الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف أهتدى الأنسان الى الموسيقى ؟

رضا الشوك

2012 / 2 / 5
الادب والفن


مع قهوة الصباح
منذ مراحِلَ موغلة في القدم لجأ الأنسان الى تقليد أصوات الطبيعة مثل نداءات الطيور وحفيف أوراق الشجر ووقع حوافر وأقدام الحيوانات ثم اجترح بعض الآلات من العظام والقرون والقصب وأستعملها للغرض نفسه وللوقاية من الظواهر التي ترهبه وفي طقوس السحر والعبادة . وقد عثر على آلات مصوته ترقى الى العهد الحجري القديم ، كالصافرة والناي والمصفار التي تصدر عنها أصوات تشبه كثيرا أصوات الطيور وغيرها من الحيوانات . ففي فرنسا عثر المنقبون على مزمار عظمي من العصر الحجري بأربعة ثقوب وفي مولدوفا عثر على نايات مصنوعة من قرون الآيل يرقى عمرها الى 23 ألف سنة ق . م. تقريبا .
إن المرحلة التي أمضاها الأنسان في عملية أكتشاف الموسيقى تنحصر في أنتقائه الأصوات الموسيقية التي تتعذبها الأذن البشرية من أصوات الطبيعة الهجينة وبعبارة أخرى فإن الأنسان توصل الى إصطفاء الأبجدية الموسيقية من ركام الأصوات المتواجدة في الطبيعة ، وإن تقليد الأصوات الطبيعية ربما كان أول أو أقدم المحاولات الموسيقية عند الأنسان . وفي كافة الأحوال فإن التقليد الحقيقي المطابق تماما للأصوات الطبيعية ذخيرة مهمة من موسيقى مجتمعات الصيد البدائي . وإذا توغلنا في أعماق الماضي الى ما قبل نشوء الخطاب اللغوي لوجدنا أمامنا كائنا مؤهلا فيزيولوجيا للنطق بحكم وجود مركز الكلام في دماغه وبفضل مواصفات حنجرته ولسانه وشفتيه القادرة على إجتراح أصوات ، لكنهه يجهل دلالات هذه الأصوات ، إنه يملك كنزا ثمينا لا يعرف بعد كيف يستثمره . إن عدم تخصصه الصوتي الذي تميز به عن سائر الحيوانات المتخصصة بصوت واحد كان نعمة لديه واي نعمة لأنه يمكنه محاكاة أي صوت يسمعه في حدود الذبذبات التي تستطيع أذنه إلتقاطها ، أي أن الأنسان متلقي وناطق بمستوى واحد تقريبا . أما الحيوان فهو في أفضل الأحوال متلق لكنه محدود "النطق " بحكم تكوينه الفيزيولوجي .
إذن الموسيقى واللغة مرتبطان بالإذن والحنجرة ، لكن الأولى وليدة السماع في المقام الأول ، أما اللغة فوليدة الحنجرة واللسان . والكلمة التي تقال للموسيقى هي "السماع" ، وهذا يؤكد على دور اللسان في اللغة والأذن في الموسيقى . وإذا كان البشر متساوين في قدراتهم النطقية فهم ليسوا كذلك في مستوى رهافة آذانهم الموسيقية ، فهناك نسبة محدودة من يملكون ما يسمى بالأذن الموسيقية بالفطرة أو الوراثة ، ولعل هذه الظاهرة أو الحقيقة تكمن وراء صعوبة تمييز الأبجدية الموسيقية عن طريق السماع مباشرة ، ولأن الأنسان يتميز عن الكائنات الأخرى بذكائه وبوجود مركز للكلام في جمجمته وفي أداء أصوات متعددة ، فإن فسيولوجية الأذن البشرية هي التي مكنته من التمييز بين الأصوات الموسيقية والضوضاء ، لأن الأذن ترتاح أو تطرب للأولى أكثر من الثانية وهي التي توصلت بفضل فزيولوجيتها الى أكتشاف السلالم الموسيقية ، وكانت اول خطوة في تكوين السلم الموسيقي معرفة صوت الأوكتاف (الجواب) وهو النغمة الموسيقية نفسها لكن بطبقة صوتية أعلى أو أوطأ من سابقته.
جاء على لسان الراوي في رواية ( فاوستوس ) لـ توماس مان :
- إن الموسيقى والكلام ينتميان الى عالم واحد ، اللغة موسيقى ، والموسيقى لغة ، فإذا تم فصلهما عن بعضهما نرى أن كلا منهما تلجأ الى الأخرى وتحاكي الأخرى وتستعمل أدوات الأخرى .
لقد توصلت الدراسات في هذا المجال : على أن الأنسان الأول لم يكن في البدء معجبا بصوته في أبعاده الموسيقية ، في حين كان يطرب للأصوات الأخرى في الطبيعة كالطيور مثلا . وان الأنسان في بادئ الأمر لم يدرك أن له صوتا موسيقيا لأن هذا الصوت الموسيقي "كامن" وليس "ظاهرا" كما هو عند الطيور . وسبب كونه "كامن" فيعود الى أن الأنسان ليس مختصا بصوت واحد كبقية الحيوانات ، وهذا يدعونا الى القول بأن الغناء ظهر في سياق عملية تقليد أصوات الطبيعة ، وكما ورد في رواية " الدكتور فاوست " عن المرحلة الطويلة التي أستطاع الأنسان خلالها أن يعزل ويغربل الأصوات الموسيقية من الأصوات اللاموسيقية أو الأبجدية اللافنية في الطبيعة بعد أن تعلم وتذوق فن الموسيقى من الطبيعة والحيوانات ، ومع أن الأنسان لديه حنجرة عجيبة في مقدرتها إجتراح مختلف الأصوات ، إلا أنه يختلف عن بقية الحيوانات لأنه لا يمتلك صوتا محدودا أي أنه غير متخصص بصوت معين كتغريد البلبل أو صهيل الحصان أو زئير الأسد ...الخ !
يستثنى من ذلك الضحك والبكاء ، وهما صوتان يصدران عن الأنسان في حالتي الفرح أو الحزن ، وما أدرانا لعلهما كانا من أقدم وسائل التعبير عند الأنسان ، لكن له مزية تقليد أي صوت تقع ذبذبته بين(16 – 20 ) ذبذبة في الثانية و (20.000 )ذبذبة في الثانية وهي الأصوات الداخلية في نطاق قدرة أذنيه السمعية وبهذا الصدد نقول أنه في حين يستطيع الأنسان تقليد أصوات الحيوانات دون أن يفهم لغاتها ، فإن بعض الحوانات تستطيع فهم لغة الأنسان دون أن تملك القدرة على تقليده .
يُعزي "جارلس داروين" صاحب نظرية التطور ، نشوء الأغنية الى تقليد أصوات الحيوانات وهي نظرية تذهب الى أن أغاني الحب كانت أقدم النماذج الموسيقية التي عرفها الأنسان . لكن الأعتراض الذي وجه لهذه النظرية يستند الى أن أغاني الحب في الحضارات القديمة كانت نادرة بالقياس الى المواضيع الميثولوجية ، وهذا الأعتراض ربما يطال أيضا النظرية الفرويدية في تفسير مثل هذه الظاهرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انا لاافهم نرفزة السيد الكاتب اهو لانهامخطو
الدكتورصادق الكحلاوي ( 2012 / 2 / 6 - 20:47 )
الاخ الصديق رضا الشوك ماهذا الصدود ونحن ننتمي لتاريخ شعبنا ونضاله
وثقافته بل ننتمي الى الرواد فلماذا هذه النرفزه والطلب برفع تعليقي الحميم

