الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


= -ما بين الثورة والثروة-

رولا البلبيسي

2012 / 2 / 4
مواضيع وابحاث سياسية




كل حقيقة تبدأ بحلم ... كل حلم يولد من حقيقة

الحقيقة ... شعوب كانت مهمشة، متعبة، مقهورة، غارقة في نكسة تليها نكسة، وانكسار يعلوه انكسار. حقيقة مُرة وُلَِد من رحمها حلم ربيعي، ثورات شعبية تخطت الأفكار وتجاوزت التنظير وحطمت واقع لم نعد نقبله أو نتقبله، واقع سُلبت فيه الثروات وانتشر فيه الفساد كالسرطان في خلايا الأوطان. ثورات جمعت ما بين الحلم والحقيقة، ثورات فجرتها شعوب همها الأوحد أوطانها، وهدفها الأساسي أمتها.

اليوم يكشر الواقع عن حقيقة مختلفة قاسية. كل المؤشرات تشير الى أن ذات الحلم الذي غير حقيقتنا وبدد خوفنا، ذات الحلم الذي دمر حواجز صمتنا وسلبيتنا، يتحول بفعل فاعل الى كوابيس متواصلة تهدد وجودنا. سلسلة من الانهيارات الاقتصادية والسياسية تحاصرنا، ليصبح توفر أبسط الاحتياجات الأساسية هَم يومي يؤرقنا.

النكسة العظمى أن نصدق أن ما كنا نعيشه، بالرغم من كل سلبياته، هو النعيم، وما نسعى إليه من حلم ربيعي هو بعينه الجحيم.

كيف نحلل المشهد برمته ونحن نقبع في بؤرته؟ هل ستتغلب الفوضى على الحلم وتصبح هي الحقيقة؟ كيف يتربع الإسلام السياسي اليوم في القمة، ويركب الموجة العاتية، ويعتلي المنابر العالية، ويحصد أرباح ومكاسب ثورات لم تكن عنده في الحسبان؟ فهل سيكون على قدر هذه المسؤولية، وقد احتل اليوم بدل المكان ألف مكان؟ وإن لم يكن هذا هو القائد المنتظر، فمن هو البديل؟ فهذه الثورات لم تفلح في بناء قوى سياسية جديدة بعد، ولم تجهز لنفسها قادة يتمكنون من استلام الدفة، فتعرضت بسهولة لعملية سطو سياسي سريع.

تحديات هائلة تواجه مجتمعاتنا الحالمة الثائرة، تحديات يكتوي بنيرانها المواطن المسكين، الذي تجرأ على الحلم فلم يجد له معين. فما بين الغلاء والبطالة، تدني الأجور والاستدانة، تحول المليون الى ملايين، كلهم قابعين تحت خطوط الفقر المدقع والبطالة، بينما في ساحات الثورات المباركة، علا صوت الأسلحة والمدافع والمتفجرات فوق أصوات تنادي بالمنطق وتبحث عن الحقائق.

في ظل كل ما يجري على ساحاتنا العربية، يلقي مؤتمر دافوس توصياته الهزيلة أمامنا. ببساطة متناهية يُقِر أعضاءه أصحاب الملايين أن النظام الرأسمالي القديم فشل في تحقيق العيش الكريم، وأنه لم يعد مناسبا" لحاضرنا الأليم، وهم يبحثون جادين عن بديل ملائم معدل. ولكن حتى ذلك الحين هم لا يملكون إجابات واضحة محددة، وحلول هادفة مثمرة، بعد ما أغرقونا بقوانين السوق الحرة والعولمة، والقروض والمديونية والفائدة.

الحلقة حولنا تبدو محكمة الإغلاق. هناك عجز اقتصادي فظيع يدفع الحكومات الى خفض الإنفاق الحكومي، مما يؤدي بدوره الى انخفاض الطلب على السلع والخدمات، وبالتالي يضعف حوافز الاستثمار، ومن ثم يزداد انخفاض التوظيف وترتفع نسب البطالة، فنعود بالنهاية الى حكومات مثقلة بالديون، تبحث عن دعم أو مساعدة أو هبة، حتى لو على حساب الاستقلالية.

من أين سيأتي هذا الدعم والاقتصاد يتهاوى في كل مكان. في أوروبا البطالة الى ارتفاع، وفي الولايات المتحدة الفجوة بين الأغنياء والفقراء تزداد، وفي أفريقيا المجاعات في ازدياد، وفي اليمن أزمة إنسانية خطيرة حيث يعاني معظم أطفالها من سوء تغذية، وفي مصر انفلات أمني ودمار لقطاع السياحة الذي كان يدر الملايين، وفي ليبيا صمت دولي بعد الاستيلاء على حقول النفط الغني، وفي سوريا قتل دموي، والحبل لا يزال على الجرار، يسحب وراءه كل من قال لا، فمن سيقدم العون لمن!

ما بين الثورة والثروة، التضحية والغنيمة، تهطل علينا المتغيرات كاللعنة، نتخبط بين أمواج التغيير، وعواصف ربيع ظنناه حلمنا، فلم نجد فيه منقذا" يخرجنا سالمين من بين براثن الدكتاتورية والعولمة.

رولا البلبيسي
rula_ot @eim.ae








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر