الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الليبرالي الوطني...والليبرالي المعدل وراثيا!

باتر محمد علي وردم

2005 / 1 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


من أصعب المهام في العالم العربي أن تكون مثقفا أو إعلاميا ليبراليا، ووطنيا في نفس الوقت! أن صفة "ليبرالي" نفسها تفتح هجمات النقد والتشكيك من قبل التيارات الثقافية العربية، والالتزام بالوطنية يعني أيضا المناعة أمام الضغوط والمغريات الغربية للإنضمام إلى جوقة "الليبراليين الجدد" الذين يروجون للسياسات الأميركية في المنطقة.
يمكن القول بأن الكثير من الآليات الاجتماعية في الطبيعية وبين الكائنات الحية وعلاقتها مع البيئة المحيطة تنطبق على بني البشر في كل المجالات ومنها الثقافة. في الطبيعة تتعرض بعض الكائنات إلى خطر الانقراض نتيجة تمتع المنافسين بمزايا تتناسب مع البيئة المحيطة وتتأقلم معها، كما أن بعض التطورات الخارجية تعرض أنواع من الكائنات إلى خطر الانقراض في حال تم "تطوير طفرات وراثية" وكائنات معدلة منافسة لها.
وفي البيئة الثقافية العربية، يبقى المثقف الليبرالي الوطني هو الأكثر تعرضا لتهديد الانقراض لأنه الأقل تكيفا مع البيئة المحيطة، مع أن هذا لا يعني وجود خطأ في الفكر، ولكن عدم التكيف مشكلة رئيسية. البيئة العربية لا تدعم الفكر الليبرالي، لأسباب جوهرية لها علاقة بالتاريخ والمعتقدات والطبيعة الاجتماعية التسلطية. والأنظمة السياسية والاجتماعية العربية لا تدعم الفكر الليبرالي إلا في حالات نادرة تشكل الاستثناء من القاعدة.
المثقف الليبرالي العربي يحمل قناعات ليبرالية وأهمها الايمان بمبادئ الحرية الفردية ضمن سياق المجتمع، وسيادة القانون الإنساني، والفصل بين الدولة والدين، والتسامح مع المعتقدات الأخرى، ودعم حقوق الإنسان والمرأة والأقليات الدينية والعرقية، والالتزام بالحرية في التعبير والكرامة والديمقراطية والتعددية. وهو أيضا يرفض الاحتلال الأميركي والإسرائيلي وسياسات الهيمنة الرأسمالية الاقتصادية ولا يقبل الوصاية الأميركية على الثقافة العربية ويرفض كل أنواع الإرهاب والعنف السياسي وتعريض المدنيين للموت، حتى لو كانوا أميركيين وإسرائيليين، ويرفض التمييز بين الناس على أسس دينية وبالتالي يرفض الهجوم على اليهود بسبب ديانتهم إذا لم يكونوا من المؤيدين للصهيونية العنصرية.
الكثير من هذه الأفكار الليبرالية يتناقض مع الأفكار السائدة في العالم العربي، ومنها الفكر الديني والقومي والسلطوي، وهي الأقوى تأثيرا والفكر اليساري الذي يواجه صعوبة أيضا في التكيف مع العالم العربي. ولكن أخطر ما يواجه الليبرالي العربي الوطني حاليا هم "الليبراليين المعدلين وراثيا" الذين أنتجتهم مختبرات البنتاجون والاستخبارات الأميركية للترويج للسياسات الأميركية في المنطقة باستخدام الشعارات الليبرالية.
يواجه الليبرالي العربي الوطني هجوم الفكر الديني الذي يعتبر نفسه يمتلك الحقيقة المطلقة، ويرفض الكثير من مبادئ التعددية والتسامح ويتهم الليبراليين بتجاوز التقاليد الدينية والاجتماعية والدعوة إلى الانحلال والحريات الاجتماعية والثقافية المرفوضة من وجهة نظر دينية، وخاصة من قبل التنظيمات المتطرفة والأصولية، سواء كانت تستخدم السيف أو القلم.
أما الفكر القومي فيعتبر أن الليبراليين عملاء للخارج يحاولون زرع مفاهيم دعم التعددية والحريات والتسامح بدلا عن مفاهيم الفكر القومي الذي يدعي الحق المطلق والدفاع عن مصالح عرق معين ورفض التعددية السياسية، ويمثل هذا التيار الأحزاب العربية القومية الداعمة للأنظمة التسلطية العسكرية.
وترفض التيارات السلطوية أيضا الفكر الليبرالي باعتبار أنه يدعو إلى التعددية السياسية والفكرية داخل الدولة وتأييد المعارضة السلمية واحترام حرية الرأي، وهو ما تعتبره السلطات خروجا عن القانون الوطني.
أما التيارات اليسارية فهي الأقرب فكريا إلى الليبرالية السياسية والثقافية في مجالات التعددية، ولكن اليسار العربي يربط الليبرالية السياسية مع الليبرالية الاقتصادية والرأسمالية الاستغلالية ويعتبر أن الليبرالي مهادن للرأسمالية والاستعمار ولا يضع حدودا فاصلة بين الليبرالية السياسية والاقتصادية.
ولكن أخطر منافسي الليبراليين العرب الوطنيين هم وبلا شك الليبراليين المعدلين وراثيا الذين تم أنتاجهم وتعديل أدمغتهم في مختبرات وزارة الدفاع والاستخبارات الأميركية بعد 11 سبتمبر في مخطط مبرمج لنشر هذه الكائنات المعدلة في الوسط الثقافي العربي، والترويج للسياسات الأميركية الاستعمارية في المنطقة تحت شعارات ليبرالية. أن الليبرالي المعدل وراثيا يستخدم نفس مصطلحات ومبادئ الليبرالية عندما يدعو إلى الديمقراطية وحرية التعبير وفصل الدين عن الدولة والتعددية الثقافية والسياسية، ولكنه يصل في النهاية إلى مبتغاه من خلال الترويج للسياسات الأميركية خاصة في نشر فكرة أن السياسة الأميركية ترغب في دعم الديمقراطية في العالم العربي، والتغاضي التام عن انتقاد الجرائم الأميركية ضد العرب والمسلمين وتبرير دعم الاحتلال الإسرائيلي بحجة عدم وجود قيادات فلسطينية متعقلة، وأخيرا الترويج لفكرة أن الإرهاب "منتج ثقافي إسلامي وعربي" بمعزل عن أسبابه الحقيقية في الاحتلال والاستعمار والجرائم الأميركية- الإسرائيلية.
سوف يفشل الليبراليون العرب المعدلون وراثيا في نشر هذه الأفكار البلهاء، ولكن المشكلة أنهم سيقضون على مصداقية الليبراليين العرب الوطنيين إلا إذا استجمع هؤلاء قوتهم في مواجهة الكائنات المعدلة وراثيا وحافظوا على أنفسهم من الانقراض!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا