الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيوبواتيكية الحدث ومفاجأت الربيع العربي

فؤاد حمه خورشيد

2012 / 2 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


الجيوبولتيكس فرع من فروع الجغرافية السياسية, لكن منهج هذا الفرع , في التحليل والاستنتاج, يختلف عن أصله لكونه يناقش ويحلل ويستنبط الأحداث السياسية والعسكرية وتغيراتها وما يرتبط يهما مستقبلا , من وجهه نظر علاقتها بأقاليمها الجغرافية , الطبيعية والبشرية والاقتصادية وبمدى تأثيرها مجتمعة في خلق الظاهرة السياسية والإستراتيجية , وربط ذلك كله بالأهمية الجيوستراتيجية للإقليم وبالقوى ذات المصلحة التي تقف خلف او تحرك او تؤثر بذلك الحدث وإقليمه من الداخل او الخارج. وكل حدث سواء أكان داخل دوله , او إقليم , او قارة قد تحركه في الأساس ظروفه الداخلية الموضوعية , وهذا في الديالكتيك يدعى (جوهر الجدث), يأتي بعد هذا الجوهر دور العوامل الثانوية المساعدة او المؤججة او المعقدة او المعرقلة لتطور ونجاح ذلك الحدث او بالعكس والتي تعرف ديالكتيكيا ب (عامل الحدث).فعندما تستحضر هذه الأمور كلها لدراسة الظاهرة او الحدث يصبح الموضوع موضوعا جيوبولتيكيا تحليليا بامتياز.

وقد ساد هذا المفهوم في التحليل الجيوبولتيكي منذ ان ظهر المصطلح عام 1899 وضل كذاك لعقود من الزمن. وطبقت مفاهيمه بشكل واضح في الحرب العالمية الثانية من قبل ألمانيا, , ثم تجددت تطبيقات مفاهيمه أثناء الحرب الباردة (1945-1990 ) من القرن الماضي ولا تزال هذه الأسس التحليلية للأحداث السياسية قائمة , إذ يصعب تجاهل المتغيرات الجغرافية في حسابات القوة والضعف , او الهزيمة والنجاح في الصراعات المصيرية بين القوى المختلفة على المسرح الجغرافي لهذا العالم المضطرب.
مع ذلك فان هذا العلم لم يبق كلاسيكيا في الطرح والتحليل, بل ان أساليبه وتقنياته التحليلية انتابها الكثير من التغيير بفعل الثورة التكنولوجية ومؤثراتها الباهرة في كل المجالات , بما في ذلك المجالات الثقافية, والإعلامية , والسياسية , والاجتماعية والتي ساهمت في خلق ظاهرة جديدة في صنع الأحداث السياسية وبروز عنصر المفاجأة في تلك الأحداث التي يشهدها عالمنا اليوم, وهي التغيرات الدراماتيكية التي يصبح المستحيل فيها ممكنا, ومفاجئا , مثل معظم ثورات الربيع العربي , لتخلق بدورها, بعد نجاحها او فشلها , فترات انتقال جيوبولتيكية قد تطول او تقصر.من هنا تأتي معارضة المدرسة الجيوبولتيكية الجديدة والتي تعرف ب (الجيوبولتيكيا الانتقادية) للأسس الجغرافية التقليدية في التحليل والاستنتاج الجيوبولتيكي لاعتقادها بان للتكنولوجيا المعاصرة اليوم دور هام ومؤثر في قلب موازين قوى الأحداث السياسية الداخلية في الدول , وبخاصة تكنولوجيا الإعلام والاتصالات والانترنيت التي اقتحمت البيوت من غير استئذان من الرقيب او من السلطات الدكتاتورية الحاكمة.

في الواقع ليست ثورة المعلومات والتكنولوجيا المرافقة لها هي العامل الحاسم في خلق المفاجأة السياسية , رغم كونها عاملا مساندا, باعتبارها وسيلة ثانوية او طارئة و التي اسماها( ما و تسي تونك) في حينها بالتبدلات الطارئة على المجتمع, فأطروحات ماو الديالكتيكية تدعو الى دراسة تطور الشئ (الحدث ) من باطنه (داخله) من حيث علاقته او صلته بالأشياء الأخرى التي تحيط به , ويتبادل معها التأثير. فالباعث الأساسي في تطور الأشياء (الأحداث)يكمن في باطنها لا في خارجها, أي في تناقضها الداخلي لان الباطن يشكل جوهر الحدث, أما العلة او التأثير المتبادل بين شئ وأخر فهي علة ثانوية , بمعنى أنها تشكل عاملا مساعدا لذلك الحدث الذي قد تؤثر فيه او تحفزه.

وينطبق ذلك على المجتمعات العربية الثائرة اليوم , فاستقطاب التناقضات في تلك المجتمعات بين المتخمين والجياع , وبين سكنة الفيلات والقصور الفارهة و ساكني المقابر, فضلا عن انعدام الحريات وتنامي الإرهاب السياسي والكبت والقمع وفساد الحكام والسلطة , كل ذلك شكل جوهر الحدث في خلق مفاجآت ثورات الربيع العربي الحالية, وما التكنولوجيا الا عامل مساعد, فإذا كانت التكنولوجيا هي العامل الفصل, فلماذا لم تحدث هذه المفاجآت الثورية في بلدان عربية وغير عربية أخرى فيها من التذمر والقمع وانعدام الحريات اكثر مما كانت تعانيه شعوب دول الربيع العربي الثائرة اليوم.

من هنا تأتي أهمية دراسة ما نسميه ب(جوهر الحدث )للظاهرة السياسية, وهو الوضع الداخلي للدولة بكل تفاصيله : اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا, بما في ذلك أسلوب الحكم والحريات العامة والخاصة, فان حدث التذمر والتناقض وطغى , وازداد الكبت والحرمان واستمر, تحدث المفاجأة , ويحدث الانفجار, ويحدث التغيير,وهو ما حصل من ثورات مفاجئة في دول الربيع العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - زستان ( شتاء)إ
وليد حنا بيداويد ( 2012 / 2 / 7 - 10:46 )
به ريز كاك فؤاد، سوپاسيكى گه ورة.. لا آتمكن من كتابة بعض من ألكلمات -ألشكر باللغة ألكوردية لان آلصفحة تصدر باللغة ألعربية حفاضا على ايصال كل المعانى الى القارئ
ليس هناك ربيع عربى وانما شتاء عربى، فالعراق عاش ربيعا ولكنه سرعان من تحول الى شتاء وجمود قتل فيه ابناء الاقليات القومية وهجرت اعداد هائلة منه من دون ان تتمكن الحكومات والحكومات المحلية من فعل شئ فاى ربيع هذا يا كاكة فؤاد، اى ربيع هذا والناس تقتل وتؤكل حقوقها، اى ربيع هذا ينعدم فيه القانون والنظام والامن والامان، ان مسالة ربيع عربى مسالة الضحك على الذقون يحاول فيها الرتل الخامس الاميركى اعادة الحياة له ولكن تاكد سرعان ما ستزول اسباب هذا الربيع ليتحول الى شتاء قارص وجمود ، لنا تكلمة.. تحياتى لك .. وليد الدانمارك


2 - شكر على تعليق
الدكتور فؤاد حمه خورشيد ( 2012 / 2 / 8 - 19:25 )
الاخ العزيز وليد انا معاك , لكن هذا هو المصطلح السياسي لهذا الهيجان الجماهيري في تلك البلدان , وانا واثق بانها سوف لن تستقر الا بعد فترة طويلة, اشكرك على ملاحظاتك , د.فؤاد

اخر الافلام

.. ماذا بعد موافقة حماس على -مقترح الهدنة-؟| المسائية


.. دبابات الجيش الإسرائيلي تحتشد على حدود رفح بانتظار أمر اقتحا




.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذه حزب الله بطائرة مسيرة


.. -ولادة بدون حمل-.. إعلان لطبيب نسائي يثير الجدل في مصر! • فر




.. استعدادات أمنية مشددة في مرسيليا -برا وجوا وبحرا- لاستقبال ا