الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا أنا متفائل؟

تامر وجيه

2012 / 2 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في نوفمبر الماضي - وأثناء موقعة محمد محمود حين أظهر الآلاف من الشباب الفقراء بسالة نادرة - كان توقعي أن المجلس العسكري لن يسقط نتيجة المواجهات الجارية آنذاك، لكن من الممكن انتزاع بعض التنازلات منه.

ما حدث فعلا، كما نعلم جميعا، هو أن المجلس لم يسقط وأن التنازلات التي قدمها كانت أقل مما توقعت. فالحكومة التي أتت محل حكومة شرف كانت أقل بكثير من توقعات الثوريين في الميادين. كذلك لم يحاسب أحد في الداخلية أو الجيش عن مذابح الشهور السابقة. هذا ناهيك عن إن المطالب الأهم المتعلقة بالقصاص من قتلة الثوار وإعادة هيكلة الإعلام والقضاء والداخلية لم يتحقق أيا منها.

الآن أنا أرى أن المجلس العسكري على وشك الرحيل، وكثير من مطالب الثورة الديمقراطية (في حدها الأدنى) على وشك التنفيذ.

لماذا؟

السبب أن حكم المجلس العسكري أصبح، فيما أعتقد، عبئا على الطبقة الحاكمة، في حين أن هناك بدائل أفضل منه لا تمس بالضرورة المصالح الاستراتيجية لتلك الطبقة.

سأشرح ما أريد قوله.

إسقاط المجلس العسكري بحركة ثورية من أسفل تحل محله أمر شديد الصعوبة ويتطلب توافر شروط كثيرة أغلبها غير متوفر الآن.

عندما فوجئ مبارك ذات يوم بأن هناك ثورة على نظام حكمه، لجأ للشرطة. فلما هزم الشعب الداخلية هزيمة منكرة يوم 28 يناير، لجأ المخلوع إلى الجيش: مؤسسة القمع الثانية، والأكثر فتكا، في الدولة.

لكن الجيش، بعد تقدير سريع للموقف، قرر أن مبارك أصبح ورقة خاسرة وأن الحفاظ على النظام القائم (بالمعنى الواسع للكلمة) يتطلب التضحية بمبارك وحاشيته المقربة.

الآن المجلس العسكري لا يواجه ثورة كالتي يواجهها مبارك. لكن حتى لو واجه مثل تلك الثورة، فإن نجاحها يتطلب إما أن ينقسم الجيش طوليا بحيث يقرر جناح من القادة "تأييد" للثورة، أو ينقسم عرضيا بحيث "يتمرد" قطاع واسع من الضباط الشباب تأييدا للثورة.

وفي كل الأحوال، فإنه لابد من شل جهاز القمع المملوك للمجلس العسكري بطريقة أو بأخرى حتى تنجح الثورة. وللأسف فإن هذا يتطلب أحيانا كثير حربا أهلية بين قسمين من الجيش النظامي.

لكن هذا الانتصار الثوري الكامل ليس الاحتمال الوحيد. من الممكن تحقيق انتصار أقل ولكنه مهم. وهو ما أظن أنه قريب من أن يتحقق الآن.

لكن المجلس العسكري لا يواجه ثورة شعبية. والجيش يبدو متماسك إلى حد كبير. وهناك قطاع واسع من الجماهير يشعر بعدم التعاطف مع ثوريي الميادين. فكيف أقول إذن أن المجلس العسكري على وشك تلقي هزيمة جزئية على يد الثوريين.

المسألة أن المجلس العسكري غير قادر على تحقيق الاستقرار الذي يحتاجه رأس المال، وأن الوضع السياسي في البلد ينتقل من كارثة إلى كارثة، بما ينذر بالدخول في حالة تفكك وصراع لا نهاية لها.

وبسبب تفجر الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بشكل متواصل لا نهاية له، فإن كل طبقات المجتمع بدأت تضج وتطلب تغييرا سريعا ما.

حتى من يكرهون الثوريين كراهية التحريم بدأوا يبحثون عن بديل سريع للكارثة المسماة بالمجلس العسكري.

أتصور أن قطاعا كبيرا من الطبقة الحاكمة (طبعا باستثناء رجال النظام السابق) يميل الآن إلى الإسراع بتسليم السلطة إلى مؤسسات مدنية. فحكم المجلس العسكري جلب الخراب الأمني والاقتصادي عليهم، وهم لا يرون أنه قادر في الأجل المنظور على تجاوز الأزمات التي ساهم في خلقها بنفسه.

أتصور كذلك أن قطاعا كبيرا من الجماهير غير المتعاطفة مع ثوريي الميادين بدأ يضج من المجلس وما يفعله. فكره هؤلاء للثوريين لا يترجم أبدا في صورة حب للمجلس العسكري. وهذا بالتحديد هو ما أكتشفه المجلس العسكري في الفترة من نوفمبر إلى فبراير. إذ ظن أن في مقدوره صناعة "عباسية" في مواجهة "التحرير"، فاكتشف أن العباسية لا يملؤها إلا أمثال سبايدر وعكاشة!

إذن فالمجلس العسكري أصبح عبئا على الجميع، والفضل طبعا يعود إلى الطليعة الثورية في الميادين التي جعلت الحياة لا تطاق بالنسبة له، وذلك بغض النظر عن عدم قدرتها على بلورة بديل وكسب الجماهير إليه.

وضع كهذا الذي أشرحه يدعو الطبقة الحاكمة إلى البحث عن بديل مناسب وغير مكلف يحل محل المجلس العسكري لكن يحافظ على نفس المصالح الأساسية.

وأظن أن عقلاء كثيرين في أوساط الطبقة الحاكمة بدأوا يدركون أنه لتحقيق هذا الانتقال الآمن للسلطة لابد من إجراء بعض الإصلاحات غير الجذرية التي طالما رفض المجلس إجراءها: بعض الإصلاح في الداخلية، بعض الإصلاح في الإعلام.. الخ.

وفي اعتقادي أن أمثل اختيار لعقلاء الطبقة الحاكمة هو التعجيل بانتخابات الرئيس وإزاحة المجلس العسكري عن الحكم بشكل "مشرّف"، مع احتفاظه بنفس المميزات التي حظي بها في ظل مبارك، ومع لعبه أدوار سياسية أكبر لكن من خلف الستار وبدون أي نصوص مكتوبة بهذا الخصوص.

لكن الأزمة بالنسبة أن المجلس العسكري، برغم ضعفه بعد أن أصبح غير مرغوب فيه حتى من الطبقة الحاكمة نفسها، يرفض أي صيغة للخروج لا تضمن له تماما عدم التعرض لأي مسائلة بعد فقدانه صولجان الحكم.

طبعا المجلس العسكري يعرف مصلحته جيدا. فهو يعلم أنه خارج كرسي الحكم لا أحد يضمن شيئا.

والحقيقة أن الدماء الكثيرة التي تسيل، والتخبط الرهيب الحادث، هم، في رأيي، مظاهر لحالة الرعب والجنون والدموية التي تزداد لدى المجلس كلما اقتربت ساعة الرحيل.

أما بالنسبة للثوريين، فإن خروج المجلس بالصيغة الأقل ثورية التي أصفها لابد أن يُقرأ على أنه انعكاس لموازين القوى وعيوب الحركة الثورية المصرية.

لكن رأيي أن التقييم الدقيق لهذا المسار المحتمل سيجعلنا نضعه في خانة "الانتصار الجزئي".

فصحيح أن المجلس لم يتم إسقاطه بحركة ثورية من أسفل حلت محله. وصحيح أن المجلس لم يخرج مخلوعا كمبارك. لكن صحيح كذلك أنه خرج بعد أن فرضت الحركة الثورية عليه وضعا جعله عبئا على الطبقة التي يمثلها. وصحيح أيضا أنه خرج مكسورا ومكروها وغير مأسوف عليه.

الأهم من هذا كله أن خروج المجلس بهذه الطريقة، إن تم، لابد أن يقرأه الثوريون على أنه ليس نهاية المطاف، بل مجرد خطوة على طريق الانتصار الأكبر للثورة المصرية.

إن خرج المجلس بالطريقة التي أتوقعها، فإن ظروفا جديدة ستنشأ جوهرها أن مؤسسات مدنية منتخبة، معبرة في نهاية المطاف للأسف عن مصالح الطبقات الحاكمة، ستحاول أن تحافظ على المصالح القائمة وتعرقل، بوسائل أقل وحشية غالبا، عملية التغيير الجذري التي تطلبها الطبقات الكادحة والقوى الثورية.

هذه الظروف الجديدة، على خلفية الانتصار الجزئي على المجلس العسكري، ستكون في رأيي، في نفس الوقت، أفضل وأسوأ بالنسبة للثوريين: أفضل لأن مساحة الحريات فيها أكبر، وأسوأ لأن عدونا هذه المرة ذو شعبية و"بيلعب سياسة".

لكن في كل الأحوال لا أعتقد أننا سنختلف حين أقول "الثورة مستمرة".. هي مستمرة بفضل عنفوان الحركة الشعبية المتواصل.. بفضل أزمة الرأسمالية العالمية.. بفضل أزمة الإمبريالية إقليميا وعالميا.. وبفضل الفصل الجديد من الثورة والأمل الذي افتتحته الثورات العربية العظيمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهدنة في غزة: ماذا بعد تعقّد المفاوضات؟ • فرانس 24


.. هل تكمل قطر دور الوساطة بين حماس وإسرائيل؟ • فرانس 24




.. 4 قتلى وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة -ميس الجبل-


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. والضبابية تحيط بمصير محادثا