الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية هي أسرع مراحل الرأسمالية - ردا على مقال د. هشام غصيب

أمير خليل علي

2012 / 2 / 8
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


طالعت مقال د. هشام غصيب بعنوان: "فلسفة ماركس" المنشور على موقع الحوار المتمدن على الرابط

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=253536

والذي جاء فيه الفقرة الهامة التالية:

" لقد عاش ماركس عصر ثورات سياسية وثقافية واقتصادية عارمة. ولاحظ ارتباط هذه الثورات بنشوء الرأسمالية وتطورها. بل لاحظ أنه في الوقت الذي خلت فيه العصور السابقة، أو كادت، من الثورات، وإن شهدت بعض الانتفاضات الدموية العبثية، فإن تاريخ الرأسمالية يكتظ بالثورات المتنوعة. لا بد إذاً أن يكون هناك شيء مميز في طبيعة الرأسمالية يجعلها تولد الثورات الاجتماعية..... لكن ماركس أدرك أيضا أنه، لئن كانت الثورات ما قبل 1848 تسعى إلى "تعزيز" الرأسمالية وإزالة معوقاتها، فإن ثورات عصره (ماركس) وما بعده ستهدف إلى تقويض أركان الرأسمالية ووأدها وقبرها. هذا ما اعتقده ماركس. هل تؤكد وقائع تاريخ العالم منذ وفاة ماركس (1883) هذا الاعتقاد؟ إنها قضية جدالية تحتاج إلى كثير من النقاش. فإذا قسنا الثورة الروسية (1917) والثورة الصينية (1949) وثورة طلبة فرنسا (1968) بنتائجها، لربما خلصنا إلى الرأي أن (هذه) الثورات الاجتماعية ما بعد 1848 كانت آليات أساسية لتجديد الرأسمالية وتعزيزها وتوسيعها. فهي مسؤولة عن إطلاق ثلاثة من مردة الرأسمالية المعاصرة : الصين، روسيا، فرنسا." انتهى

وهذه فقرة ملهمة .. لأنها تفتح لنا آفاق تقييم المشروعات (البديلة) التي ظهرت في الحقبة الرأسمالية .. بما في ذلك الماركسية نفسها.

فهل كانت هذه المشروعات البديلة بمثابة "تجاوز" أو إلغاء" للرأسمالية؟؟
أم كانت بمثابة مجرد "إصلاح" و"تعديل" و"تجديد" للرأسمالية؟؟

وهذا سؤال مهم جدا .. إلا أننا نجد د. هشام غصيب يصر على تصور واحد متوقع .. وهو أن الماركسية هي تجاوز وإلغاء للرأسمالية.

وفيما يلي .. سأحاول التدليل على أن عكس هذه الأطروحة .. له مبررات أقوى.

يقول د. هشام غصيب:
"وبالتحديد، فإن الطابع الجدلي الديالكتيكي لفلسفة ماركس ينبع من كونها فلسفة الثورة الحديثة. فالجدل هو جبر الثورة، كما وصفه الروسي هيرتزن. إنه منطق تطور النظم. وأساسه هو كون نظام ما كلا واحداً، أي كونه واحداً متعدد الأجزاء المترابطة معاً من حيث الوجود (أنطولوجيا)..... إن الأجزاء والنظم نفسها تولد نقائضها وتتحول إليها عبر هذه العلائق. فبذور فناء النظم تكمن فيها" انتهى.

نلاحظ هنا أن د. هشام غصيب يستخدم لفظ "تطور" و"تولد" .. ثم ينتقل منها إلى .. لفظ "نقائض" .. ولفظ "فناء".

ولنا أن نسأل: ألا يمكن أن يكون الـ "تطور" المقصود هنا .. هو مجرد "تحول" أو "تقلب" أو حتى "تجدد"؟؟؟ دون أن يعني بالمرة .. "تجاوز" .. أو "إلغاء"؟؟

لكن د. غصيب يتحول بنا من "التجدد" والتحول" .. جريا على عادة أغلب الماركسيين .. نحو "الزوال" و"الفناء" .. حين يقول: " النظم نفسها تولد نقائضها وتتحول إليها عبر هذه العلائق. فبذور فناء النظم تكمن فيها."

وهنا نجد انتقالا سريعا .. وغير مبرر .. بين التطور وبين النقائض .. وبين التولد وبين الفناء.

وتتضح هذه "النقلة الدرامية" وتزداد جلاء مع تقدم نص د. غصيب حيث يقول:

"إن النظم تاريخية في جوهرها. وأساس المنهج الجدلي هو تدبر النظم في حركتها وتاريخيتها، ومن منظور "زوالها" وتخطيها، لا من منظور "ديمومتها" وهذا ما تخفق في فعله المنهجيات التحليلية السكونية السائدة في الفكر البرجوازي السائد. فهي تعالج النظم من منظور "ديمومة" اللحظة الراهنة، أي سكونيا. كما إنها لا تعالج نظاماً ما بوصفه عضوية حية تتحرك بفعل تناقضاتها الداخلية، وإنما إما بوصفه بناء ثابتا أزليا وإما بوصفه كومة من الجزئيات المترابطة معاً عرضيا وسطحيا." انتهى.

وفي هذا النص يصبح الانتقال الدرامي واضح جدا .. من التاريخ إلى القطيعة التاريخية .. ومن الديمومة إلى الزوال .. ومن السكون إلى الحركة .. ومن مفهوم العضوية إلى مفهوم التناقض الداخلي ..

إلا أن د. غصيب هنا يتبنى مقارنة غير دقيقة .. بين ما اسماه المنهج الجدلي الماركسي .. وبين المناهج التحليلية البرجوازية .. حيث يقول:
"وأساس المنهج الجدلي هو تدبر النظم في حركتها وتاريخيتها، ومن منظور زوالها وتخطيها، لا من منظور ديمومتها. وهذا ما تخفق في فعله المنهجيات التحليلية السكونية السائدة في الفكر البرجوازي السائد."

فهذا التقييم التعميمي ليس دقيقا بالمرة .. ولا ينطبق على منهجيات التاريخ المعاصرة.

ذلك أن أهم منهجيات التفكير التاريخي المعاصر (سواء أسميناها برجوازية أم لا) .. إنما تتمثل في منهجية فوكو الأركيولوجية الجينيالوجية .. ومنهجية نيتشه ودولوز الجينيالوجية الاختلافية .. ومنهجية تاريخ مدرسة الحوليات الفرنسية لدى بروديل ..
وجميع هذه المنهجيات المعاصرة .. ترفض وتقطع تماما مع ما ذكره د. غصيب حول "التحليل السكوني" .. الذي لا يجد أمامه سوى أن يسقط في تحليل أسباب الديمومة .. أو أن يسقط في تحليل أسباب الفناء.

فجميع هذه المنهجيات التاريخية المعاصرة .. ترى أن منظور "الزوال والفناء" هو منظور غير كاف وغير سليم .. وكذلك ترى أن منظور "الديمومة" أيضا غير كاف ..

لأن كلا المنظورين (الزوال والديمومة) .. هما منظوران ينطلقان من نظرة جوهرانية أرسطية عتيقة تؤكد أن: هذا النظام "أ" هو النظام "أ" .. الذي لا يمت للنظام "ب" بأي شبه .. لأن "أ" لا يمكن أن يكون "ب" وأن يكون أيضا "أ" .. في نفس الوقت .. انطلاقا من المصادرة الأرسطية الجوهرانية لقانون الثالث المرفوع المنطقي .. التي تركد أن أي جوهر "أ" .. لابد وحتما أن يختلف جوهريا عن الجوهر "ب" .. وهي النظرة المنطقية الأرسطية الشكلانية .. التي سبق أن أثبت هيجل نفسه (ومن بعده) .. تهافتها واستحالة تطبيقها في مجال العلوم الإنسانية .. رغم صحتها في مجال الرياضيات فقط .. وربما في بعض العلوم الشكلانية غير الإنسانية .. التي تخضع لعملية التفسير الجوهراني .. وتستبعد عملية الفهم الهيرمينوطيقي .. حيث أصبح الفهم هو المنهج الفكري المعاصر بامتياز .. بينما أصبح "التفسير" هو بمثابة منهج تم تجاوزه .. أو أنه بالأجدى قد أضحى قاصرا على مجال العلوم الرياضية الشكلانية والعلوم الطبيعية المادية وحدهما) .

لذا .. فإننا انطلاقا من أهم وأحدث المناهج التاريخية المعاصرة .. الأركيولوجيا والجينالوجيا والحوليات .. يمكننا القول بأن أغلب الثورات (الماركسية) التي تمت داخل النظام الرأسمالي .. قد أدت بالفعل إلى تحسين وتسريع كفاءة الرأسمالية .. سواء العالمية أو حتى القطرية أيضا ..

وأن هذا التحسين والتطوير والتجديد للرأسمالية .. بفعل وجراء تدخل (ثورات) الماركسية .. قد تم إما بشكل صريح ومباشر .. أو حتى بشكل غير مباشر .. بحيث يتماشى مع مسار "مكر التاريخ" الهيجيلي .. أو تماشى مع فكرة "العود الأبدي" النيتشوية .. حيث تتراوح على الإنسان نفس الأمور لكن مع اختلاف أزمانها وأماكنها .. وكأنما يحدث لها نوع من التطور أو التغير .. بينما هذا التطور والتغير هو محض وهم ينجم جراء تعلقنا بالحاضر وعجزنا عن فهم "أنساب" الأمور وتعالقاتها الشديدة مع الماضي والسابق والتراث .. وفقما أوضح هيدجر.

إذن فإذا طبقنا أحدث المناهج التاريخية المعاصرة .. في فهمنا لحركة وتأثير الماركسية على التاريخ المعاصر .. لوجدنا أن:

الماركسية نفسها ليست أكثر من مجرد "تنويعة" .. لنفس طرق ومسارات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك .. داخل نفس النظام الرأسمالي .. الذي بقى كما هو .. بل تطور وتقوى وترسخ وتوسع .. بشكل أكبر.

فكيف حدث هذا؟

تقليص الإغتراب وتضخيم الإنتاج:

يقول د. هشام غصيب: "(تتكون) أصول الماركسية، .. من ثلاث نظريات رئيسية: نظرية الاغتراب، ونظرية العمل للقيمة، والتصور المادي للتاريخ...." انتهى

وهذا توصيف صحيح لمكونات الماركسية ..

لكنه يغفل اطلاعنا على "الوزن" الحقيقي لكل واحد من هذه المكونات الثلاثة .. كما يحدث في التطبيق الفعلي لدى الدول والأحزاب التي تزعم تبني الماركسية حاليا.

وذلك أن الماركسية .. منذ البداية .. تحتكم إلى نفس معايير الرأسمالية .. وأقصد هنا تحديدا ما نجده في الماركسية من انشغال شديد بمسألة ومعايير الإنتاج .. ثم توزيع واستهلاك ثمار الإنتاج .. مع تعمد تغييب أو غياب مسألة الاغتراب .. باعتبارها مجرد "تخريفات" غير علمية قالها ماركس في مرحلة "إنتاجه" الفكري المبكر .. حين لم يكن علميا بما يكفي للتركيز على مسألة الإنتاج وحدها .. وهذا وفق رؤية ألتوسير وتقسيمه لإنتاج ماركس إلى مرحلة مبكرة عاطفية .. ثم مرحلة متأخرة علمية.
وهذا يعني أن جل اهتمام الماركسية .. حتى ولو خالفت ماركس نفسه .. هو بالتحديد مسألة الإنتاج .. وليس مسألة الإغتراب الإنساني .. التي اعتبرها (مسألة الاغتراب) ألتوسير مجرد "تخريف" ماركسي ظهر نتيجة عدم تمكن ماركس نفسه من فهم الماركسية .. وفقما فهمها العلامة ألتوسير.

ربما يمكن القول بأن الماركسية وقعت .. وفق مفهوم "مكر التاريخ" الهيجيلي .. في حبائل الرأسمالية .. لتعمل على إنتاج وتطوير الرأسمالية نفسها .. بدلا من أن تعمل على تجاوزها .. كما زعمت .. لكن تبقى النتيجة هي أن الرأسمالية هي الآن أشد قوة ورسوخا (بل وأكثر اتساعا وعالمية) .. مما كانت عليه أثناء حياة ماركس.

وهذا الفخ الذي وقعت فيه الماركسية – سواء بقصد أو بدون قصد – يمكن تفسيره جراء وقوع الماركسية في عاملين – كما ذكرنا أعلاه:

- انشغال الماركسية بمسألة دورة الإنتاج والتوزيع والاستهلاك ..

- تغييب البعد النفسي والإنساني والإغترابي .. عن الماركسية ..

وقد تم هذا تحت دعوى أن مسألة "الاغتراب الإنساني" هي مسألة برجوازية غير واقعية .. ذكرها ماركس في مرحلة الشباب غير الناضجة ..

بينما فضلت الماركسية (الناضجة المتأخرة) التركيز على مسألة الإنتاج .. بدعوى أن هذه المسألة هي مسألة واقعية بروليتارية .. ركز عليها ماركس في مرحلته المتأخرة.

ذلك أن كافة أنماط الماركسية المتحققة في الواقع .. سواء الماركسية اللينينية والستالينية والماوتسية والكاستروية والشافيزية .. إنما تظهر .. حرصا شديدا .. على تنظيم المجتمع .. باعتباره حصرا وفقط .. مجرد مجتمع يجسد دورة الاستهلاك والتوزيع والإنتاج ... لا أكثر .. حيث يتحول فيه البشر في هكذا مجتمع (ماركسي) .. إلى مجرد عمال (بروليتاريا) .. يتلخص وجودهم في ثلاث وظائف أساسية هي:

- الإنتاج .. من كل بحسب قدرته .. التي تحددها الدولة

- استقبال "التوزيع" الذي تحدده لهم الدولة باعتبارهم مجرد مساهمين في الإنتاج (لكل حسب ما ينتج) ..

- استهلاك (كوتا) تحددها لهم الدولة .. بحيث يتمكنون من إعادة الإنتاج مرة أخرى ..

وبهذا الشكل أصبح المجتمع الماركسي (سواء المأمول أو الفعلي).. هو مجرد مجتمع يتراتب هيراركيا وهرميا بكل صرامة ودقة .. وفق ما تحدده الدولة .. التي تحتكر لنفسها حق ""فرض" النظام الإنتاجي الأمثل .. الذي يحدد لكل فرد .. ما ينتجه .. وما يحصل عليه من مقابل .. وما يستهلكه.

وهكذا أصبح المجتمع هو مجرد مصنع رأسمالي كبير تديره دولة مركزية واحدة .. وذلك بدلا من المصانع المتعددة التي يديرها أشخاص رأسماليون متعددون بحيث ينجم عن تعددها قدر من اللامركزية بما يؤدي إلى نشوء نوع من المنافسة بين المصانع الرأسمالية .. والتي تراها الماركسية (المنافسة) باعتبارها تؤدي إلى إهدار موارد المجتمع.

وبهذا يتضح لنا أن إحدى مشكلات الماركسية إنما تكمن في نزعتها "الوضعية الجديدة" التي تتمثل في توجهين هما:

1- استبعاد الإغتراب من التحليل الماركسي ..

2- بهدف التركيز على الدور الهام والأساسي الذي يلعبه الإنتاج في المجتمع.

وبهذا يصبح مفهوم "الإغتراب" في الماركسية .. هو محض وسيلة أو ذريعة لممارسة لعن وسب الرأسمالية .. فقط .. دون أن يصبح هدفاً للتقليص والإلغاء .. بحد ذاته

بل ربما أصبح "الإغتراب" ذريعة لتبرير الحياة الإنتاجية الإغترابية التي يعيشها المواطنون في الصين وكوريا الشمالية .. وغيرها من الدول الماركسية .. وتصويرها على أنها ليست أسوأ من الحياة العادية التي يحياها العامل في الدول الرأسمالية.

ومن هنا ربما نفهم أهمية المحاولة الإنقاذية التي قام بها سارتر لإضفاء طابع إنساني على الماركسية .. بل ويمكن أيضا أن نفهم لماذا فشلت هذه المحاولة.


الماركسية باعتبارها ظرفية تأخر تاريخي:

إن تحول الماركسية الروسية إلى الطور القوموي الوطني .. إبان طرد تروتسكي من روسيا ثم اغتياله .. يؤكد أن الماركسية التي تم تحقيقها في الواقع التاريخي .. لم تعد أكثر من حركة رأسمالية وطنية تديرها طبقة "حاكمة" إدارية .. تسيطر على مقدرات وقرارات دولة مركزية .. تهدف فقط لاحتكار السوق المحلي والموارد المحلية .. وتنظيم علاقات الإنتاج داخل دولة وطنية محددة .. وذلك بذات الطريقة التي جرت في كافة الدول الرأسمالية الغربية في مراحلها المركنتالية .. وحتى نشوء الدولة الوطنية القومية المركزية .. لكن بشكل مركزي .. عوضا عن الشكل الغربي المفتت والذي تشكل عفويا مع نهايات عصر الإقطاع.

ومما يعزز هذا الاستنتاج .. حقيقة أن جل أعمال ماركس نفسه .. إنما انطلقت من حسرته على عجز وطنه (ألمانيا) عن مواكبة التقدم الصناعي الباهر لكل من إنجلترا وفرنسا .. وقد ورد تأكيد لهذا في مقدمة كتاب ماركس وإنجلز: الأيديولوجيا الألمانية.

وهذا يعني أن أحد أهم محركات ودوافع الماركسية هي: محاولة تجاوز الفجوة التي نجمت عن تخلف ألمانيا عن اللحاق بالدول الرأسمالية المنافسة مثل انجلترا وفرنسا ..

ولهذا السبب تحديدا .. ركزت الماركسية على "تغيير" العالم (أي وضع ألمانيا المتأخر رأسماليا واقتصاديا) .. بأكثر مما ركزت على "فهم" العالم ..

ذلك أنه لم يعد يوجد وقت (لدى ألمانيا) لممارسة فهم" ما إذا كان هدف تنظيم وزيادة "الإنتاج والتوزيع" .. هو هدف يستحق التحقيق أم لا .. طالما أن انجلترا وفرنسا قد حققتها بالفعل ..

ولذا فقد تم استبعاد كل ما كتبه ماركس في محاولة "إعادة فهم" المعايير والعالم .. على يد ألتوسير .. عندما أحس ألتوسير .. بنفس ما أحس به ماركس .. حين كانت فرنسا قد خرجت وهي تشعر بأنها أقل الدول الغربية تقدما بعد الحرب العالمية الثانية .. حيث تعرضت للاحتلال الألماني .. وأصبح من الضروري على الفرنسيين .. تأجيل مهمة "الفهم" .. مع الإنشغال الحصري بدلا من ذلك .. بمهمة "التغيير" وحدها ..

وقد وجد جل المفكرين الفرنسيين أن أفضل الطرق لإنجاز مهمة "التغيير" واللحاق بكل من انجلترا وأمريكا .. هي الطريقة الماركسية .. في استعادة واضحة لنفس الهم الماركسي المشغول بتأخر ألمانيا .. مقارنة بانجلترا وفرنسا في القرن التاسع عشر .. أيام ماركس.

هذا التحليل يؤدي بنا إلى اعتبار الماركسية .. هي نسخة مكثفة من الرأسمالية.

فالماركسية وفق هذا التحليل .. هي بمثابة اختصار وحرق وتسريع .. لنفس طريقة التنمية الرأسمالية ..

فالماركسية هي الطريقة التي تختارها الدول الرأسمالية المتأخرة .. حين ترى أنها تخلفت عن ركب الدول الرأسمالية المتقدمة ..

فقد اختارها ماركس لألمانيا .. حين وجدت ألمانيا أنها متأخرة عن انجلترا وفرنسا الرأسماليتين .. في القرن 19
واختارها لينين لروسيا .. حين وجدها متأخرة عن العالم الغربي الرأسمالي .. في القرن العشرين.
واختارها ألتوسير وجل المفكرين الفرنسيين لفرنسا .. حين شعروا بأن فرنسا أصبحت متأخرة عن العالم الغربي .. في القرن العشرين.

إذن فالماركسية هي اختيار الدول التي تريد اللحاق بالركب الرأسمالي الذي تجاوزها .. بحيث تهدف الدول المتأخرة من تبني الماركسية إلى القفز السريع .. فوق الفجوة الرأسمالية التي تفصلها عن هذه الدول الرأسمالية التي سبقتها.

ولهذا السبب تحديدا .. فإن الدول الرأسمالية المتقدمة ترفض على الدول الرأسمالية المتأخرة تبني الماركسية .. لأنها بذلك تحاول تعويض ما فاتها بشكل مكثف وسريع .. وبطريقة تراها الدول الرأسمالية المتقدمة "انتهازية" .. لأنها تنافسها على حيازة نفس المعايير والنتائج .. لكن بشكل مكثف .. مثل الطالب الذي فاته أن يستذكر دروسه قبل الإمتحان .. فلجأ إلى الغش من طالب أخر استذكر دروسه إلى جواره.

هنا يكون الطالبان أمام نفس الامتحان ويحتكمان إلى نفس المصحح والمراجع ووفق نفس المعايير والدرجات .. لكن أحدهما قد تعطل عن الاستذكار .. بينما نجح الآخر في الاستذكار.

هذا تحليل ممكن لفحوى الخلاف بين الرأسمالية والماركسية ..

وبناء عليه .. يمكن اعتبار الماركسية .. بمثابة تسريع متعمد وتكثيف مخطط لأهم محرك في الرأسمالية (وهو الإنتاج) .. وليست الماركسية بمثابة تجاوز أو إلغاء أو زوال للرأسمالية .. بل هي فقط محاولة الدول الرأسمالية المتأخرة للحاق بالدول الرأسمالية المتقدمة.

يعني هذا أنه لا يوجد تناقض حقيقي جوهري بين الماركسية وبين الرأسمالية .. بل فقط يوجد اعتراض حول ترس السرعة الذي تستخدمه الماركسية للحاق بالرأسمالية.

ذلك أن نقطة قوة الماركسية تتمثل في أنها تختزل تعقيدات الماكينة الرأسمالية .. في هندسة محركها الاقتصادي وحده .. ثم تقرر الماركسية أن تدوس على ترس السرعة الأكثر عزما في الماكينة .. لتصعد بها نفس التل الرأسمالي الذي تكافح كافة الدول الرأسمالية لصعوده .. وتقطع نفس المسافة الرأسمالية .. لكن في وقت أقل من الدول الرأسمالية غير الماركسية ..

لذا فإن الخلاف بين الماركسية وبين الرأسمالية .. إنما هو خلاف حول حجم الدولة وحول درجة مركزية الدولة فقط .. ولكن لا يوجد بين الماركسية والرأسمالية خلاف حول دور الدولة .. ولا حول أهداف الدولة .. ولا حول دور أو وضع المواطنين في الدولة.
(ملاحظة: لابد أن نميز هنا بين الرأسمالية وبين الليبرالية لنفهم هذه المسألة.)

فمن الصحيح أن الماركسية "ثورية" .. لكن باعتبارها ثورة لتسريع جدل النمو الرأسمالي .. وليست ثورة لتجاوز الرأسمالية.

إن ما تقدمه الماركسية ليس بذور نظام جديد (لارأسمالي) .. بل يمكن اعتبار الماركسية بمثابة "تسميد" وتحفيز لنفس البذور الموجودة في الرأسمالية .. بحيث تنتج وتكبر بصورة أسرع وأضخم.
بل إن البذور التي تركز عليها الماركسية هي فقط البذور المتعلقة بالعملية الإنتاجية .. مع إهمال شديد للبذور الإجتماعية والثقافية والفكرية والنفسية .. وذلك لأن الماركسية هي مجرد تركيز على "تسميد" وتحفيز البذور ذات القابلية الأسرع للتضخم والإنتاج والقياس الكمي الواقعي .. مع إهمال واستبعاد لما تظنه من بذور أخرى تستغرق وقتا أطول في الإنتاج والتحفيز.

لذا يمكننا اعتبار الماركسية نوعا من "التكثيف الاختزالي" للماكينة الرأسمالية ..

ذلك أن جل ما تحاوله الماركسية هو فقط تحويل "رأس المال" من يد الرأسمالي .. إلى يد الدولة المركزية .. مع الإبقاء على دور رأس المال في الإنتاج والتوزيع .. بنفس الطريقة .. حيث فشلت كافة محاولات الدول الماركسية .. في إقامة أي نوع من الاقتصاد لا يعتمد على "النقد المالي" في تدوير ماكينة الاقتصاد .. كما فشلت الصين في ابتكار أي استراتيجية مجتمعية .. بديلة عن استراتيجية الإنتاج بغرض التصدير المغرقة في المركنتالية.

ولهذا فإن ما يكتبه د. هشام غصيب عن الماركسية هو صحيح وهام للغاية، حين يقول:

"بل حتى تصور ماركس للاشتراكية ينبثق من دراسته الرأسمالية. فالاشتراكية وفق ماركس كامنه في الرأسمالية، بمعنى أنها القوة غير المتحققة الكامنة في الرأسمالية، حيث إن الأخيرة تولد الشروط الموضوعية من ثروات وموارد مادية ومعنوية لتحقيقها.." انتهى.

ويمكننا الآن أن نفهم هذه الجملة الهامة في ضوء جديد – كما أوضحنا أعلاه.



تفقير الجدل:

يقول د. هشام غصيب:

"والحق أن مفهوم الثورة لا يتحدد معناه ومغزاه الحقيقيان ولا يأخذ مداه الفعلي ولا يكتسب عقلانيته التاريخية إلا في الماركسية وعبرها بفضل منهجها الجدلي. ويحدد ماركس سيرورة الثورات جدليا على النحو الآتي(انظر مقدمة كتابة”إسهام صوب نقد الاقتصاد السياسي”، الذي نشره عام 1859): إن النظام المادي، سواء أكان طبيعيا أم اجتماعيا، يولد، بفضل علاقاته الداخلية الضرورية وتفاعلاته الخارجية، عناصر وقوى في داخله تحمل في أحشائها بذور نظام جديد أعمق وأوسع وأرقى من النظام القائم، بمعنى أن الحركة الداخلية للنظام القائم وتفاعلاته الخارجية تولد نقيضه في أحشائه. وينمو هذا الجنين وينضج إذ يأخذ النظام القديم مداه. ويزداد التوتر بينهما في داخل النظام القائم حتى يصل حداً لا يعود عنده النظام القائم قادراً على احتواء القوى، التي تحمل بذور النظام الجديد. عند ذاك، تفجر هذه القوى النظام القديم من الداخل وتقوض أركانه مشيدة النظام الجديد على أنقاضه ومن الدمج الجدلي بين عناصره. هكذا تتطور النظم المادية وهكذا تحدث الثورات في شتى المجالات. بذلك يكون ماركس قد كشف النقاب عن جدل الثورات ومنطقها وجبرها ومغزاها التاريخي." انتهى.

وهذا وصف جيد من د. غصيب .. للمنهج الجدلي الذي ابتكره هيجل ووظفه ماركس .. لكنه يسكت عن الاستمرار في التحليل .. فلا يقول سوى نصف الحقيقة .. لا كلها.

فمثلا عندما ابتكر هيجل المنهج الجدلي .. حرص فيه على اكتشاف تطور وتقدم الفن والفلسفة والتاريخ والقانون والمنطق والوجود .. بينما جاء ماركس ليقوم بقصر وحصر المنهج الجدلي على تطور وتقدم التاريخ الاقتصادي والسياسي فقط .. وبذلك عمل ماركس كما يلي:

- تركز المنهج الجدلي الماركسي في مسار وحيد ضيق اقتصادي سياسي ..

- بينما كان المسار الأوسع والأشمل الذي ابتكره وقصده هيجل لنفس المنهج الجدلي .. لا يقتصر على السياسة أو الاقتصاد وحدهما .. بل يشمل كافة الاشكال والمناشط البشرية (وربما غير البشرية) الأخرى.

كذلك
- أصبح نظام ماركس الجدلي هو نظام قابل للتدخل والمسك والقبض والتحريك والتوجيه وفق إرادة المفكر الثوري بما يمنح المفكر الثوري وهم القدرة الإرادوية على السيطرة والتحكم في جدل التاريخ ومساره ..

- بينما كان نظام هيجل الجدلي هو نظام أوسع .. يشمل حتى المفكر الذي يظن أنه قادر على تخطيط جدل الكون أو التحكم فيه .. بينما هو فقط منخرط داخل هذا الجدل .. بحيث حتى لو خطط هذه المفكر لمسار التاريخ .. فإن "مكر التاريخ" ينتصر عليه في النهاية.

وما فعله ماركس في جدل هيجل .. شبيه بما فعلته الماركسية في الرأسمالية .. اختزال .. تسريع .. تكثيف .. تركيز على نقاط بعينها وتضخيمها مع استبعاد نقاط أخرى وإهمالها.

ملاحظة هامشية أخيرة:
صحيح إن المطالع لكتابات وأفكار ماركس .. يجدها أكثر ثراء .. مما هي عليه (فيما حللناه أعلاه) في الماركسية الرسمية المعتمدة لدى أغلب الأحزاب الماركسية .. ولدى كافة الدول التي تزعم تبني الماركسية ..
إلا أنه من الحقيقي أيضا .. أن ماركس نفسه لا يقدر أن يقول غير ما يقوله بالنيابة عنه هذه الأحزاب الماركسية وهذه الدول الماركسية .. وحتى عندما يقول عكس ذلك .. فإنهم يقمعون صوته ويصادرون عليه.

فنصوص ماركس أصبحت بمثابة نصوص مقدسة جديدة .. تتعرض أيضا لنفس ما تتعرض له النصوص المقدسة القديمة من تحميل لمختلف الأوجه .. وإساءات الفهم والتفسير.

لذا فإن ما نعالجه أعلاه هو الفهم السائد للماركسية لدى أغلب أتباعها .. وليس الماركسية نفسها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لم تفهم عمق التفسير للدكتور هشام
داود ابراهيم ( 2012 / 2 / 10 - 14:38 )
شكرا اخينا امير على هذا الجهد وهذا التعمق في التحليل

لكن ما اوردته من نصوص اعلاه بانها تقصد ما سميته فكرة الزوال يخالف تفكير الاستاذ هشام الذي قال صراحة بان الديمومة هي التي تحكم التاريخ وليس اللحظة الساكنة

تفسيرك للديمومة بانها - زوال - هو كفرٌ بواح مابعده كفر يا اخي

هشام غصيب لا يقصد هذا وهو رجل فيزيائي مختص ومحترف ويعرف ويعي تماما ما يقول

ارجو اعادة قراءة النص بامعان واتمنى لو تكرم الدكتور هشام بنفسه ليوضح هذا الموضوع


2 - تعليق على المقال
عادل العمري ( 2012 / 2 / 10 - 18:11 )
1- الموضوع جيد جدا ومهم ويتضمن فكرة ذات أهمية كبرى ولكن الصياغة ليست دقيقة:فالماركسية هى فكر والرأسمالية هى نظام اجتماعى اقتصادى وكان الأفضل أن يتم تحليل العلاقة بين الاشتراكية والرأسمالية بجانب العلاقة بين الماركسية والرأسمالية.
2- نشأت الاشتراكية فى بلدان متخلفة وعاجزة عن الاستمرار فى السير فى طريق الرأسمالية التقليدى،فروسيا كانت تسير فى طريق الرسملة بمعدل سريع ولكن العقبات كانت هائلة وكان قطاع مهم من الرأسماليين أجانب مما أدى إلى نمو طبقة العمال بمعدل أسرع من معدل نمو الرأسمالية المحلية.كما أن النمو الرأسمالى السريع أدى لإفقار شديد للفلاحين وفقر بشع للعمال.كما عجزت الدولة القيصرية عن مواكبة الطبقة الرأسمالية الصاعدة فلم تتخذ إجراءات قوية لتصفية الإقطاع، ومع انتشار الأفكار الاشتراكية فى أوربا نمت حركات الاحتجاج العمالية بشدة،فكانت الثورة البلشفية التى أقامت -نمط إنتاج بيروقراطى- حقق إنجازات سريعة وهائلة مثل محو الأمية ونشر التعليم والتصنيع السريع وتصفية الإقطاع والتحديث عموما.ثم صار هذا النمط عاجزا عن الاستمرار بعد أن قدم كل ما يستطيع،فنشأت فى رحمه علاقات إنتاج رأسمالية وتكونت طبقة من الرأسماليين الأفراد ثم حدثت الثورة بعد مجيء جورباتشوف.وتشابه الوضع فى دول أخرى مثل الصين.
4- أنا أعتبر الاشتراكية هى بالضبط -نمط الإنتاج البيروقراطى- المذكور أعلاه،وهو نمط إنتاج دولتى مراتبى تشكل فيه البيروقراطية العليا المرتبة الاجتماعية المسيطرة تجاه جماهير من أشباه العبيد من عمال غير أجراء حيث لا يوجد أجر بل -جراية-.والتطور الحتمى لهذا النمط هو نشوء طبقة رأسمالية داخل تلك البيروقراطية المهيمنة بفعل الفساد ونمو المصالح الفردية من اتساع قاعدة الاقتصاد وزيادة الناتج.
3- قدم ماركس أفكارا نقدية صارمة وانتقد الاقتصاد السياسى بشكل جذرى فكشف الطابع المرحلى والاستغلالى للرأسمالية مقدما لحلم بشرى قديم وهو -الخلاص- من الاستغلال والمعاناة والقهر،مستغلا أو مستفيدا من منهج هيجل والفلسفة الألمانية عموما.ولا يمكن الفرض بأن ماركس كان يعبر عن طموحات ألمانية خاصة ،فنظريته عامة كما أن ألمانيا لم تقم نظاما اشتراكيا .وبعد ماركس تمت إعادة صياغة الماركسية لتلائم أحوال البلدان المختلفة كما تحولت إلى ما يشبه الديانة على أيدى تلاميذه وصارت مجرد نظرية لبناء حزب ثورى.الكلام عن تنحية الجانب الإنسانى من الماركسة صحيح تماما لأنه لا يلائم الأنظمة الشمولية ولا الأحزاب السلطوية التى رفعت راية الماركسية. أما موضوع الديالكتيك المادى الذى يزعم الماركسيون المؤدلجون أنه منهج الماركسية فمجرد -فزورة- لم يحلها أحد.فالديالكتيك كما قدمه هيجل هو حركة الفكر الخالص،فهل صارت حركةىالفكر الخالص حركة المادة الخالصة،وكل ما قدمه ماركس بهذا الخصوص هو مجرد وصف بأن جدله يسير على قدميه وليس على رأسه مثل جدل هيجل وأنه أزال القشرة الصوفية من جدل هيجل لتبقى الجوهرة العقلية..إلأخ وهذا لا يزيد عن أبيات من الشعر الجميل الخالى من المضمون.فماركس لم يقدم لا منهجا ولا نسقا ولا فلسفة أصلا بل نقدا للنظام الرأسمالى ونهجا ماديا فى تحليل التاريخ والبناء الاجتماعى –الاقتصادى.وهذه المساهمات تشكل إسهاما هاما فى الفكر البشرى بلا شك.
4- استنتج ماركس حتمية الاشتراكية بعد الرأسمالية بشكل متعسف استنادا إلى نمو تناقضات الرأسمالية باستمرار دون أن يقدم تبريرا مقنعا لحتمية تحول الرأسمالية إلى الاشتراكية بالذات دون أى نظام آخر.وقد تصور أن الصراع بين البروليتاريا والبورجوازية سينتهى بانتصار البروليتاريا وهو استنتاج متعسف،ففى الأنظمة القديمة لم تنتصر الطبقات العاملة إلا نادرا ولفترات قصيرة للغاية وعابرة وكانت الطبقة الصاعدة تأتى دائما من خارج الصراع بين السادة والعبيد وإلا فلماذا لم تتحقق الاشتراكية من قبل؟.ولماذا لا تنتصر طبقة جديدة غير البروليتاريا:مثل التكنوقراط او العلماء أو العمال الأحرار(الذين يعملون لدى أنفسهم)؟؟وهذا وارد جدا.
5- أثبتت الاشتراكية أنها أقل تقدما من الرأسمالية،فهى استطاعت تحقيق معدلات نمو سريعة فى بلدان متأخرة للغاية،ولكنها فشلت فى التنمية حي صارت هذه البلدان أكثر تقدما،أى أن عمرها كان قصيرا وكانت ملائمة فقط للبلدان شديدة التأخر.ولم تحقق أى تفوق على النظم الرأسمالية سواء اقتصاديا أو علميا أو ثقافيا.
6- بوجه عام تكون التوجهات الأكثر شعبية فى المجتمع الرأسمالى أكثر تقدمية.فعلى سبيل المثال كان اليعاقبة أكثر ثورية من الجيروند فى فرنسا وأدت سياستهم التى منحت العمال والفقراء عموما دورا مهما إلى تحول أكثر حسما إلى الرأسمالية مما كان يمكن أن تفعل سياسة الجيروند.وفى روسيا 1917 أدت الأفكار الأكثر يسارية للبلاشفة إلى تحديث روسيا بشكل حاسم عجزت عن البدء فيه سياسة حكومة كيرنسكى البورجوازية والمدعومة من المناشفة.وبوجه عام كانت الثورة من أسفل أكثر سرعة وحسما من الثورة من أعلى،فالمشاركة الشعبية الأوسع كانت عاملا قويا فى إجراء تحولات أعمق فى المجتمع.والآن يعد اليسار الليبرالى أكثر قدرة على تحديث الرأسمالية ونقلها إلى الأمام من النيوليبرالية.
7- كانت الاشتراكية توجها تقدميا فى بلدان شديدة التأخر والفقر فى وقت مضى حيث لم يكن ممكنا استمرار النمو على أيدى القطاع الخاص كما كانت الطبقات الفقيرة شديدة الراديكالية والاستبسال،ولكن الآن صارت الحركة الاشتراكية فى معسكر اليمين حيث أنها تسعى لتوسيع دور الدولة والبيروقراطية بدلا من زيادة دور الطبقات الشعبية وتوسيع قاعدة الملكية وإطلاق حرية المنافسة،وقد أثبتت تجارب عدة أن الاشتراكية ترتبط بالفساد الشديد وأنها لاتستطيع الاستمرار طويلا ،فليست إلا حلقة من حلقات التحول الرأسمالى،لذلك لم تعد تمثل حلما شعبيا فى -الخلاص- وبالتالى فقدت بريقها ولم تعد تصلح للاستخدام فى تحقيق -التراكم البدائى لرأس المال-،حيث لم يعد من الممكن خداع الجماهير بشعارات مثل المساواة و-الحرية الحقيقية-..إلخ.



3 - أ. عادل العمري 1.. بين الماركسية والاشتراكية
أمير خليل علي ( 2012 / 2 / 10 - 21:02 )
معك بعض الحق في هذه النقطة .. فقد شعرت ببعض القلق تجاه مسألة إطلاق مصطلح “مرحلة” على الماركسية .. لنفس الأسباب التي ذكرتها أنت .. وفكرت في استخدام مصطلح -شكل- أو -فكر- آو -نمط- .. لكني وجدت أنه:

من الأفضل التركيز على الماركسية بشكل خاص .. وليس على الاشتراكية بشكل عام .. لأن الماركسية هي هدفي بالضبط .. وليس الاشتراكية بالمرة..
وكما هو معروف .. وكما سبق أن حددت في مقالات سابقة .. فهناك اختلاف بين الاشتراكية والماركسية .. وهو ما أردت تكريسه هنا

ولذلك لم يكن بمقدوري المماهاة بين الماركسية والاشتراكية .. ولا كان هذا مقصودي بالمرة.

لذا اضطررت لتخصيص المقال .. كمقالاتي السابقة في الماركسية .. لا الاشتراكية.
وهذا لا يعفيني من النقد .. لكنه يسمح لي بطرح مسألة الماركسية والرأسمالية .. على مستوى فكري وتجريدي .. بحيث يعتبرهما نظامان اجتماعيان تاريخيان .. حيث يمكن لدولة أو حزب أن تزعم أنها تتبنى النظام الماركسي .. بل يمكن لماركس نفسه أن يقول أنه ليس ماركسي .. وهكذا.

فالماركسية قابلة .. بل وهادفة .. لأن تصبح نظاما اجتماعيا .. مثل الماركسية .. وإلا ما الهدف من كل هذا الحديث عن الجدل والمادية ا


4 - أ. عادل العمري 2. بين الماركسية والاشتراكية
أمير خليل علي ( 2012 / 2 / 10 - 21:07 )
ذا .. أفضل أن نفصل ونميز بحسم بين الماركسية وبين الاشتراكية .. وستدرك أهمية هذه المسألة حالاً

فمن نفس هذا المنطلق .. تجدني اختلف معك عندما تقول .. في الفقرة الثالثة .. عندما تقول:

-أنا أعتبر الاشتراكية هى بالضبط -نمط الإنتاج البيروقراطى .. وهو نمط إنتاج دولتى مراتبى .. والتطور الحتمى لهذا النمط هو نشوء طبقة رأسمالية-

لأني لا أعالج مسألة الاشتراكية بالمرة في مقالي هذا .. بل أعالج حصرا الماركسية .. وربما لا أتي ابدا على ذكر الاشتراكية .. في أي من مقااتي .. إلا لأحذر من المماهاة بين الاشتراكية وبين الماركسية .. لذا اختلف معك في كل مرة تذكر فيها كلمة الاشتراكية ..

وأعتبر التمييز والفصل بين الماركسية وبين الاشتراكية .. هو الخطوة الأساسية الأولى في نقدي وتفكيكي للماركسية .. ودون هذا الفصل .. سوف نقع حتما في الخلط بين الغاية وبين الوسيلة .. وهو نفس الخلط الذي نصف به كل من يزعم الحديث باسم الإسلام على أنه إسلامي .. هكذا دون أن نميز بين الخلافات الهامة بين السلفي والإخواني والصوفي .. 


5 - أ. عادل العمري 3 بين نقد ماركس وبخس ماركس
أمير خليل علي ( 2012 / 2 / 10 - 21:08 )
كذلك لا اتفق معك في بخسك لما قدمه ماركس .. حين تقول: -فماركس لم يقدم لا منهجا ولا نسقا ولا فلسفة أصل- .. 

فليس معنى أني انقد ماركس .. أني أقصد القول بأنه لم يقدم شيئا .. فهذا وصف مجانب للصواب .. لمن أطلع على كتابات واجتهادات ماركس في العصر الذي كتب فيه .. وبراعته الفائقة في مناظرة مفكري عصره والتفوق عليهم .. هذه مسائل .. لا يمكن انكارها .. أو الاستخفاف بها.
 ربما كان ما اشتهر لماركس هو كتاباته عن رأس المال ونقد الاقتصاد .. لكن هذا جزء من استراتيجية ماركس نفسها .. في إخراج الفلسفة من انشغالها بالتجريدات إلى الانشغال بالواقع الفعلي .. وهذا يحسب له لا عليه.

بالأجدى فأنا لا أقول أن -حقيقة- ماركسية ماركس .. هي أنها لم تقدم سوى بضعة قوانين اقتصادية .. دون فلسفة ..

بل ما أقوله هو أن الماركسية -التطبيقية- السائدة .. كما هي موجودة في أغلب الدول والأحزاب الماركسية .. تتسم بكثير من التسطيح والتناقض .. ربما بما يجعلها مخالفة لما قصده ماركس أساسا .. 


6 - أ. عادل العمري .. تمييز الفهم من الحكم
أمير خليل علي ( 2012 / 2 / 10 - 21:11 )
ولا يعني ذلك أني أبريء ماركس .. من اعتباره مصدر هذه المشكلات والأخطاء .. بل أظن الانزياحات والانحرافات عن أفكار ماركس كانت مضاعفة لدى الماركسية التطبيقية المعاصرة .. لكن هذا موضوع غاية في التعقيد .. ويستحق معالجته بشكل اكثر كثافة ودقة مما أفعل هنا في هذه الكلمات المتسرعة.

فعلينا أن نعيد قراءة ماركس كله .. وليس فقط -نصوص- ماركس .. بل ايضا قراءة استراتيجيته ومقاصده .. فيما يعرف بالقراءة الهيرمينوطيقية .. لنفهم كيف ولماذا -أخطأ- .. وليس فقط .. لنحدد -أين- أخطأ ..

وهذه هي المسألة وراء معنى ما أكتبه في الماركسية =فهو  إعادة قراءة وتأويل وتفكيك الماركسية .. وليس ما أعنيه بالمرة محاكمة الماركسية أو نقضها أو رصد أخطاءها .. بل ما أريده هم أن -أفهم- كيف ولماذا ولدت أخطائها.

وأتمنى أن يكون الفرق بين المسارين واضح .. وإن كنت أعلم أن جزء من الغموض وعدم الوضوح .. اتحمله أنا بالتأكيد .. لكن هذه هي حال نظام عالم المعنى .. الذي لا فكاك منه البته.


7 - تعليق على الرد
عادل العمري ( 2012 / 2 / 10 - 21:42 )
عزيزى:أنا أتفهم قصدك تماما ولكن المقارنة بين الماركسية والرأسمالية يبدو غير مقنع لأن الماركسية هى فكر ولا يمكن اعتبارها نظاما اجتماعيا.يمكن التعامل مع القضية من زاوية أخرى أكثر اتساقا:دور الفكر الماركسى فى تطور الرأسمالية،ولكن هذا يستوجب الكلام عن الاشتراكية.فالماركسية أثرت على الرأسمالية من خلال إقامة أنظمة اجتماعية معينة وليس فقط من خلال تقديم أفكار.
أنا لم أبخس ماركس بل اعتبر الماركسية مساهمة كبيرة فى الفكر البشرى وقد ذكرت ذلك.ولكن هى ليست فعلا فلسفة ولم تقدم فى صورة منظومة فكرية أو منهج محدد الملامح مثل الهيجلية مثلا،وقد تركزت أعمال ماركس الرئيسية فى مشروع نقد النظام الرأسمالى.وكان احتكاكه بالفلاسفة يخدم مشروعه المذكور.وطبعا أنا لا أدين ذلك بل بالعكس.


8 - تعليق على الرد(2)
عادل العمري ( 2012 / 2 / 10 - 21:43 )
من المفيد لتفكيك الماركسية الإشارة والتركيز على ضعف الجانب الأيديولوجى فيها وتعسف الاستنتاجات،فالهدف كان كما أرى:مشروع للخلاص يشبه الخلاص الدينى واستخدمت الأطروحات الفلسفية لوضع أساس اعتبر -علميا- للوصول إلى الخلاص أى الشيوعية.فكل شيء فى الماركسية قد وضع لخدمة مشروع الشيوعية ومن هنا يمكن فهم التناقضات وضعف تماسك الأطروحات الفلسفية التى قدمها ماركس مثل الديالكتيك المادى المزعوم.
مع ذلك أنا أثمن جهد ماركس الضخم فى نقد الرأسمالية ونقد الفلسفة الألمانية.


9 - التسمية بين الشكل. والمضمون .. أ العمري
أمير خليل علي ( 2012 / 2 / 11 - 08:42 )
نقطتك صحيحة من الناحية الشكلية .. حيث الماركسية فكر والرأسمالية نظام اجتماعي.

واتفق معك في أنه كان من الأفضل -شكليا- عنونة المقال: -دور الفكر الماركسى فى تطوير النظام الرأسمالي-.

لكني أردت -مشاكلة- العنوان اللينيني الشهير .. لتصبح الفكرة أكثر قوة وحضورا في ذهن القارئ .. بينما العنوان -الأصح شكليا- .. لا يوضح الفكرة بهذا السطوع المتاح في عنوان: الماركسية أسرع مراحل الرأسمالية.

ومقصدي هذا يتفق تماما مع قولك: -فالماركسية أثرت على الرأسمالية من خلال إقامة -أنظمة اجتماعية- معينة وليس فقط من خلال تقديم أفكار.-

واعترف بأن التسمية التي اخترتها فيها تنازل عن الدقة الشكلية .. مقابل تحقيق الوضوح والاستمرارية في الفهم والتصوير


10 - تعليق الاستاذ عادل العمرى رقم 2
محمد البدري ( 2012 / 2 / 12 - 12:13 )
سعدت بالمقال مثلما سعدت أكثر بمقال الاستاذ غصيب لكن ما لفت نظري في التعليقات هو حجم تعليق من الاستاذ عادل العمرى. انا شخصيا احسده علي قدرته علي وضع تعليق بهذا الحجم في مساحة حددها لنا الحوار المتمدن بالف حرف فقط. فلو تفضل علينا مشكورا بشرح كيفية تمكنه هذا لانني اضطر لتجزئه تعليقاتي. وتحياتي للجميع.


11 - الماركسية والراس مالية
zakariashata ( 2013 / 12 / 27 - 13:00 )
نجد ان الماركسية نظام يقوم علي ثورة الشعوب البلتارية علي البرجوازية
والراس مالية نظام الا انهم لايختلفان عن بعض
وعلي هذا الاساس كلهم ايديولوجيا


12 - الماركسية والراس مالية
zakariashata ( 2013 / 12 / 27 - 13:01 )
نجد ان الماركسية نظام يقوم علي ثورة الشعوب البلتارية علي البرجوازية
والراس مالية نظام الا انهم لايختلفان عن بعض
وعلي هذا الاساس كلهم ايديولوجيا

اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين وصحفيين بمخيم داعم لغزة


.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش




.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش


.. كلمة نائب رئيس جمعية المحامين عدنان أبل في الحلقة النقاشية -




.. كلمة عضو مشروع الشباب الإصلاحي فيصل البريدي في الحلقة النقاش