الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيدة العاصي تقدم قوافل الشهداء قرابينا للحرية

أميمة أحمد

2012 / 2 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


قبل ثلاثين عاما في الثاني من فبراير/ شباط عام 1982 اجتاحت قوات الأسد الأب مدينة حماه الوادعة على كتف العاصي، ذائعة الصيت بنواعيرها، التي تحول صوتها الذي كان رمزا للخصب والنماء إلى أنين وعويل على ثلاثين ألف شخص لقوا مصرعهم في الحملة العسكرية للرئيس الراحل حافظ الأسد ضد ما اعتبره "مؤامرة خارجية ، ينفذها مارقون عن القانون ويضمرون الشر لسورية التي تقاوم المشروع الصهيوني الأمريكي ، المقاومة لتحرير الأراضي العربية المحتلة منذ 1967".

اتهم النظام السوري آنذاك تنظيم الأخوان المسلمين بقيادة أعمال عنف في سورية، منها تفجير مدرسة المدفعية بحلب شمالي سورية عام 1979 ، راح ضحيته نحو 300 طالب ضابط ، ونفى الأخوان المسلمين مسؤوليتهم عن ذلك وعن غيره من أعمال العنف ، غير أن النظام حظر التظيم بإصدار القانون 49 عام 1980 الذي يجيز عقوبة الإعدام بحق كل من ينتمي لتنظيم الأخوان المسلمين .

دخلت قوات الأسد الأب مدينة أبي الفداء الاسم التاريخي لمدينة حماه ، تتكون من قوات مدربة تدريبا جيدا على قتال المدن ، وهي : سرايا الدفاع، واللواء 47/ دبابات ، واللواء 21 /ميكانيك، والفوج 21/ إنزال جوي وهي قوات خاصة ، إلى جانب أفراد المخابرات ، وأعضاء حزب البعث في حماه ، وقاد تلك الحملة العقيد رفعت الأسد، الشقيق الأصغر للرئيس حافظ الأسد ، واستمرت الحملة العسكرية الأمنية 27 يوما ، بدأت في 2 شباط / فبراير عام 1982 . حماه التي تُصنف أقدم مدينة في العالم قصفوا أحياءها ، الحاضر السوق التجاري ، البارودية والحميدية وغيرها من الأحياء الشعبية ، ذات التاريخ العريق . راح ضحية تلك المجزرة وفق توماس فريدمان :" قام رفعت الأسد بالتباهي بأنه قتل 38 ألف شخص في حماه" ، لكن مختلف التقديرات تشير إلى مقتل نحو 30 ألف شخص ، وخمسة عشر ألف مفقود لازال ذووهم ينتظرون عودتهم ، ولازالت قضايا الميراث والزوجات معلقة في غياب معرفة حالتهم أموات أو أحياء.

هذه المدينة الحالمة على ضفاف العاصي تغيرت ملامحها ، غابت أحياء كان الأسد الأب وأخوه رفعت يظنان أن " المارقين عن القانون " يختبئون فيها، هدموا 88 مسجدا وثلاث كنائس ، فيما هاجر نحو 100 ألف خارج سورية مخافة أن تطالهم عقوبة الإعدام وفق القانون 49 سيئة الصيت والسمعة .
بعض الشهادات عن المجزرة
روت سيدة من سكان حي البارودية ، كانت مفتشة بالتربية والتعليم أن الجنود دهموا البيت وهم نيام، وأخرجوا كل من في البيت إلى الشارع بثياب النوم ، وأمروهم بالاصطفاف للجدار وأيديهم على رؤوسهم ، وبعد تقريعهم بكلام بذيء ، تقول السيدة، والله استغرب أين تعلموا هذا الكلام النابي ليخاطبونا به ، كنا وكل سكان الحي بالشارع بملابس النوم، ثم عزلوا الرجال عن النساء وأمروهم أن يصطفوا ويولوا وجوههم نحو الجدار وأيديهم خلف ظهورهم ، ثم فتحوا الرشاشات عليهم ، ولم يوقفهم صراخ النسوة من الأمهات والأخوات والزوجات والبنات ، اللواتي نالتهم رشاشاتهم أيضا ، تصفية جماعية ، راح فيها الشيوعي والإسلامي والبعثي الموالي للنظام سواء بسواء وأيا كان انتماؤهم الديني ، مسلم أو مسيحي .

وسيدة أخرى من بلدة سلمية، شرق حماه بنحو 30 كيلو مترا، متزوجة من حموي، كان زوجها عضوا في فرع حزب البعث الحاكم ، قالت " ذهبت أبحث عن زوجي أبو بدر بحماه بعدما فكوا الحصار عنها ، كنت أمشي فوق الجثث المتراكمة فوق بعضها في ساحة العاصي وهي الساحة الرئيسية للمدينةـ حيث تم إعدام المئات رميا بالرصاص ، ولم تنفع توسلات أبو بدر لهم أنه مع النظام وعضو فرع حزب البعث ، بل نهروه أن يصمت لأنه كاذب كما قيل لها من أحد شهود المجزرة ".

