الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هكذا سقطوا

عبد الجبار سبتي

2012 / 2 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


لا اخفيكم كم كان هو مدى اعجابي الشديد بالعقيد معمر القذافي وانا استمع لهدير الجماهير وهي تهتف باسمه من خلال الراديو الصغير الذي كنت اقلبه يمنة ويسرة عليّ اخرج من القمقم الذي حبسني فيه الفكر البعثي حينما كنت ما ازال في السنين الاولى من المراهقة .. كنت ابحث في قنوات الراديو عن متنفس يروي ظمأي ويخفف من حنقي ويعبر عن كرهي لذلك النظام المستبد الاحمق وكنت اجد في كل اعدائه ومهما كانوا اصدقاء لي روحانين واقرباء فكريين فقط لانهم يعادون اشد والد اعدائي .. كنت مستعدا لاعلق صورة _في قلبي فقط طبعا وليس خارجها_ لكل من يشتم الرئيس وحزبه وحكومته ويعري جهلهم وجبروتهم وسحقهم لاماني الشعب وتجويعه وارهابه وتدميره .. لكني وحينما اضطرتني الظروف للهجرة من بلدي والاقامة في ليبيا شاهدت بالعين كيف ان نظام العقيد هو نسخة من نظام البعث وان كان هناك اختلافات في بعض قلائل الامور وتوافهها ولكنه في الصبغة العامة والمنظور الشامل فكلاهما وجهان لعملة واحدة هي الدكتاتورية الشمولية والتوريث والبطش والاستعلاء وتقريب الاقرباء والمنع والاعطاء على اساس الولاء للنظام وليس على اساس الولاء للدولة والوطن ..بل ان الوطن كان اخر ما يهم هذه الانظمة الفقيرة جدا للاخلاق والعرف والمعارف ..هكذا سقط اصدقائي الروحانين واقربائي في الفكر واحد تلو الاخر ..فقد تبع نظام القذافي نظام اخر معاد لنظام البعث واقصد به النظام القائم في ايران فهو الاخر كان بالنسبة لي في فترة ما نظام يعبر عن تطلعات الانسان نحو الحرية والكرامة ونبذ اذلال الانسان مهما كان ومن اي جهة اتى ولكن ما نقله لي الكثير ممن كانوا يتخذون من ايران مقرا للاقامة جعلني اعيد النظر واعيد حساباتي واعلن خطأي في التقييم واعدل عن الاخوة تلك بعد ان قارنت بين احوال المقيمين واللاجئين لاوربا وبين المقيمين واللاجئين لايران ولاحظت الفرق في التعامل وتوفير الظروف المعاشية لهم وخصوصا مع رأته عيني وسمعته اذناي من اتهامات باطلة وجهها النظام الايراني لشعبه المتظاهر.. بالعمالة والخيانة فقط لانهم يختلفون معه في رؤاهم وافكارهم ... اسوق كل تلك المقدمة لاقول ان ما نراه اليوم من تعاطف مع الاحزاب الاسلامية في منطقتنا لا يعدو ان يكون سوى تعاطف جاء وبني على اساس عداء الشعوب لانظمتها المستبدة فهي ترى في كل عدو لتلك الانظمة صديق لها ورفيق افكار وتحدي.. تتعاطف معه وتنظر له نظرة المُخلّص والمنقذ من براثن القسوة والجبروت والظلم والتعدي.. خصوصا وان تلك الاحزاب والمنظمات تتناغم في افكارها مع معتقدات الشعوب الدينية لا بل وتطرح نفسها كحامي للدين ومدافع عنه ..وقد يصل الامر في بعض الاحيان الى تبني افكارها وحملها محمل مقدس ومحاولة تعميمها ونشرها كيدا بالنظام القائم المستبد الظالم .. وحينما تسنح للشعوب الفرصة وكما حصل في الانتخابات بعد الثورات العربية سترد تلك الشعوب الفضل لتلك الاحزاب والمنظمات الاسلامية لتضعها في المكان الذي كان يشغله الغريم والعدو اللدود _الحاكم المستبد_ نكاية به وتفريغا لشحنات العداوة المخزونة في دواخلها لسنين طويلة .. وعرفانا منها لزمن _النضال والجهاد_ الذي واصلته تلك الاحزاب والمنظمات في مقارعتها للنظم الفاسدة ولما كابدته من قسوة في تعامل الانظمة معها ومنعها من ممارسة حقوقها السياسية وقمع افكارها ومنع الانتماء اليها وتسقيطها .. وكل تلك الظروف كانت عاملا مساعدا لزيادة التعاطف ..
لكن كل ذلك لن يكون سوى بداية السقوط لتلك الاحزاب ..وبداية لفك عرى الصداقة والاعجاب وسيتحول ذلك التعاطف الى نقمة وكره وربما ستعاد دورة حياة جديدة لتعاطف جديد مع مكونات واحزاب جديدة .. عندما تظهر المساوئ التي زينها التعاطف واخفاها بُعد تلك الاحزاب عن اشكالية السلطة وحب النفوذ ولعنة الحكم وسيظهر الجهل المتفشي بين تلك الاحزاب حين تتصارع داخليا فيما بينها وتتقافز وتتهافت على المناصب ويهزها الطمع ويشتعل في اركان مبادئها الجشع وتترك الحبل على الغارب وتلتهي بتوافه الامور لتبرز عضلاتها على الضعفاء وتنشر فتاويها وباتجاه الثقافات والفنون والادب منشغلة عن الاساس والمشاكل الرئيسية التي جعلت الشعوب تثور في وجه الانظمة السابقة وتشمئز منها .. حينها سيبدأ موسم للسقوط من على حبل الاستقامة وسراط خدمة الوطن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد توغل بري إسرائيلي وقصف مكثف.. نزوح عائلات من حي الزيتون


.. هل بدأت التحولات بالمواقف الأمريكية من حرب إسرائيل على غزة؟




.. هل سيؤدي تعليق شحنة الأسلحة الأمريكية لإسرائيل للضغط على نتن


.. الشرطة الهولندية تفض اعتصام طلاب مؤيدين لغزة بجامعة أمستردام




.. هل بدأت معركة الولايات المتأرجحة بين بايدن وترامب؟ | #أميركا