بعض الاصدقاء اتصل بي مستغربا وشارحا في نفس الوقت ربما لان النص المنشور بهذه المقالة هو من مخطوطات الاخ المثقف الكبير الاستاذ علي الشوك-خاصة لاننا نعلم -ودون ان يكون ذالك عيبا-ان الموسيقى او الاسطورة والتاريخ المنشوره في مكان اخر من الحوار المتمدن وانك تقوم بنشرها ولكنك لم تجاوبنا عن السؤال عناستاذ علي الذي اختفى عن النشر من زمن ليس بالقليل
قبل اشهر قراءت مقالة عن المسرح العراقي ورواده وخلفياته التاريخية بقلم الصديق
الاستاذ عادل حبه وعلقت على المقاله وربما ايضا بنوع من الاستغراب رغم تعددية اهتمامات الاخ عادل واذا به يوضح سوء الفهم الذي حدث بارساله توضيحا يبين ان المقالة هي لاخيه الفنان عبدالله حبه ودور الاستاذ عادل هو ارسالها للحوار المتمدن
لاداعي للنرفزه ونحن -الجيل القديم-وقد شارفنا على الثمانين من العمر-نحن ذخيره تاريخية للعراق اينما كان استقرارنا مع اجمل التمنيات

اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب


.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز




.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم