الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجلس الجماعي لمدينة مراكش: بؤرة فساد و سوء تسيير

علاء كعيد حسب
شاعر و كاتب صحفي

2012 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


من الحقائق المؤسفة في تاريخ مراكش الحديث ، وجود منتخبين لا يمثلون إلا أنفسهم و فئة قليلة من رجال الأعمال و الإقطاعيين الجدد ، و لعل من يمثلوننا حاليا في المجلس الجماعي الحالي للمدينة ، نطف أخرى لمكر سياسي يزكي شعور المواطن " العادي " العميق بالإحباط و عدم الثقة . و ليس حديثنا محض افتراء إذا استحضرنا حصيلة هذا المجلس التي تكاد تنعدم فيها نقط مضيئة تخدم الساكنة المراكشية بكل أطيافها و توجهاتها، و تقدم للمواطن ما يطمح إليه و يرجوه.

قبل أعوام ، أثناء حملة الانتخابات الجماعية السابقة التي ظهر علينا فيها هؤلاء الممثلين حاملين يافطات انقاد ما تحت الأرض و ما فوقها ، من بشر و شجر و تراث. ظننا لسذاجتنا ، أن زمن المعجزات قد عاد ، و أن رياح الديمقراطية الحقيقية بدأت تهب على الجسد المغربي . لكن بعد فوزهم بالانتخابات و تقلدهم زمام المجلس الجماعي و مباشرتهم لمسؤولياتهم ، تأكدنا بعد النتائج الهزيلة التي قدموها فيما بعد، أننا في نظام سيء ، تولد عن تفسخ الاستبداد ، و أفسد النفوس بتشجيعه الأرذل و الأقبح فيها ، حتى صرنا نتكلم على حكم طغمة أو عصابة أو نصاب بتعبير ابن خلدون .

بكل أمانة و صدق، هناك شرفاء يكافحون رؤوس الفساد و لكن لا حول لهم و لا قوة، و يبقى الأكيد و الراسخ في ذهن المواطن العادي، تعسفات و تجاوزات الكثيرين ممن يشكلون هذا المجلس، و أبرز مثال هو "محمد الحر" النائب الثالث للعمدة المتهم من طرف الهيئة الوطنية لحماية المال العام، بمراكمة ثروته بطرق غير مشروعة، طرق جعلت من "بلومبي" مليونيرا..
و ما دمنا نتحدث عن الممثلين الجماعيين، فمن الضروري إلقاء نظرة على الجماعات التي يمثلونها و قد صارت أشبه بأسواق منها إلى مؤسسات دولة. غيابهم شبه تام رغم أنهم يتقاضون أجورهم من "جيب الشعب" لقضاء "حاجة الشعب"، و بما أن من واجب الممثل المنتخب تحمل مسؤولياته الدستورية و الأخلاقية، نجد ممثلينا يتفانون في استخلاص الفوائد بكل الطرق و الوسائل و لو كانت عن طريق مص "دم الشعب". لا نعلم مثلا سبب مشاركة الممثلين في إضرابات الموظفين الجماعيين "المشروعة" و ما علاقتهم بها؟أليس من واجبهم قضاء حوائج الناس و فتح مكاتبهم للمواطنين طوال مدة العمل الرسمية؟ متى يحترم المنتخب المواطن الذي خوله منصبه؟
و دون مغالاة، فقد أصبح الممثل الجماعي يجسد صورة النصاب المتكبر في الخيال الشعبي، بحيث يقترن بالشطط و التسيب و الخيانة، و قد حان الوقت برأيي لإعادة الاعتبار للمواطن و الساحة السياسية في ظل ما تشهده البلاد من حراك شعبي يطالب بمحاربة الفساد و تطهير البلاد. و من غير المعقول أن تبقى المنظومة على ما هي عليه، بنفس الوجوه و الذهنية و أساليب العمل، لأنها تساهم حتما في عرقلة مسيرة التنمية على جميع المستويات. هذه السياسية "البالية" أصبحت مرفوضة من الجميع، شبابا و شيوخا من كلا الجنسين. فالشيخ غائب عن حسابات ممثليه، و الشاب مهمش بين الأرقام الرسمية و العناوين.

شخصيا لي ذكرى أليمة مع هذا المجلس، أثناء لقاء مفتوح نظمته جمعيات عن المجتمع المدني قبل عام و نيف، حول موضوع " علاقة الشباب بمخططات التنمية" ، حضره ممثلون عن المجلس الجماعي و الإذاعة الجهوية و بعض المنتمين للعمل الجمعوي ، طرحت سؤالا حينها هو : - ما هي الضمانات التي يقدمها المجلس الجماعي الحالي للشباب المتذمر أصلا من المخططات السابقة التي لم ترتبط يوما بهمومه و تطلعاته ؟ . أجاب عن السؤال ممثلين عن المجلس الجماعي ، الأول صرح بأن الضمانة يوفرها القانون المغربي و أن المجلس الجماعي في إطار وضع مخططات ستجعل الشباب و من بالمدينة يدهشون لنتائجه . أما الثاني فقد كان جوابه يحمل كثيرا من الملامة للشباب ، و وصفهم بالفئة التي لا ترغب و لا تجيد شيئا ، مستشهدا بأن عدد المنتسبين للأحزاب و جمعيات المجتمع المدني قليل جدا ، متناسيا أن المواطنة ليست متمثلة في الانتماء إلى طيف حزبي أو جمعوي ما . و ختم رده و عيناه ترمي بشرر ، بأن من واجب الشباب ألا يحاسبوا أفراد المجلس الجماعي لأنهم " الشباب" سبب مباشر في تعثر عملية التنمية ، متناسيا للمرة الثانية ، أن ضعف عملية التنمية و تعثرها كامن في الانحطاط المعرفي و الأخلاقي للساهرين عليه . لأنه في ظل الأمية حسب المفكر المغربي " عبد الله العروي " السياسة طاغية و منحطة ، و في ظل الديمقراطية ، مجال السياسة ضيق و قيمتها عالية . فتصبح الرياضة رياضة و الفن فن ، و كذلك العمل و الفلسفة ... أما إذا طغت السياسة على الكل ، جرت الكل معها إلى الحضيض . فالعلاقة بين الديمقراطية و الإبداع أعمق مما يتصور. كان جواب الأول جواب سياسي حذر يمكن تجاوزه لأنه بتحميله القانون مسألة الضمانات، أوحى دون وعي منه بأن حقوقنا هضمت ، فهو يعلم أن القانون مليء بالعيوب و لا يسري على الأرض و العموم ، و لن يضمن حقوقنا ما دام وسيلة تستعمل للاستغلال و السرقة . أما جواب الثاني ، فقد ولد كثيرا من الامتعاض لدى الشباب الحاضرين ، و ود كثير منهم في التعقيب عليه لولا إعلان مسيري اللقاء عن وقفة شاي غادر بعدها مباشرة المكان ، هو و رفيقه في المجلس الجماعي ، دون اعتذار من الحضور و دون سلام . عكس الاثنين في ذهني لغاية الآن صورة من الداخل للمجلس الجماعي ، و كوني شابا أنتمي لأكبر شريحة عمرية تذكرت مركزي خارج الخط الأخضر، مستحضرا بعض خيبات الأمل التي تعرض لها أقراني في عديد المجالات ، من مجلس أنتخب أفراده لتحسين الأوضاع و دعم تطلعات الأفراد، عبر إشراكهم في تسيير شأنهم المحلي.
في الدستور الجديد للمملكة المغربية نقرأ في الفصل154 من الباب الثاني عشر المتعلق بالمبادئ العامة للحكامة الجيدة: أن المرافق العمومية خاضعة لمعايير الجودة و الشفافية و المحاسبة و المسؤولية، و تخضع في تسييرها للمبادئ و القيم الديمقراطية التي أقرها الدستور. و لكن حين نتوجه لمقاطعة أو جماعة فإننا نلاحظ عكس ذلك، حيث يتصرف المسؤولون كأنهم جبابرة و تبقى الوسيلة الوحيدة و الأنجع لقضاء الحاجة هي "طلع تعبر باش يسخرك ليك الله".و لعلنا نلامس إجماعا في كون هذا القطاع الحيوي و الحساس يعاني من فساد متفش و سوء تدبير و تسيير واضحين، "الله يعفو علينا منه"

كثيرة هي الأسئلة التي تراود أمثالي المواطنين "المساكين"، فمثلا على أي أساس تختار العمدة نوابها و هل هناك ضوابط علمية و أخلاقية لاختياراتها، أم أن ذلك يتم على أساس الولاء و التبعية و الخنوع؟و من يراقب أدائهم لأعمالهم و من يحاسبهم على أخطائهم؟و هل ما زالت أصلا العمدة بحاجة لهذا الكم من النواب؟
أسئلة تطرح نفسها مرارا، مع كل سوء تدبير نلامسه من هذا المجلس، في حياتنا و يومنا و ما يتعلق بمصالحنا الشخصية، و من شدة حنقنا نلعن أعضائه ليل نهار، وسط لامبالاة من الجهات المختصة دستوريا بمتابعة كل من يستغل على نحو سيء أصوات المواطنين و ثقتهم.


الغريب أن هؤلاء الانتهازيين سيرشحون أنفسهم للاستحقاقات الجماعية المقبلة رغم علمهم المسبق بأنهم لا يساوون "بصلة" في عيون العامة، بل حتى "البصلة" "يعلق أحدهم" أكثر قيمة في السوق منهم، و الأغرب أن يلعب هؤلاء دور المعارض الشرس لأي توجه يهدف لخدمة البلاد و العباد، سياسيا أو فكريا أو حتى اجتماعيا و أخلاقيا، مع أنهم في المنكر و الفساد و الرذيلة أسياد.
ما كتبت ليس هلوسات حشيش أو أحلام يقظة، بل فقط الشجرة التي تخفي الغابة. لأن الذاكرة الشعبية تزخر دون شك بالعديد من الروايات و الأخبار التي تؤكد تفشي الوباء في أركان المجلس الجماعي, رغم أنها تبقى حديث ظلال . و يظل أملنا الوحيد كمواطنين في الله و في جلالة الملك الشاب الذي عبر أكثر من مرة أن مغرب الحضارة و التنوع و الكثير من الأشياء الجميلة التي يعجز الإنسان عن وصفها , يجب أن تستأصل منه كل العيوب و المساوئ التي راكمها على مدى سنين . و هو يريده, مغرب حق و قانون، يمنح فيه المواطن كل حقوقه و تبقى فوق ترابه كرامة الإنسان التي وهبها إياه الله و مصلحته المشروعة, فوق كل اعتبار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس