الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضرورات التحوّل المرحلي إلى الديمقراطية في سوريا؟

عماد يوسف

2012 / 2 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


التحوّل إلى الديمقراطية في عالم اليوم بات استحقاقًا تاريخياً لا يُمكن لأحد أن يتجنبه، وخاصة في دول العالم الثالث. وأهمها تلك المحكومة بأنظمة شمولية مستبدة مضى على وجودها في سدّة الحكم سنوات طويلة. تتباين تلك الدول والمجتمعات في تركيبها البنيوي السوسيولوجي وتختلف من بلد إلى آخر. مما يجعل مسألة التحوّل هذا أمراً ليس شديد التعقيد فحسب، بل يُشكّل خطورة كبيرة فيما لو تمَّ هذا التحوّل بطرق وأساليب عنفية أو انقلابية جذرية في بنية النظام السياسي والمجتمع. يًُشكّل التنوع الاجتماعي والأهلي بُعداً خطيراً جداً في عملية الدمقرطة فيا لو تمت بأساليب ونهج يصبغهما العنف، فالديمقراطية ليست هدفاً بحد ذاتها، بقدر ما يجب أن تكون مترافقة مع تحوّلات كثيرة، في بنية النظام السياسي، والدولة كمفهوم وتبدّل في التشريعات والقوانين وحماية الحقوق، وتحقيق العدالة والمساواة وغيرها من استحقاقات لهذا التحوّل الديمقراطي. وإلاّ إذا بقيَ هذا التحوّل، مرهوناً فقط في تغيير ديمقراطي يُشبه عملية قلب موازين للقوى السياسية المتصارعة على السلطلة. بمعنى صعوبة الفصل بين الديمقراطية كمفهوم سياسي ونظام حكم عن سياقه التاريخي الذي نشأ عليه، ومارافقه ذلك من تغيير شامل في مفاهيم وبنى سياسية وحقوقية، وقانونية، ومجتمع مدني وغيرها. وهنا لا يُمكن أن نطلق توصيف تغيير بنيوي جذري وشامل على هذا التحوّل، بل يُمكن تسميته في أفضل الأحوال تبدلاً في النظام السياسي، يتحول من بنية نظام ذات طبقة أوليغارشية مستبدة، إلى نوع من الديمقراطية الكاذبة، أو المقنّعة، لمصلحة جهة ذات أغلبية قد تكون سياسية، أو مذهبية، أو دينية طائفية. ما سلف توصيفه يُمكن اسقاطه على عملية التحوّل التي حصلت في العراق بعد احتلالها من قبل الأمريكان واسقاط نظام صدّام حسين في العام 2003. فبنية النظام العراقي استعادت تركيبتها البدائية الأولى الماقبل وطنية، وشكّلت بديلاً للإنتماء الوطني المُفترض. وصولاً إلى تحوّلها إلى خندق لصراع حقيقي في بنية المجتمع العميقة والمتنوعة. أمّا هيكيلة الدولة إذا صح تعبيرالدولة، فقد حافظت على بُنيتها وموروثها المتخلف، والفاسد. ذو الطبيعة المقنّعة والكرتونية كمفهوم دولة، و بمرجعية مذهبية وطائفية.
تُخفف مسألة التجانس السوسيولوجي في المجتمع من ارهاصات وخسائر عمليات التحوّل هذا. مما يُجنّب هذه المجتمعات السقوط في أتون صراعات كبيرة تعود بجذورها إلى عمق طائفي أو بٌعد ديني، أو حتى قومي. لذلك كان من الضرورة رسم خطة التحوّلات هذه بأدوات تكون قادرة على السيطرة على الإنفلاتات وتحاشي السقوط في أي مستنقع من الفوضى الشاملة التي يُمكن أن تنتج بسبب هذه التغييرات اللاحقة.
تتحدد معايير التناقضات وعمقها، من خلال عوامل عديدة عاشت وانتعشت في تربة حاضنة شكّلَّ القمع والاستبداد أحد دعائمها الرئيسية. فالتمايز القومي لا بد أن يستنبط نوعاً من الصراع بين الإثنيات غير المتكافئة في حضورها السياسي والاجتماعي. وما ينطبق على الإثنية، ينطبق على الطائفية، وعلى المصالح الفئوية الضيّقة، والجهوية. والإنتماءات العائلية ذات المصالح السياسية والاقتصادية وغيرها. وكل ذلك لابدّ أن يترك ارهاصاته التي تؤدي إلى خلق تناقضات في غاية الخطورة. تصل في لحظة ما، مع توفر شروط انضاجها إلى صراعات لا تُحمد عقباها، قد تطول أو تقصر بحسب بٌعدها المعرفي، وعمقها الاجتماعي، وحواضنها الخصبة.
