الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انفلاتات عفوية أم ثورة اجتماعية؟

المناضل-ة

2012 / 2 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


أزنزار


كلما تفجرت مواجهات عنيفة بين قوى القمع والمتظاهرين بإحدى المدن، تعالت أصوات كثيرة، سيما بين ناشطي حركة 20 فبراير، مبشرة أن الثورة المغربية على الأبواب. حدث هذا مع أحداث صفرو والحسيمة في 20 فبراير، وفي خريبكة واليوسفية بعد ذلك.. والآن تعلو الصرخات داتها مع مواجهات تازة التي فجرها قمع السلطة لمسيرة المعطلين.

هذا المنظور تحفزه رغبة شديدة وحارة في اقتداء طريق تونس ومصر، وحماس خالص ورومانسي لقبر نظام الاستبداد، الذي استمر قرونا لا عقودا وحسب. إن الرغبة الحارة والحماس الشديد ضروريان في كل ثورة، ولكنهما لا يصنعان ثورة. فالناس على حد تعبير ماركس "يصنعون تاريخهم بأنفسهم؛ ولكنهم لا يصنعونه على هواهم. إنهم لا يصنعونه في ظروف يختارونها هم أنفسهم بل في ظروف.. معطاة ومنقولة لهم في الماضي". (18 من برومير لويس بونبارت).

هذه الظروف المستقلة عن إرادتنا هي التي يجب أن تفهمها طلائع النضال السياسي والاجتماعي بالمغرب، ودون ذلك ستتبدد إرادتهم وحماسهم في معارك جزئية مفتقدة لأي أفق سياسي.

الثورة هي اقتحام سريع وعنيف لملايين الجماهير لكل ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك يستوجب أن هذه الجماهير لم تعد لها طاقة لاحتمال الوضع الراهن والطبقات الحاكمة في أزمة سياسية لم تعد معها قادرة على تسيير المجتمع بالطرق التقليدية. إلى جانب هذين الشرطين، وبدون التنظيمات الطبقية المستقلة للجماهير، ووجود حزب عمالي ثوري يركز كل النضالات والانفجارات الثورية، ويعطيها مضمونا وأفقا سياسيين ستتبخر انفجارات الجماهير الثورية كأنها بخار خارج المكبس، حسب تعبير تروتسكي .

الثورة تستوجب أيضا أن تتركز كل شرور ومظالم المجتمع في مؤسسة الحكم، وأن تستقطب كل روافد الاستياء الاجتماعي، بينما تكون هناك طبقة أو حزب أو حركة تحرر الخ.. تمثل كل آمال الجماهير في التحرر من القهر والظلم الطبقيين.

بسبب غياب معارضة جذرية ذات توجه جمهوري استطاعت الملكية (التي أبادت تلك المعارضة في السجون والمنافي) أن تتفادى استقطاب الاستياء الاجتماعي، بل إن الشرائح الاجتماعية (باستثناء شباب 20 فبراير وبعض حركات المعطلين) التي استيقظت للتو لتنخرط في النضال من أجل مطالبها المباشرة تعتبر الملكية محط آمالها، وتصب جام غضبها واستيائها على بطانتها وحكومتها وبرلمانها.. وهذه مرحلة حتمية اجتازتها الجماهير في كل ثورات التاريخ. فقط على أساس تجربتها الواقعية ورفض تلك المؤسسة الحاكمة الاستجابة لمطالب الجماهير يرتقي وعيها ونضالها ليصطدم بجدار النظام الحاكم وتطالب بإسقاطه. شاهدنا هذه الإوالية في ثورة روسيا 1905، وقريبا جدا في الثورة المصرية.

إلى جانب هذه الشرائح هناك الكتلة العظمى من الأمة، تلك الكتلة التي تعاني في صمت وترتجي أن يتم تحسين وضعها دون تأدية ضريبة التضحيات، و ارقاها ضريبة الدم، على غرار الدول الأخرى. إن هذه الكتلة الصامتة هي التي يقع عليها الرهان سواء من طرف النظام أو من طرف مناهضيه، فهي التي ستحسم الأمر في النهاية. ولا شك أن مهمة الحاكمين لا تحتاج إلا إلى "سلبية الجماهير، بينما لم يكن يمكن المعارضة أن تنتصر إلا إذا استيقظت هذه الجماهير ذاتها وبدأت العمل. وبديهي أن مهمة الأولين كانت الأسهل: فإبقاء الشعب في الارتباك والخمود أيسر من أن يشرح له الرهان الذي يدور حوله الصراع بغية جعله يتخذ موقفا". (اسحق دويتشر، النبي الأعزل).

