الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نسي الإسلاميون العرب أنهم عرب؟

محمد الحمّار

2012 / 2 / 6
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


الخلط بين شرعة الله كمنارة مضيئة لطريق المسلم وبين الشريعة كجهاز لأحكام فقهية صنعها البشر بواسطة الاستنباط من أصلي القرآن والسنة ليس وحده الخلط الذي ينغص حياة الأمة اليوم. بل تنضاف إلى هذه المعضلة التواصلية واحدة أخرى لا تقل عنها خطورة. وتتمثل في كون الإسلاميين العرب قد يكونوا نسوا أنهم عرب.

ومن الأرجح إلى الظن أنّ هذا النسيان ينمّ عن وضع متسمٍ بالتقليد الأعمى. وهو تقليد ذو جوانب عدّة في ما يلي أهمها: أولا، أنّ الإسلاميين العرب لا يفرقون بين أن يكون الشعب العربي، وهُم منه وإليه، مضطلعا بهويته متعددة الأبعاد وبين أن يعتنق القومية. علما أنّ هذه الأخيرة مذهب فيه غلو في تمجيد العرق يتسم ببلوغ معتنقيه درجة من العدوانية والعدائية والشعوبية تجاه الشعوب الأخرى لا تليق لا بالمسلمين ولا بغير المسلمين. وخلاصة القول في هذا المستوى أنّ الإسلاميين العرب والعروبيين على حدّ سواء مسؤولون عن تقليد الغرب في رؤيتهم للقومية.

ثانيا، أنّ الإسلاميين العرب قد قلدوا الغرب أيضا في ما يتعلق بالتنظيم السياسي في القاضي بالتشكل في حزب ديني، جاهلين أنّ الإيطاليين أو الفرنسيين أو الألمان أو غيرهم ممن ابتدعوا هذا الصنف من التنظيم إنما فعلوا ذلك بعد أن تشبعوا بالقيم الصحيحة التي على أساسها ينبني الانتماء إلى الوطن ثم إلى المجموعة الإقليمية ثم إلى العالم، وجاهلين أنّ الغربيين فعلوا ذلك بعد أن تركوا جانبا كل أشكال التعصب القومي وحسموا في مسألة الهوية. وخلاصة القول في هذا الباب أنّ كلتا الكتلتين، الإسلاميين العرب والعروبيين، تُلام بأنها لم تفلح لا في الاقتداء القومي الإيجابي ولا في التسيّس الديني. كما أنّ كلتاهما لم تحسم في مسألة الهوية (الدينية على الأخص) بما أنّ كلتاهما تحسبها مقالا بينما هي مسار، كما سنرى.

هاتين الحالتين من التبعية المنهجية للغرب لهما تداعيات خطيرة على وجودنا كعرب مسلمين، إن مسلمي الدين أم مسلمي الثقافة. ومن أخطر التداعيات نذكر ما يلي: الإسلامي و العروبي يكِنان لبعضهما البعض عداوة لا يبررها سوى الاستلاب والاغتراب، وانعدام الوعي الذاتي بهوية تتشكل بمرور الوقت وفي كل مكان. ومن الأمثلة على هذه العدائية الجاهلة أنّ الإسلاميين من جهة لا يحسون بمظالم مثل قتل الأبرياء من الشعب العربي، في الحروب و في الانتفاضات وفي "الربيع" العربي، إلا على أساس انتماء الضحايا إلى الطيف السياسي الإسلامي، الذي ينتمون إليه هُم، أو على أساس عدم انتماء الحاكم الظالم إلى نفس الحساسية السياسية الإسلامية. بينما قي نفس الظروف الحربية والانتفاضية ترى العروبيين من جهة أخرى يتخذون موقفا مغايرا لكنه لا يخلو من التناقض هو الآخر: يتصدون للتدخل الأجنبي (في الحالة العراقية قبل عقد، وفي الحالتين الليبية والسورية اليوم مثلا) لكنهم يفعلون ذلك لكأنهم مدفوعون في الوقت ذاته إلى التعبير عن نوع من الولاء للحاكم الظالم المتسلط.

قد تكون مواقف الإسلاميين من جهة ومواقف والعروبيين من جهة أخرى مكملة لبعضها البعض. لكن المشكلة أنّ التكامل لم يتبلور بعدُ في شكل مواقف نضالية موحدة بما يكفي للقطع مع العدائية الإيديولوجية الموجودة حاليا بين الطيفين والمُولدة لعلاقة متكلسة تعكر صفو الحياة في المجتمع بأكمله. ومن آثار التشنج الذي قد يبلغ أقصاه من حين لآخر و الذي تتسم به العلاقة بين الطيفين، بما لا يسمح بتشكل توجه موحد، نسجل عدم الاستطاعة على التفاعل بإيجابية مع الأحداث العالمية التي نحن مركزها في الوقت الراهن. والسبب في هذا الشلل الوجداني هو الحَول العقلي الذي طالما منع الحساسيتين العريضتين من الشعور بالانتماء إلى أمة حسب ما تقتضيه أبجديات الانتماء. ويتمثل الحَول بالخصوص في النظر إلى مسألة الهوية على أنها مادة سياسية تندرج ضمن الأجندات الانتخابية والسجالية والإعلامية، لكأنها هي الحل لمشكلة التخلف العامة ولمشكلة الحُكم بالذات، بينما الهوية معطى حيّ لا يستدعي أبدا تحكما في مساره ولا حَوكمة تحدد ذلك المسار بقدر ما يستدعي الحكمة في تفعيله لكي يأخذ المسار الذي يختاره له الفاعلون الأساسيون: الفرد والمجتمع، لا الحاكم أو الأحزاب.

إنّ المطلوب والحالة هذه هو إيقاف النزيف المتأتي من أزمة تواصلية، لم يتمّ تشخيصها على أنها كذلك (بسبب التخلف التواصلي). ولن يكون فك الاحتباس التواصلي ممكنا إلا في حال اضطلاع العرب بذاتهم، إسلاميا (ثقافيا) ولغويا (ثقافيا أيضا)، في الوقت نفسه. وليست أسلمة المجتمع (المسلم ثقافيا بعدُ) هي الأداة لتحقيق ذلك. كما ليس التعريب اللغوي للمدرسة وللعلوم وللبحث العلمي وللمعرفة هي الأدوات لبلوغ الهدف. إنما تلك كلها نتائج نترقبها كلنا نتيجة اجتهاد فكري و تربوي و سياسي يكون الغرض منه استعادة المجتمع للثقة في مكوناته وفي معطياته. فالثقة هي التي ستحفز العقل والإرادة، وهما الآن في حالة تعطيل قسرية، للعمل على توليد الأفكار ورسم المشاريع وإعداد برامج الإصلاح.

محمد الحمّار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف المتظاهرين فى محيط البيت الأبيض يدعمون فلسطين


.. ألمانيا: اليمين المتطرف يتصدر التوقعات رغم الفضائح التي طالت




.. فيديو: من ربات بيوت إلى حارسات للغابات.. إندونيسيات يكسرن ال


.. تغطية القناة الأولى لأشغال الدورة الرابعة للجنة المركزية




.. تغطية القناة الثانية لأشغال الدورة الرابعة للجنة المركزية