سوريا، لم تكن استثناءً بين دول العالم الثالث، بل هي ربّما تُشكّل مثالاً خطيراً لما سلف ذكره آنفاً. فهي مجتمع متنوع إثنياً، ودينياً وطائفياً، وغني جداً سياسياً، بل وتتقاذفه رياحات الإنتماءات السياسية أكثر من أي مجتمع آخر. بين إنتماء قومي عروبي، أو قومي سوري، أو إسلامي، أو عولمي، أو حتى اشتراكي أممي وغيرها. وذلك ما لانجده في مجتمعات اخرى ونادراً ما نجد مجتمعات تمتلك هذا التنوع الخطير والعميق في بعده الاجتماعي والذي يشمل كافة أنواع الإنتماءات. وهذا ما يزيد الأمر سوءاً، ويُعمّق التناقضات، ويُكثّف التمايزات حتى يصل بها إلى حواضن عريضة ناضجة للصراع. ومستعدة للتناحر فيما بينها. فإذا دخلت البلاد في أتون الفوضى السياسية، أو الأمنية، أو فقدت سيطرة القوانين والتشريعات سلطتها على المجتمع الأهلي والطائفي والقبلي، ستكون النتيجة الحتمية هي انطلاق شعلة هذه التناقضات وبداية اقتتال أهلي عريض بين المكوّنات المتمايزة، والمختلفة في المجتمع.
للأسباب السابقة، كنّا دائماً نُطالب بالتحوّل الديمقراطي المرحلي. أي المبني على مراحل والذي يتم تحت اشراف سلطة قائمة، قوية، لها أدواتها ونهجها، وتحكم سيطرتها على المجتمع وأركان الدولة ومؤسساتها. فهذا التحوّل يحتاج إلى: قرار، ارادة، وفعل. وهذه لا يُمكن توفرها في ظل مجتمع متناحر وتحكمه انتماءاته القبلية والعائلية والجهوية والطائفية والسياسية المتنوعة. لأنها ومن خلال الفراغ الذي تدخل في دوامته لن تنتهج العقلانية في تعاطيها مع عملية التغيير وقلب نظام الحكم. بل ستشكّل ساحة لصراعات ثابتة ومتحوّلة، علنية ومُبطّنة. وعنفيه ثأرية، وستكون هذه الصراعات مرتهنة لقوى تختلف بحسب اختلاف الشرائح نفسها، قوتها وامتدادها، والدعم المتوفر لها. سواء كان خارجياً أم داخلياً.
لا يعتقدّن أحد بأن السلطة استبدادية وهو ديمقراطي. الجميع مستبد، لأنَّ أزمة الاستبداد هي أزمة فكر وتربية ونتاج موروث ثقافي ومعرفي قديم وتراكمي. فالبدائل التي تطرح نفسها بديلاً للنظام السوري أثبتت أنها قمعيةً و مستبدة أيضاً. وهي وجه آخر لذات العملة. ولو كانوا هم أنفسهم في سدّة السلطة سابقاً، لفعلوا ما فعل هذا النظام. لأنهم ببساطة لم يخرجوا من موروثهم القمعي والإقصائي. فهم ينتمون إلى نفس الأكاديمية الإرثية الإلغائية، والقمعية. حتى قبل أن يصلوا إلى السلطة، فكيف يكون الحال عند وصولهم إليها، سؤال عميق برسم المستقبل السوري الذي يقف الآن على شفا هاوية سيسقط الجميع عن حافتها. إذا ما استمروا بانتهاج لغة الإقصاء، والقمع المتبادل..؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحليل منطقي فهل سيجد اذن صاغية؟؟
فهد لعنزي السعودية ( 2012 / 2 / 5 - 17:13 )
اخي الكريم لقد اصبت كبد الحقيقة ولكن المتتبع للشان السوري وبعيدا عن التحيز لهذا الطرف اوذاك يجد بان التدخل السافر لقطر والسعودية ودعم الارهابيين ليس الهدف منه ترسيخ الديموقراطية ـ وهم بعيدون عنها ـ بقدر ما هو خدمة للامبرالية الامريكية والصهيونية العالمية بتسليم الحكم الى الخواسلفيين وهذا يعني استبدال حكم ديكتاتوري بحكم اسوء منه كما هو حاصل في مصر وليبيا وتونس ونشر الفوضى لتنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد وانهاء المقاومة والاعتراف بالكيان الصهيوني.اما المعارضة السورية وبالاخص التي تعيش خارج الوطن هدفها الوصول الى الحكم باي ثمن ولو على حساب تفتيت الوطن وبعده لكل حادثة حديث.

اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة