الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نابغتان : نازلي فاضل ومي زيادة ...

طارق حجي
(Tarek Heggy)

2012 / 2 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


نازلي فاضل هى أميرة مصرية لم تنل حقها من تقدير الكتاب والمؤرخين لها بصفتها احد أسباب وجود جيل التنويريين فى مصر . ونازلي فاضل هى حفيدة أبراهيم باشا الذى شارك والده محمد علي باشا (بصفة عملية) حكم مصر ، ثم خلف والده (فى حياته) لفترة قصيرة سنة 1848. وقد كان مصطفي فاضل (والد نازلي) هو المستحق لعرش مصر بعد عمه محمد باشا سعيد (الذى حكم من 1854 حتى 1863) ولكن شقيقه الأصغر(إسماعيل) رتب مع الباب العالي فى إستنبول أن يصل هو للحكم بدلا من شقيقه الأكبر (مصطفي فاضل) فى 1863. وقد تسبب ترك مصطفي فاضل مصر واقامته خارجها فى تلقي ابنته نازلي فاضل أرقي تعليم وتثقيف فى أوروبا . وكانت نازلي تجيد معظم اللغات الأوروبية الأساس إجادة تامة ، كما أنها صارت شديدة الإعجاب بالنهضة والرقي الأوروبيين. وقد عادت ألميرة نازلي لمصر بعد عزل عمها الخديو إسماعيل وتولي إبن عمها الخديو محمد توفيق حكم مصر (1779) وكانت على علاقة طيبة معه ، وهى العلاقة التى مكنتها من إستصدار عفو من الخديو عن صديقها وتلميذها محمد عبده (الإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية الذى توفي سنة 1905) . فى أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر أسست الأميرة المثقفة التنويرية أول صالون ثقافي تديره إمرأة فى مصر . وفى هذا الصالون إنتقلت روح عصر النهضة والتنوير والحداثة من صاحبة الصالون الأميرة الشابة لجمهور صالونها وأهمهم محمد عبده وسعد زغلول وقاسم أمين والأديب السوري عبدالرحمن الكواكبي ... وفى مرحلة لاحقة هدي سلطان التى ستعرف فى تاريخ مصر بإسم هدي شعراوي ... وبسبب هذا الصالون تزوج "الفلاح" سعد زغلول (بعد أن خلع ملابسه الأزهرية وارتدي الزي العصري) من صفية ابنة مصطفي باشا فهمي الذى رأس الحكومة المصرية من 1895 الى 1908 .... وفى إعتقادي ان الأميرة نازلي فاضل وصالونها هما من أهم أركان حركة وتيار التنوير فى مصر الحديثة والتى كانت تسير بمحاذاتها حركة تنوير ثقافية أخري فى منطقة جبل لبنان من أصحاب عقول فذة مثل فرح أنطون الذى أعاد إكتشاف أعظم العقول فى تاريخ الثقافة الإسلامية وهو إبن رشد العظيم من كتاب "طارق حجي" الذى يعد حاليا للطبع "نساء رائدات"
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- ولدت مي زيادة فى مدينة السيد المسيح (الناصرة) سنة 1886. نصفها (الأب) لبناني ، والنصف الآخر (الأم) سورية. إسمها الأصلي "ماري إلياس زيادة" ، ولكنها بعد أن نشرت كتاباتها الأولي (ومنها ديوان شعر بالفرنسية بعنوان "أزاهير حلم" فى 1911 ) بأسماء غير حقيقية (أشهرها إيزيس كوبيا) ،نشرت أعمالها بإسمها بعد أن أسقطت الحرف الأول والحرف الرابع من "ماري" ، فصارت توقع بإسم "مي زيادة". كانت منذ صغرها تتقن عدة لغات أجنبية (من بينها الفرنسية والإيطالية والألمانية والإنجليزية) إتقانا كاملا ، فكانت تقرأ وتتحدث وتكتب بهذه اللغات ، كما أنها ترجمت عدة أعمال من هذه اللغات الأربعة للعربية. حضرت لمصر فى 1908 والتحقت بالجامعة المصرية الأهلية فى الوقت الذى كان "طه حسين" يدرس فيها بنفس الجامعة االتى كانت حديثة التأسيس. وكان والدها أحد اللبنانيين الذى امتلكوا دورا صحفية فى مصر . فكما أنشأ نجيب متري " دار المعارف" وأنشأ جورجي زيدان دار الهلال" وأنشأ يعقوب صروف "المقتطف" وأنشأ فارس نمر "المقطم" ، فقد أعاد إلياس زيادة تأسيس (واصدار) جريدة "المحروسة" . منذ 1913 ، بدأت مي تستقبل كل يوم ثلاثاء ببيتها بمصر الجديدة معظم نجوم الأدب والفن كل أسبوع فيما عرف بإسم "صالون مي زيادة" ... والذى ذاعت وشاعت شهرته كأشهر الصالونات الأدبية فى المجتمعات العربية فى العصر الحديث. وفى جلسات هذا الصالون الأسبوعية كانت حوارت ثرية تجري بين قمم الحياة الثقافية أمثال احمد شوقي وخليل مطران وأحمد لطفي السيد واسماعيل صبري و طه حسين والعقاد والمازني ، وسلامة موسي و زكي مبارك ومصطفي صادق الرافعي وغيرهم كثر. وواضح مما جاء فى مرثية العقاد لمي (فى 1941) ان جمهور ندوتها اعتادوا على حسمها للخلافات بينهم . يقول العقاد " (أين فى المحفل مي يا صحاب / عودتنا هاهنا فصل الخطاب / عرشها المنبر مرفوع الجناب / مستجيب حين يدعى ، مستجاب) . ألفت مي (بعد مجموعة قصائدها باللغة الفرنسية التى نشرت فى ديوان سنة 1911) العديد من الكتب. فقد أصدرت كتابا عن "عائشة التيمورية" وكتابا آخرا عن "ملك حفني ناصف" ... كما نشرت كتبا عديدة تضم كتاباتها فى الأدب والشعر والفنون التشكيلية والفلسفة والموسيقي. وكانت كتاباتها بمثابة جسر بين العقل العربي (الذى تكتب له) والعقل الأوروبي الذى تكتب عن ثمار إبداعاته فى شتي ميادين الفكر والأدب والفنون . ويكفي أن أذكر أنها كتبت عن العديد من فلاسفة أوروبا وأدبائها وكتبت بإستفاضة عن أشهر المؤلفين الموسيقيين الأوروبيين وبالذات عن بيتهوفن ، وعن فنان عصر النهضة الشهير مايك أنجلو . وكتبت كثيرا عن المؤلف المسرحي الإيطالي لويجي بيرانديللو وعن الفيلسوف الفرنسي هنري بيرغسون وعن جبران خليل جبران الذى إستمرت رسائلها له (من مصر) ورسائله لها (من الولايات المتحدة) لقرابة عقدين من الزمان ، وكتبت عن الشاعر البريطاني الشهير لورد بايرون . كما كتبت عن الفيلسوف الألماني فريدريتش نيتشة ، وعن شاعر الهند الأشهر "طاغور" . ومن بين الكتب التى أصدرتها مي ترجمات قامت بها عن اللغات الأربع التى ذكرتها (الفرنسية والإيطالية والألمانية والإنجليزية) . وبإختصار شديد ، فإن مي كانت أديبة ومفكرة وكاتبة من معدن رجال مثل طه حسين وميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران والعقاد ، بل وكانت تتفوق علي هؤلاء معرفيا بسبب إتقانها بدرجة أعلى منهم لأربع لغات أوروبية على الأقل. ومن عناوين كتب مي : ديوان "أزاهير حلم " (شعر بالفرنسية) و"شاعرة الطليعة : عائشة التيمورية" و "باحثة البادية : ملك حفني ناصف" و" رجوع الموجة" و "ابتسامات ودموع" و "ظلمات وأشعة" و "سوانح فتاة" و "كلمات واشارات" و الصحائف" و "بين المد والجزر" و "المساواة" و "الحب فى العذاب" وروايتها التى كتبتها مي بالإنجليزية "الظل على الصخرة" ... وقد تعرضت مي فى أخريات حياتها القصيرة نسبيا (ماتت وعمرها خمسة وخمسون سنة) لظلم بين من أقارب لها أدخلوها بالتزوير والغش مستشفي الأمراض العقلية المعروفة فى لبنان "العصفورية" بهدف الإستيلاء على ثروتها . وقد بقت فى "العصفورية" قرابة سنتين ، ثم خرجت منها بعدما تيقن القاضي الذى أدخلها المستشفي بأنها كانت ضحية مؤامرة دنيئة من بعض أقاربها . ويقال أنها كتبت عن تجربتها فى مستشفي الأمراض العقلية كتابا بعنوان "ليالي العصفورىة" والذى فقد ولم يعثر عليه حتى الآن. وبعد تجربة العصفورية المأساوية ، رجعت مي للقاهرة وعاشت شبه منقطعة عن الناس حتى توفت فى بيتها بالمعادي فى أكتوبر 1941 . ولاشك أن إسم مي زيادة هو أسمي وأرفع الأسماء الأدبية النسائية فى المجتمعات العربية خلال القرنين الأخيرين ، وللأسف ، فإنني لا أظن أن بكل المجتمعات الناطقة بالعربية اليوم أديبة وكاتبة بتكوين معرفي وثقافي وأدبي وفني يماثل تكوين مي زيادة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا: ماذا وراء لقاء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني


.. صفاقس التونسية: ما المسكوت عنه في أزمة الهجرة غير النظامية؟




.. تونس: ما رد فعل الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بعد فتح تحقيق


.. تبون: -لاتنازل ولا مساومة- في ملف الذاكرة مع فرنسا




.. ما حقيقة فيديو لنزوح هائل من رفح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24