الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قبل الكارثة المقبلة

أوري أفنيري

2005 / 1 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


لنتخيّل للحظة أن الموجات العارمة ضربت الساحل الغربي من أوروبا وأن عشرات آلاف البريطانيين، الهولنديين، البلجيكيين، الفرنسيين، الإسبانيين والبرتغاليين وقعوا ضحية زلزال سنامي، وأنه قد ضرب الساحل الشرقي من الولايات أيضا.

لكان العالم سينتفض! ولكانت الحكومات ستجند نفسها! وكم ستكون مبالغ الدعم ضخمة خلال ساعات بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه ومنع خطورة تفشي الوباء وتهديد الملايين!

غير أن هذا لم يحدث في أوروبا. لقد حدث في دول آسيوية نائية وفقيرة. وهذا ما يصنع الفرق.



هل كان من المحتّم أن يحدث ذلك؟

لم يكن بالإمكان منع الزلزال أو إصدار تحذير مسبق يكون ناجعا. ولكن عندما حدثت الهزة الأرضية في قلب البحر، كان السنامي متوقعا. بعد أن بدأ عدوه المجنون على وجه المحيط، كان من الممكن فيه تحذير الشواطئ الأكثر بعدا. بضع دقائق كانت تكفي ليهرع عشرات الآلاف إلى أماكن أكثر علوا، أو إلى طوابق أعلى. لم يأت مثل هذا التحذير.

لقد وصل الإنسان إلى القمر. وها هي المركبات الفضائية تصل إلى كواكب أبعد. لقد تم استثمار المليارات لهذه الجهود. إلا أن الشيفرة الجينية الإنسانية لا تكفي لإنقاذ عشرات آلاف الأشخاص من براثم مثل هذه الكارثة الطبيعية.

يمكن دائما الادعاء أن هذه هي "فطنة بعد وقوع الحدث". ولكن لهذا السبب هناك الخبراء الذين من وظيفتهم توقع المخاطر قبل حدوثها. وسائل الإعلام مثقلة بالقصص التي تحكي عن الخبراء الذين أهملوا وظيفتهم، عن مراكز الإنذار التي حصلت على معلومات دقيقة ولم تنقلها إلى غيرها في الوقت المناسب، وعن المؤسسات العلمية التي كانت في عطلة نهاية الأسبوع ولذلك لم يكن بمقدورها التحذير حول وجود حد أدنى من اتصالات الطوارئ في مثل هذه الحالات.

يقولون لنا أن الوضع في المحيط الهادئ أفضل بكثير، فيوجد هناك وعي أكبر لمثل هذه المخاطر. لا عجب في أن كلمة "سنامي" هي كلمة يابانية (نحت للكلمتين "ميناء" و"موجة"). ولكن السؤال هو، هل سكان سواحل المحيطات الأخرى أقل أهمية؟



يعتبر رد فعل العالم الغربي بمثابة فضيحة.

لم يقطع رئيس الحكومة البريطاني، طوني بلير إجازته في مصر، أما كوفي عنان فقد قطع إجازته في اليوم الرابع من الكارثة فقط، وعندها ألقى خطابا مفعما. الرئيس الأمريكي بقي في مزرعته في تكساس وأصدر بلاغا اعتياديا هاجم فيه المنسق من قبل الأمم المتحدة جان إغلمد على انتقاده "لبخل" الدول الغنية. لقد اعتذر ذلك الرجل فورا. أما كولين باول، الذي تحول إلى كاريكاتير ساذج لذاته، فقد رفض الادعاء بأن الولايات المتحدة لم تفعل ما هو ملقى على عاتقها حين خصصت 15 مليون دولار للمساعدة!

وفعلا كانت ردود الفعل العملية تثير السخرية. فبعد مرور عدة ساعات كان من الواضح أن هناك حاجة إلى مليارات الدولارات للإنقاذ، الوقاية ولإعادة الإعمار. لقد تبرعت الولايات المتحدة في بداية الأمر بمليون ثم 15 مليون وبعد ذلك زادت المبلغ إلى 35 مليون - وهو أقل من المبلغ الذي تم تبذيره في احتفالات دخول جورج بوش إلى فترة توليه الثانية. (بعد الضغط الذي تمت ممارسته ارتفع المبلغ بعد ذلك بعشرة أضعاف). بريطانيا تبرعت بمبلغ مماثل. ودول أخرى تبرعت بمبالغ متفاوتة. حتى إسرائيل تبرعت بمبلغ ما، وأقامت ضجة وكأنها أنقذت العالم بأسره.

لم يكن هذا كله إلا نقطة في بحر – استعارة لها معنى حزين في هذه الأيام.

يمكن تبرير ذلك بالصدمة التي انتابت العالم في الأيام الأولى. ومر وقت حتى استوعبت الأوساط السياسية في مختلف أنحاء العالم حجم الكارثة. لقد بث التلفزيون، وهو جهاز يلائم كثيرا مثل هذه الأوضاع، الصور الفظيعة إلى كل البيوت وأثار الرأي العام وأحدث ضغطا على السياسيين. إلا أن هذا كله لم يكن كافيا لإيقاظ رد فعل ملائم. ناهيك عن أن وسائل الإعلام قد ركزت على بعض الأماكن التي يسهل الوصول إليها، متجاهلة آلاف الأماكن صعبة الوصول. بهذا الشكل تبلورت صورة كاذبة تماما عن حجم المساعدات، واحتلت الروايات المحزنة مكان التقارير الحقيقية.



من الممكن الادعاء أنه لا توجد أية إمكانية لتوقع كارثة بحجم كبير كهذا مسبقا والاستعداد لها. ربما يكون ذلك صحيحا. إلا أن العالم لم يكن مستعدا لكارثة أقل حجما.

قبل عدة سنوات، بعد الزلزال الذي ضرب اسطنبول، نشرت الصحيفة العالمية "هارلد طريبيون" نداء وجهته لإحداث ثورة فكرية في هذا المجال، وقد اقترحت إقامة قوة إنقاذ دولية.

ناديت بإقامة قوة دائمة لها غرفة عمليات وسلسلة قيادية، يمكنها توفير رد خلال ساعات على كارثة كبيرة، وتجنيد كل الاحتياجات، خلال أيام، للرد على كارثة عالمية كبيرة.

لهذا الهدف هناك حاجة إلى غرفة عمليات دائمة، تكون على أهبة الاستعداد كل الوقت، على مدار الساعة. يجب أن تكون لغرفة العمليات هذه سيطرة على قوات الإنقاذ في الدول المختلفة، والتي يمكن استنفارها بسرعة. على غرفة العمليات أن تجهز البنى التحتية اللوجستية بهدف الإسراع في المساعدات عن طريق الجو، اليابسة والبحر لأي موقع في العالم، حتى وإن كانت الكارثة قد دمرت الطرقات والموانئ. على غرفة العمليات أن تجهز كوادر منظمة من الخبراء في مجالات الإنقاذ، الطب والإمدادات. عليها أن تحدد مسبقا الموارد في الدول المختلفة التي يمكن استخدامها بتبليغ مسبق وقصير. إذا كانت كل هذه الأمور جاهزة مسبقا، من الممكن إجراء عمليات مكثفة من الإنقاذ والمساعدة خلال ساعات، وزيادتها في الأيام التالية وفقا لمتطلبات الأمر.

يمكن لمثل هذه الهيئة أن تهتم بإنجاز آليات تحذير دولية من الكوارث الطبيعية المختلفة، من خلال استخدام كافة الوسائل المطلوبة، ومن بينها الأقمار الاصطناعية، وضمان توصيل التحذيرات في الوقت الحقيقي إلى السكان الذين يداهمهم الخطر.

لا يجدر بالقوة الدولية أن تحل مكان منظمات المساعدة التطوعية التي تقوم بعمل رائع. بل عليها أن تشكل وحدة التنسيق والقيادة التي بمقدورها العمل بسرعة.

لقد راودتني فكرة بأن مثل هذه القوة يمكنها أن تسهم أيضا في الوحدة الإنسانية. الكوارث الكبيرة توحد الشعوب وتمحو التناقضات، كما رأينا هذا الأسبوع. يمكن لإقامة قوة إنقاذ دولية أن تدفع التعاون الدولي قدما بخطوات سريعة.



لقد حظي اقتراحي بالنشر ولكنه واجه المعارضة الأوتوماتيكية من قبل البيروقراطية الدولية. لقد رد أحدهم، من قبل الأمم المتحدة بنبرة تنبعث منها الإهانة بأنه توجد في الأمم المتحدة مجموعة من الموظفين وهي مسئولة عن هذا المجال، الخ الخ. من الواضح أنه لم يتم فعل أي شيء، وقد رأينا النتائج هذا الأسبوع – لقد مرت أيام ثمينة حتى بدأت الأعمال الفعلية الأولى، ولم يكن هناك أي تلاؤم بين الاحتياجات والردود عليها. إلا أننا رأينا في التلفزيون البيروقراطيين على أنواعهم، ببذلهم المكوية وربطات العنق، يوضحون بأن كل الأمور قد نفذت بشكل صحيح.

يجب إقامة قوة الإنقاذ الدولية لكي تكون مستعدة للكارثة المقبلة. يجب أن يترأس هذه المنظمة شخص ذو نفوذ، له خيال واسع، فكر ثاقب، قدرة على التنظيم وقدرة على إيجاد الحلول بسرعة. يوجد مثل هؤلاء الأشخاص في إسرائيل أيضا. أنا متأكد أن مثل هؤلاء الأشخاص موجودون في دول أخرى. إن ما ينقص هو إرادة عالمية. من شأن الإنسانية في هذه المرة أيضا أن تكتفي بالكلمات الرنانة وبالأعمال التي تهدف إلى القيام بالواجب فقط، وبعد مرور أسابيع ستنسى كل شيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيل الشباب في ألمانيا -محبط وينزلق سياسيا نحو اليمين-| الأخب


.. الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى إخلائها وسط تهديد بهجوم ب




.. هل يمكن نشرُ قوات عربية أو دولية في الضفة الغربية وقطاع غزة


.. -ماكرون السبب-.. روسيا تعلق على التدريبات النووية قرب أوكران




.. خلافات الصين وأوروبا.. ابتسامات ماكرون و جين بينغ لن تحجبها