من آثار اليهود والمسيحيين في جزيرة بني يعرب؟ فنلت تصفيقا لا حدود له لم أكن انتظره من أتباع تلك الأديان وغيرها، ونلت تكفيرا ما بعده تكفير كنت أتوقعه وكأني كنت يوما عبدا من عباد ربهم الصالحين "لاسمح الله".

و لأن ليس لي مذهب إلا ذاك المذهب الانساني الذي يرتفع بقيمة الانسان والحفاظ على حقه في الحياة أولا وقبل كل شيئ ومن ثم صون كل حقوقه الغير قابلة للمس والانتهاك، فقد وقفت الى جانب أغلبية العراق الشيعية تجاه ما عانته من ظلم وجور وقتل على يد جناح البعث الاجرامي في العراق والطاغية الأكبر صدام حسين ولم أتردد لحظة في أن أذكر قاتلهم باسمه ومذهبه، و في النهاية انتصر العراق وذهب صدام الى ما هو أسوأ من مزبلة التاريخ وحاول كثيرٌ من السنة والوهابيين اعادة عقارب الساعة الى الوراء ولكن دون جدوى فقد عاد العراق الى ابناءه كلهم وليس لطائفة واحدة منحت نفسها صك ملكية للبلاد والعباد وتعاملت مع ابناء الطوائف الاخرى بمنطق السادة والعبيد، وقد لاقيت كل الاستطلاف حينها من كثير من أبناء العراق، وبالمقابل فقد تلقيت اتهامات تبدأ بالتشيع وكأنني سنيا "لا قدر الله" ولا تنتهي عند حدود اتهامي ببيع ذمتي والاسترزاق مما اكتب وطبعا كل تلك الاتهامات جاءت من اتباع طائفة واحدة ومنها ما جاء حتى من عائلتي التي تنتمي دينيا لتلك الطائفة. على ذات المنوال وقفت الى جانب ثورة أهل البحرين ضد الطاغية البحريني ومن سانده في قمع تلك الثورة واخمادها الى حين من جحافل الجيوش الوهابية وسرايا المرتزقة المجنسين من العرب السنة، وفي ذات السياق طالما ذكرت المظالم والتمييز التي عانى وما زال يعاني منها شيعة السعودية من قبل عائلة سجلت البلد باسمها، فأصبح البلد ملكية رسمية من أملاكها الشخصية وأملاك من يواليها.

ولأن لا جنسية لي فقد وجهت سهام نقدي دائما الى كل التجربة الفلسطينية قبل انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة وبعدها والى يومنا هذا، وذكرت أن الاخطاء الفلسطينية القاتلة التي وصلت أحيانا حد ارتكاب الجرائم في بلدان الأردن ولبنان والكويت والعراق هي التي أوصلت قضية الشعب الفلسطيني الى نهاية استعصائية، فالفلسطيني تجاوز على الاردني ومعتقداته في سبيعينيات القرن الماضي، وجعل لنفسه دولة خاصة داخل الدولة اللبنانية وتجاوز على شعبها الذي استضافه خير استضافة وفي مراحل كثيرة من التجربة الفلسطينية في لبنان تم ارتكاب كثير من الجرائم بحق شعبه والاستهتار واللامبالاة وعدم الاحترام بحق قياداته، والفلسطيني في الكويت وقف الى جانب الغازي المجرم صدام حسين، وفي العراق اعتبره شهيدا وفتح بيوت العزاء في كافة مناطقه لأولاد الطاغية المقبور، ونالني ما نالني جراء ذلك من تخوين لم يكن الفلسطيني يجد ما هو أسهل منه لاقصاء من يختلف مع نظرته الخاطئة للأمور حتى بعد أن تبين له نتائجها الكارثية، فطرد من الأردن ومن لبنان ومن الكويت ومن العراق، بينما نلت رضا واستحسان أغلب تلك الشعوب التي وقفت الى جانبها.

ولأن لا قومية لي فاني أرى أن حق تقرير المصير للشعب الكردي هو حق ثابت وغير قابل للتصرف تماما مثل حق الشعب الفلسطيني حتى لو وصل الأمر الى دولة كردية مستقلة، فلما لا طالما نناضل من أجلها ونؤيد فكرتها للفلسطينيين، أم أن الفلسطيني أفضل من الكردي استنادا لقاعدة عنصرية تفضل العربي على كل البشر بوصفه جزءا من خير أمة أخرجت للناس، وفي ذات السياق وقفت مع حق شعب جنوب السودان بتقرير مصيره وصولا الى دولته المعلنة حديثا وحيث له الحق المطلق في أن يكون له علاقات مع أية دولة فهذا الأمر هو شأنه الخاص وأمرا من أمور سيادته لا حق لأحد بالتدخل فيه، وايضا لم أتردد في فضح جرائم القتل والاغتصاب الجماعية التي تم ارتكابها بحق أهل دارفور، وكذلك فاني لطالما ذكًرت بحقوق الأقليات القومية الأخرى مثل أهل النوبة في مصر وأمازيغ افريقيا وغيرهم، وهو ما جر علي اتهامات عنصرية بغيضة من الجانب العربي قابله رضا وعلاقات حميمية اخوية مع اصدقاء كثر من اتباع تلك القوميات.

لم يكن موقفي من كل تلك القضايا الى جانب مواقف قلة قليلة، ليغير شيئا يذكر في المشهد العام، فالصورة العامة هي ان المسلمين عدائيين واقصائيين تجاه غيرهم، ولدى الكثير منهم استعدادا فطريا للاستجابة لما يطلبه النص المقدس منهم، كما ان الصورة العامة بالنسبة للسنة انهم ينكرون على الشيعي حقه في أبسط الأمور وليس في أن يكون حاكما في بلد يشكل هو غالبيته الغالبة، كما ان مواقفي الى جانب مواقف القلة القليلة من العرب تجاه احترام حقوق باقي القوميات لم يغير من عنصرية العرب تجاه تلك القوميات، لكن كان لا بد من تسجيل تلك المواقف على الأقل لارضاء الضمير وليكن الانسان متصالحا مع نفسه طالما يدعي أن لا دين ولا مذهب ولا طائفة ولا جنسية ولا قومية له غير الانسان وحقه المقدس في الحياة.

وعلى هذا المنوال فان المشاركة الضعيفة والخجولة والفردية لأبناء طوائف الأقليات في الثورة السورية لم يغير من المشهد العام لهذه الثورة فهي ثورة الأغلبية السنية الذين يتمنون في كل لحظة ويحاولون أن يجعلوا من ثورتهم ثورة وطنية عامة من خلال استنهاض اخوانهم في تلك الطوائف ودفعهم للمشاركة في ثورتهم العظيمة من خلال انجاز شرط المواطنة الأول، ألا وهو دفع ضريبة الدم ولو بالحد الأدني ولا نقول بالنسبة والتناسب، وتلك المحاولات لتحويل الثورة السورية الى ثورة وطنية عامة ما زلنا نرى تجلياتها في شوارع المدن السورية وفي فاعلياتها ومظاهراتها ومؤتمراتها من خلال رفع الشعارات التي تؤكد على وحدة السوريين ووحدة مصيرهم وخيارهم الوحيد بالتعايش المشترك، لكن حتى اللحظة وبعد احد عشرا شهرا وآلاف الشهداء وعشرات آلاف المعتقلين والجرحى ما زلنا نرى أن من يدفع كل ذلك هم أبناء الغالبية بينما مازال أبناء الأقليات اما صامتين أو مشاركين فعليا في القتل والقمع، والقذائف التي مازالت تسقط على أحياء حمص وقتلت اليوم حوالي اربعمائة شهيد وألفي جريح جاءت في أغلبها من مرابض تقع في أحياء الأقليات، تماما مثلما حدث في مجزرة صيدا في محافظة درعا في الشهر الثاني من عمر الثورة، حيث أن القتلة المجرمين وهم معروفين بالاسم قد أطلقوا النار من "مساكن الضباط" والسوريين يعرفون من يسكن تلك المساكن ولأي طائفة يتبعون.

اذا، لم تغير تلك المواقف القليلة على جرأتها من المشهد العام، لكنها للحق والحقيقة سجلت مواقف لهؤلاء ستظل محفورة في ذاكرة السوريين مهما طال الزمن، وان كان من يصف الثورة وشهدائها بأسمائها وهذا حق الثورة وشهداءها وثوارها وضحاياها علينا حتى لا يتم تمييع الأمور وتعويمها، ان كان من يفعل ذلك يتم وصفه بالطائفية من قبل مدعي علمانية من أبناء الأقليات لم يخجلوا من اصطفافاتهم الطائفية خلف طوائفهم بشكل مباشر أو موارب، فماذا سيصفون من امتلك جرأة الكلمة وخرج من ثوب طائفته وارتدى ثوبا وطنيا عاما مثل السيد وحيد صقر وهو ابن الطائفة العلوية والسيد جورج صبرا ابن العائلة المسيحية، وان كان وصفهم بالطائفية مستحيل فكلي ثقة ان مدعي العلمانية هؤلاء لن يترددوا بوصف أمثال صقر وصبرا بانهم خونة لطوائفهم ودياناتهم ولأهلهم، وقد أسرً لي بعض الأصدقاء من أبناء تلك الطوائف، ممن تجاوزوا الحسابات الطائفية منذ زمن طويل بانهم قد تلقوا اتهامات مباشرة بالخيانة لطوائفهم من أقرب مقربيهم، وهذا ليس غريبا أبدا، فقد تلقيت شخصيا اتهامات بالتشيع و"التكرد" و "التنصر" من أقرب المقربين لي من أبناء الطائفة السنية عندما كان الموضوع هو عنصرية السنة والعرب والمسلمين بشكل عام تجاه المختلف عنهم مذهبيا وقوميا ودينيا.

أعيد نشر هنا ما ذكره السيد وحيد صقر في صفحته على الفيس بوك حرفيا وبدون تعليق:" أيها العلويون. هل تقبلون بما يحدث، فوالله صمتكم قاتل، فقد جعلكم بشار وعصابته ومن قبله أبيه وعمه أن تكونوا محرقة..بكل المعايير لما يتصرفه النظام أمام صمتكم..لقد استخدمتكم آلة الأسد منذ اقتناصها البلاد قبل أربعة عقود، والأن ان بقيتم صامتين ستكونون محرقة لأفعالهم اللاانسانية" و مما قاله السيد جورج صبرا لقناة العربية بالأمس فقط "عدم تحرك المسيحيين في سوريا الى جانب اخوانهم بشكل فعال في الثورة، يرجع الى تأخر الكنيسة في اظهار موقف حقيقي، يضع المسيحيين في قلب الصورة" ويستدرك السيد صبرا بعد أن يُحمل المسؤولية للكنيسة، بأن المسيحيين سينخرطون في الثورة عاجلا أم آجلا". هنا أسأل ولي كل الحق في ذلك ويردد سؤالي كل الثائرين على الأرض متى سينخرطون؟ والثورة أضحت قاب قوسين أو أدنى من الانتصار.

اننا حين نسمي ما يحدث باسمه وبتفاصيله، فليس حبا ولا فخرا، وانما خوفا من قادم الأيام بعد انتصار الثورة، فالثورة التي يشترك فيها لونا واحدا وهو وحده يدفع ضريبة الدم والاعتقال والجوع والتشرد والاذلال والضيم بينما تقف الألوان الأخرى إما صامتة أو مشاركة في قتله، لن ينتج عنها إلا مستقبلا من لون واحد لا يليق بسوريا التعدد والتنوع، ناهيك عن الأفعال الانتقامية التي لن يستطيع أحد لجمها أو منعها إلا مشاركة عاجلة وفورية وضرورية من تلكم الألوان بالثورة وضريبتها، فأقباط مصر الذين رآهم العالم كله في ساحات الثورة المصرية الى جانب اخوتهم المسلمين ودفعوا ضريبة الدم مثلهم، هم من فرضوا بمشاركتهم هذه أن يشاركهم في احتفالاتهم في عيد الميلاد كل قيادات التنظيم الاخواني الاسلامي رغم ما هو معروف عنه من نزعة اقصائية للآخر، وهم من فرضوا كذلك أن يشاركهم كل قيادة المجلس العسكري الحاكم في مصر نظرا لما كان لهم من وزن في تلك الثورة.

ستنتصر الثورة السورية عاجلا أم آجلا، ان بامكاناتها الذاتية أو بتدخل دولي لن يكون منه مفر أمام استمرار وغزارة سيلان الدم السوري، ومشاركة أبناء الأقليات لاخوانهم فيها ستسهل من بناء مستقبل سوري مدني متعدد راق، وبخلاف ذلك فان انتصار الثورة لن يكون إلا الخطوة الأولى باتجاه المجهول، المجهول الذي لن نقف تجاهه موقفا طائفيا، وانما سنكون بالمرصاد لكل فعل انتقامي أو ثأري أو اقصائي أو استئصالي، ولن نبرر أي فعل من تلك الأفعال الشنيعة، فالمبدأ واحد لا يتغير بتغير الظروف والضحايا، فلا طائفة لنا نصطف خلفها إلا طائفة الأنسان، أي انسان وحقه المطلق في الحياة، وهذا الانسان الذي ندافع عنه وعن حقه قد شاءت كل الظروف ومن أهمها تقصير اخوته من أبناء الطوائف الأخرى أن يكون سنيا الأن، فقد يكون غدا علويا أو مسيحيا أو أي انسان آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اهلا اهلا بالطائفية على هذه الطريقة
حبيب ابراهيم ( 2012 / 2 / 4 - 20:58 )
الحقيقة مؤلمة ولكن لابد منها، ويا محلى الطائفية ان كانت هكذا


2 - الخوف من الانقراض
مازن العلى ( 2012 / 2 / 5 - 00:26 )
عزيزى ابو حنين نحن الان فى سوريا مطلوب منا ان نعامل الاقليات كانهم باندات صينه مطلوب ايضا ان نوفر لهم محميه طبيعيه حتى لو هذه الباندات مزقت اجسادنا انا لارى فى موقف الاقليات فى سوريا الى مواقف بهيميه غريزيه تنم عن حالة خوف وهلع هستيرى وكان ابن الاكثريه هو انسان بدائى مزال له ذيل يطل من خلفه ومطلوب منا صبح مساء ان نقدم لهم حسن سير وسلوك وياريت بيصدقو فاذن انا ارى فيهم حاله مرضيه معديه لابد من عزلها لتموت بعيد عنا ولتجد مناعتها الذاتيه كى لاتنقرض