إن تلك الكتلة الصامتة لن تتحرك ما دامت تأمل في إصلاح يأتي من أعلى، هذه الكتلة التي ليست مع حركة 20 فبراير ولكنها ليست ضدها، هي التي كانت مستهدفة بدعاية النظام وأحزابه ونقاباته وصحافته ومخبريه ومطلقي وشايته.. كل ذلك في مجهود جبار لتحييدها أو بالأحرى ترهيبها بما وقع في ليبيا وسوريا وتصوير أي مواجهة تقع بالمغرب بأنها فاتحة الفتنة والخراب.

إن ما حدث في خريبكة واليوسفية ويحدث الآن في تازة، هو انفجارات يأس وليس مقدمات ثورة. وهذه الانفجارات يحبذها النظام بل يعمل على استثارتها لتبرير القمع والعسكرة وتخويف الشرائح الأخرى غير المنخرطة في النضال.

وتركز صحافة النظام على مثل تلك الانفجارات وتملأ صفحات جرائدها بمظاهر الحرق والتخريب لتلك الغاية بالضبط (مانشيط المساء: تازة تحترق، وعنوان مثير بجريدة أخبار اليوم: "مشاهد غزة.. من تازة"). بينما تضرب جدار التعتيم الإعلامي على النضالات التي تمثل نموذجا ومثلا للاقتداء.. فلا كلمة كتبت حول نضال سكان بني بوعياش ومقاطعتهم النشيطة للانتخابات والإضراب العام الذي خاضوه مؤخرا. وحاولوا أن يبقوا في المؤخرة تجربة سكان بوعرفة التي دامت أكثر من 3 سنوات من مقاطعة أداء فواتير الكهرباء.. وقبل هذا بسنوات التجربة الرائدة لسكان طاطا 2005 في نضالهم ضد التسعيرة الصحية.

صبيحة انتصار الانتفاضة العمالية بقيادة الحزب البلشفي في أكتوبر، سارع جمهور البورجوازية الصغيرة المتأثر بصحافة الرصيف لمعاينة الثورة: أي لرؤية الحرائق وآثارا لدمار.. لكنهم فوجئ بالهدوء الذي يخيم على بتروغراد وبالمحلات فتحت أبوابها والجرائد الصباحية في الأكشاك، فرجعوا خائبين. لقد صححت الثورة الحقيقة الواقعية صورة الثورة التي رسختها الدعاية الرجعية في أذهانهم بإقرانها مع الفوضى والخراب. إن التنظيم الصارم للطبقة العاملة والجنود والفلاحين في سوفييتاتها إضافة إلى وجود حزب مجرب لصراع الطبقات لسنوات طويلة.. أتاح للبلاشفة قيادة انتفاضة أكتوبر بنجاح دون أن تكلف إلا القليل من الأرواح عكس ثورة فبراير التي أطاحت القيصرية وتعتبرها البورجوازية الليبرالية ثورة بيضاء رغم أنها أسقطت المئات من الأرواح فقط لأنها أتاحت لها قطف ثمار نضال الجماهير.. بينما تنعت انتفاضة أكتوبر بالدموية لأنها بالضبط انتزعت منها ليس فقط السلطة بل أساس وجودها المادي بالذات.

يجب أن يرتقي وعي الجماهير إلى مستوى يعتبر أن تلك المؤسسات التي تتعرض للتخريب ملك للشعب وممولة من ضرائبهم، وعليهم الحفاظ عليها والعمل على مصادرتها وتسييرها تسييرا ذاتيا.

ليس الشارع ميدانا للمواجهة بالحجارة مع قوات القمع فقط.. إنه ميدان الالتقاء الروحي والمادي بين الشعب والجيش وسائر أجهزة القمع.. وعند اتصاله بالجماهير يسمع الجندي ورجل القمع لأول مرة نداء الشعب الأخوي، ويقتنع أن قوة الجماهير ليست في قدرتها على القتل والتخريب، وإنما من استعدادها للموت من أجل هدف نبيل.

قال لينين: "السياسة تبدأ حيث توجد الجماهير، حيث تتواجد الملايين وليس الآلاف فهناك تبدأ السياسة الجدية". إن الثورة الحقيقية ستبدأ فقط وفقط حين تحتل الجماهير الشارع وأماكن العمل بالملايين وليس بالمئات أو حتى بالآلاف.

إن قتالية الشباب الذي يواجه جهازا مسلحا بتجربة عقود من قمع النضالات، مطلوبة.. ولكن مطلوب أكثر من ذلك صقلها وإعطاؤها هدفا وتوجيهها في قنوات جديرة بحفز تلك الملايين للخروج للاحتجاج. فقط بتنظيم الجماهير وتوعيتها ومد نضالاتها الجارية بأفق سياسي يتضمن الظفر بالحرية السياسية والإشراف على كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية من طرف الكادحين أنفسهم، والانخراط في أشكال للنضال تصيب النظام في مقتله أي تعزله عن تلك القاعدة الاجتماعية التي لا زالت ترى فيه محطا لتحقيق آمالها؛ إضرابات عامة ومظاهرات جماهيرية واحتلال أماكن العمل وعصيانات مدنية تتضمن حرمانه من موارده المالية سواء بعدم أداء الضرائب أو الفواتير. ذلك ما سيتيح للثورة المغربية أن تكون ثورة أصيلة ومنتصرة.

إن مقومات الثورة المغربية متواجدة، وهي تتبدى لنا هنا وهناك في معارك ونضالات بطولية من أجل مطالب جزئية اقتصادية واجتماعية أو في نضال حركة 20 فبراير. لكن هذه الثورة محكوم على بأن تتبدد في شكل انفجارات عفوية ومعارك أنصار مع قوات القمع.

الثورة تحفر ببطء كالخلد وهي تتأكل أسس هذا النظام كالأسيد، هذا النظام الذي سيسقط يوما نتيجة تناقضاته الخاصة كما نتيجة ضربات الجماهير، لذلك فكل محاولة لتسريع الأمور لن تؤدي إلا إلى كوارث مكلفة.. وفي الأخير هزيمة الحراك السياسي والاجتماعي القائم الآن بالمغرب.

لقد افتتحت الثورة التونسية عصر ثورات القرن 21، والثورة المغربية قادمة لا محال. لذلك لا يجب العمل على استثارتها بوسائل مصطنعة، الانفجار الجماهيري قادم ما علينا إلا إعداد أنفسنا تنظيميا وبرنامجيا وإعداد الطلائع سياسيا لتكون في مستوى ذلك الانفجار.. كي لا نعيد ما وقع في تونس ومصر وتسقط ثمار ثورة الجماهير في أيدي الليبرالية الخانعة والجبانة والمتحالفة مع الاستبداد حتى عشية إطاحته.

إذا لم تتلاقى روافد النضال هذه- التي تسلك اتجاهات متباينة- في نهر الثورة الجارف، سوف تتفكك هذه النضالات والمعارك وتتيح للنظام فرصة التقاط الأنفاس لإعادة الأمور إلى نصابه هو.

الخميرة الثورية متواجدة، وتتجلى بشكل يومي في العناصر المستاءة من الظلم والاضطهاد وإهانة الكرامة، إلى جانب طلائع النضال التي أفرزتها نضالات 20 فبراير وحركات المعطلين.

على اليسار الثوري، إذا أراد أن يكون جديرا بهذا الاسم، أن يلتفت جهة هذه الطلائع وقياداتها الميدانية ويمدها بمنظور صحيح للنضال؛ الماركسية الثورية التي لا تستطيع مرجعية أخرى غيرها أن تمد المناضلين بفلسفة وعلم الثورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناتور أمريكي لنتنياهو: نقف بجانب إسرائيل في حربها ضد حماس


.. نحو نصف الديمقراطيين يدعمون استبدال الرئيس الأمريكي جو بايدن




.. ناشط يوثق اشتعال النيران في مستوطنة -كفار عتصيون- شمال الخلي


.. فوضى في شوارع العاصمة الهندية جراء سقوط أمطار قياسية




.. منافسو الرئيس الموريتاني يتهمونه باستغلال موارد الدولة لتحقي