وهكذا لم تكن ضحايا مجزرة حماه من الأخوان المسلمين كما يزعم النظام الأسدي ، بل من كافة شرائح المجتمع الحموي ، ومن مختلف مشاربهم السياسية والدينية، ولم يكلف النظام نفسه أن يبحث بأسباب ماحدث في حماه يومذاك ، ولا معاقبة من قام بهذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان ، بل قدم مكافآت بترفيع المسؤولين عن تنفيذ الحملة العسكرية ، رفعت الأسد أصبح نائب الرئيس لشؤون الأمن القومي ، ومحافظ حماه آنذاك محمد حربة تقلد منصب وزير الداخلية ، ومنح الضباط المشاركين رتبا أعلى ، وهو سلوك يعبر عن استهتار واضح بالإنسان، واستعلاء على المواطن ومعاملته معاملة العبيد ،مما جعل الجراح تعتمل في صدور هؤلاء المذلين المهانين عقدين ونيف ، لتنفجر في 15 مارس 2011، ليسو وحدهم هذه المرة، بل سورية برمتها انتفضت لكرامتها بعد 42 عاما من الاستبداد .

حتى اليوم نتساءل لماذا خذلت باقي المحافظات حماه آنذاك ؟ ولماذا لم تنجدها بالإضرابات والعصيان المدني لإنهاء دولة الاستبداد ؟ للأسف، وحتى المعارضة لم تكلف نفسها في بحث أسباب الاحتقان السياسي وانسداد أبواب الحوار التي جعلت الوضع يتفجر على هذا النحو؟ وبعض أطراف المعارضة اعتبرت معركتها مع النظام لمواجهة الإسلاميين . أمور كثيرة بقيت حتى اليوم كالطلسم لاأحد يعرفها ، لكن النظام سجل تلك المجزرة من إنجازات الحركة التصحيحية التي انقلب فيها على رفاقه الذين رفضوا كنظام قرار 242 للتسوية مع إسرائيل ، الذي أقرته الأمم المتحدة في أعقاب حرب 1967 ، التي هزمت فيها الجيوش العربية هزيمة نكراء، وكان يومها اللواء حافظ الأسد وزير الدفاع السوري الذي قاد الحرب على جبهة الجولان التي احتلتها إسرائيل ولا زالت محتلة حتى اليوم.
تعود الذكرى الثلاثون للمجزرة ولازالت سيدة العاصي تقدم الشهداء لإنهاء دولة الاستبداد ، كي يعيش أبناء سورية في كنف الحرية التي يحلمون .

أخبرني أحد الأصدقاء، فرّ قبل أيام من حماه لما تتعرض له من حملة " تطهير " أعلنها الرئيس بشار الأسد ووزير داخليته ، أنها تتعرض لحرب إبادة جماعية ، الطرق المؤدية إليها مغلقة، والمدينة في شلل تام ، لاكهرباء ولا ماء ولا مازت للتدفئة ولا مخابز ، الناس تخبز على الصاج وتتدفأ بالحطب ، ولا دواء ولا حليب للأطفال ، إنها حالة لاتطاق ، أكثر مما تعرضت له في مجزرة 1982 .
صدق المثل القائل " الولد سر أبيه " فما فعله الأسد الأب في حماه ، يفعله ابنه اليوم مستعينا بشقيقه الأصغر العقيد ماهر الأسد وفرقته الرابعة لقمع المتظاهرين ، كما فعل من قبل أبيه حافظ الأسد مستعينا بالشقيق الأصغر العقيد رفعت وكتائب سرايا الدفاع .
قتل آلاف الشباب، ومن يزعم أنه يعرف عدد القتلى فهو يكذب – حسب المصدر السابق- ، فالسلطة نفسها – كما قال - لاتعرف عدد القتلى ، المقابر الجماعية في كل مكان ، دفن فيها الكثيرون وهو ما يفسر عدد المفقودين الذي تجاوز 65 ألف مفقود منذ بداية الثورة 15 مارس 2011 ، وأضاف " نكون متفائلين لو قدرنا عدد القتلى من المدنيين والجيش تجاوز العشرة آلاف شخص، لأن المنشقين عن الجيش يُقتلون ، ويُتوقع أن تكون الأيام والأسابيع القادمة أسوأ وأشد عنفا .
ماهذا العنف الأسوأء الذي يتوقعه السوريون؟ فقال إن الخوف أن يستخدم النظام الأسلحة المحرمة دوليا لقمع المظاهرات السلمية ،مثل الأسلحة الكيماوية والأسلحة الجرثومية .

أيعقل يادكتور بشار وأنت الدارس في بريطانية ، أن تقوم بكل هذا العنف ؟ ولأجل ماذا ؟ لأجل البقاء في السلطة؟ لنفترض جدلا أنك قضيت على الثورة وهذا مستبعد بعد شلالات الدم التي سفكت منذ 15 مارس الماضي، أي نظام هذا الذي تقوده على جماجم السوريين ؟
كفى ..كفى .. كفى قتلا ، فالشعب السوري أحرق مراكب العودة ، ولن يعيد خطأ مجزرة 1982 حين خذل حماه وتركها نهبا للقتل والتدمير والتنكيل بأهلها، وكانت عبرة لمن اعتبر لأربعة عقود من الذل والهوان ، الشعب السوري كسر خوفه الذي قيده ، وانتفض لاسترداد حريته وكرامته ، هاتفا " الموت ولا المذلة " كي يعيش أبناؤه رافعي الرأس بين الأمم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة