الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة أولية لمشروع دستور حزب النهضة: نحو جمهورية إسلامية سنية؟ (2)

محمد عمامي

2012 / 2 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


الصالح العام: هذا المقدس الاخر:

يدعي الفصل 31 أنّ "الحق النقابي مضمون والإضراب حق مشروع..." وهو ما يوحي بنوايا ديمقراطية لولا الشرط الذي يأتي لنسف كل ما تقدّم شانه شأن جميع التشريعات الديكتاروية التي تبدأ ديباجتها بالحرية لتنهي بمصادرتها. وبمكر شديد، يغيب المقدس هنا ليعوّض بالصالح العام، إذ يلي ما تقدم الصيغة القمعية التالية: " لا يمكن أن تودي ممارسته إلى التعطيل الكلي للمرافق العامة". وهو، إذن، يحشر شرطا إجرائيا لا دستوريا في المبادئ العامة الدستورية حول الحريات النقابية وحرية الإضراب بالتحديد. وهو ما يعدّ تراجعا حتى عن الدستور القديم.
فتنظيم حد أدنى من استمرارية الخدمات الإجتماعية الأساسية الملحّة في مجالات مثل الصحة، لم يكن يوما مبدءا دستوريا بقدر ما كان تدبيرا استثنائيا تقوم به النقابات نفسها أو تلزم به، دون أن يحدّ ذالك من حقها المبدئي والعملي في الإضراب.
ونفهم الخلفية التي يسعى لها النهضويون هنا، ألا وهي التّصدي لمواصلة الثورة التي لا تزال تفتعل وتضعهم أمام مسؤوليات هم أعجز عن تحمّلها باعتبارهم وقّعوا عقد إيقافها مع كفلائهم كي يواصلوا سياسة بن علي الاقتصادية- الاجتماعية بوسائل تطويع وتشريع ربما اكثر خنقا للحريات.
أسلمة الدولة والفضاء العمومي كمنطلق لأسلمة المجتمع برمته:
يواصل الغنوشي وتلميذه الألمعي، سمير ديلو، أساليب الخداع والخطابات المزدوجة التي تتعالى إلى منزلة السنّة لدى التيار الإخواني. وهو يحاول إشاعة الخلط المتعمّد بين الأسلمة والإسلام.
وإذ يدّعي مرشد النهضة أنه تجاوز شعارات مثل "الحاكمية الإلهية" أو "أسلمة المجتمع" لكونه جاهلي وكافر، مؤكدا في مناسبات عديدة تخليه عن هكذا منظور، فهو يخفي الحقيقة بذلك الخلط المتعمّد. وما قوله "شعبنا مسلم بطبيعته فكيف ندعو الى أسلمته" مجرد لعبة بهلوانية يعوّض بمقتضاها لفظ المجتمع بالشعب.
فكون غالبية الشعب مسلم لا يعني أن المجتمع إسلامي. وكون النهضة، كحزب سياسي، تسعى الى أسلمة المجتمع، يعني أنها تريد تنظيم ذلك المجتمع بادارته ومؤسساته وعلاقاته و فضاءاته وأسره وطبقاته وفئاته المختلفة ضمن نظام أسموه إسلاميا.
فالأسلمة، إذن، لا علاقة لها بالدين الإسلامي بل هي مشروع مجتمعي، بتنظيمه السياسي والاقتصادي و الثقافي، قوامه في الواقع الراهن، المحافظة على المنظومة الاقتصادية/الاجتماعية الرأسمالية الوحشية (وهذا ما يؤكّده برنامج الحكومة ذات الأغلبية النهضوية) وإدارة المجتمع وفق منظور شمولي لا يصادر فقط الحريات العامة كما كان الأمر مع الديكتاتورية البوليسية، بل يصادر، أيضا، كل الحريات الفردية ويتدخل في خصوصيات الأفراد والأسر فينمّط حياتها ويخضعها إلى أحكام وتشريعات قمعية يضفى عليها صفة القداسة باسم الدين أو الأصول والأعراف أو الهوية.
وللتدليل على ما نقول، إليكم بعض الإجراءات التي يشرّعها مشروع الدستور النهضاوي:

1/ نحن نعرف أن المشروع الإسلامي يركّز على الأسرة، باعتبارها الخلية الأساسية، التي ضمنها يقع تنشئة الفرد وتطويعه وقولبته بصفة مبكرة.
وهو ما يبرر لديهم عودة المرأة إلى المنزل وتدجينها وحصر دورها في تربية الأطفال وخدمة العائلة. و يقول الفصل 26 من مشروع الدستور:" لكل طفل الحق في التنشئة السليمة، وتعمل الدولة على الملاءمة بين حاجيات الأسرة المعنوية وظروف التشغيل ، خاصة توقيت العمل بالنسبة للأمهات." ولقد سبق أن دعا الغنوشي إلى تحديد عمل النساء بنصف وقت، معتمدا على البطالة كتبرير، وهي صيغة انتقالية نحو إعادتها للبيت.

2/ الفصل 34 ينادي بإحداث "صندوق خزينة خاص داخل ميزانية الدولة يجمع أموال الزكاة"، مما سيجعلها، وإلى جانب الضرائب المعهودة، تتولى جمع الزكاة والتصرف فيها، وهي أموال ظلت لقرون محل خيار فردي للمسلم يحدّد، حسب اجتهاده الشخصي، مقاديرها ومتلقييها من أفراد أو أوقاف.

3/ وفي مجال تنظيم العمل، تسعى النهضة إلى تمرير فصل دستوري (فصل 32) "يكفل {بموجبه} قانون الشغل الحق في ممارسة الشعائر الدينية". ورغم الإيهام بالصيغة التالية "ولا يكون ذلك على حساب الواجب المهني"، ليس لهذا الفصل الدستوري من معنى سوى إجبار العمال على إيقاف العمل مرات في اليوم لكي يمارس "المسلمون" (الشعب كله مسلم حسب هذا الزعم)، شعائرهم الدينية، ومن ثمة، يجبر العامل بطرق عديدة على الإذعان لمشيئة فئة المصلين وما يترتب عن ذلك من هرمية دينية داخل المؤسسات، من أئمة وخطباء وغيرهم. فضلا عن إلزام المؤسسات بتوفير المساجد وما إلى ذلك.
كل هذا التنظيم الاجتماعي لا يأخذ مطلقا بالحسبان المواطنيين غير المسلمين و لا حتى المسلمين غير المصلين. وهو يفتح الطريق واسعا أمام التمييز والاضطهاد الدينين. ويشق صفوف الشغالين والطلبة والتلاميذ... مصنّفا إياهم إلى مسلمين وكفار أو أهل ذمة يعيشون محقورين في بلدهم.
4/ الفصل126: إحداث "مجلس إسلامي أعلى" يصدر "الفتاوى طبقا للشريعة الاسلامية"، وتكون له سلطة "مؤسسة دستورية مستلقة" عن باقي مؤسسات الدولة. "ويمارس باستقلالية" و"يسهر على حسن سير أماكن العبادة وعلى تكوين الأئمة والخطباء..." و ما ادعاء "تحييد تلك الأماكن عن الدعاية السياسية" إلا من قبيل ذر الرماد في العيون بما أن المجلس الأعلى نفسه مؤسسة دستورية، وبالتالي، سياسية، ومصدر فتاوي، أي أحكام وتشريعات تسري على العموم، وتتمتع بصلاحيات سلطة فوق هياكل الدولة.

5/ الفصل 127 "يتكون المجلس الاعلى من علماء دين يقع انتخابهم من قبل نظائرهم" ويكون له رئيس "منتخب من بينهم ويضبط قانون أساسي تركيبته وكيفية انتخاب اعضائه".
إن سلطة رجال الدين، هي سلطة، لا فقط موازية لبقية هياكل الدولة، بل أيضا سلطة دستورية عليا لها صلاحية التشريع (الإفتاء) والإلزام. وسيكون، طبعا، للمرشد العام، راشد الغنوشي اليد العليا على الدولة والمجتمع "الإسلاميين".

جمهورية إسلامية سنّية؟

برغم كل ألاعيبها وتناقضاتها، التي تمتد من الجناح المتشدد وعلى رأسه الصادق شورو، (ذلك النائب في المجلس التأسيسي الذي دعا علنا إلى إقامة الحدّ على الكفار الذين يمارسون خطئية الاعتصام)، إلى الجناح الأكثر زئبقية وعلى رأسه الغنوشي، مرورا بحمادي الجبالي، مطلق بشرى الخلافة السادسة، يبدو لنا النظام الذي تعدّ له حركة النهضة على غاية من الخصوصية و الإبتكار: جمهورية إسلامية.. سنية هذه المرة.
إن ملامح تلك الجمهورية الإسلامية السنية لا تزال في طور التّشكل. ويحقّ لنا المجازفة بإجراء مقارنات مع نظريتها الجمهورية الإسلامية الشيعية في إيران.
فما الذي يجمع بين الجمهوريتين، وما الذي يميز كلتاهما؟
إن ذلك ليستدعي دراسة لا يفي بها هذا المقال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!