الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية التوافقية العراق انموذجا / سلبيات التوافقية : ضعف الحكومة

عبد الستار الكعبي

2012 / 2 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


ان التجربة التوافقية المطبقة في العراق حسبما اثبتت العملية السياسية خلال سنوات تطبيقها لم تكن ربيعاً ولم تكن صورة براقة للتوافقية ولا حتى مقبولة عنها وكذلك هي ليست نسخة من تجربة اخرى فهي ليست ناجحة مثل عدد من التجارب ولا فاشلة مثل التجربة القبرصية او النموذج اللبناني بل هي الاكثر فشلا وسوءا بل انها بسلبياتها واخطائها وفشلها الكبير والمآسي التي خلفتها ستكون منعطفا تاريخيا وحادا للتوافقية يعيق انتشارها ويجعلها معنى ومفهوما مرفوضا لانه سيكون مرتبطا بتجربة سيئة هي التجربة العراقية.
فقد تم تطبيق التوافقية بشكل سيء جدا ظهرت خلاله الكثير من السلبيات على الصعيد الدستوري والحكومي كما نشات عنها الكثير من المخاطر التي اضرت بالوحدة الوطنية والبناء النفسي للانسان العراقي وكانت سبباً لآلام العراقيين ومعاناتهم من كل شيء في حياتهم ابتداءاً من تردي مستوى الخدمات الأساسية كالماء الصالح للشرب ومجاري تصريف المياه الثقيلة وانتهاءاً بالوضع الامني غير المستقر والمشحون بالدماء والأشلاء وما بين الحالتين العديد من اوجه الالم والمعاناة في المجالات الصحية والاقتصادية والتربوية والعلمية. ونعتقد ان من اسباب ذلك عدم وجود خبرات متراكمة قريبة في الممارسة الديمقراطية على المستويين النظري والتطبيقي فـ (الديمقراطية) قد انحسرت عن العراق منذ ما يقرب (50) عاماً قبل سقوط النظام البعثي كما ان تنفيذ العملية السياسية والبناء الديمقراطي لم يكن مرحليا ولا تدريجيا حيث تم الانتقال بشكل مباشر من نظام الحكم الشمولي الدكتاتوري العائلي إلى الديمقراطية التوافقية مع وجود السباق التنافسي بين الاحزاب والتنظيمات الحاكمة بعد السقوط وسعي الشيعة والكرد لتعويض المظلومية التاريخية ورفض اكثرية النخب السنية او معارضتهم للواقع السياسي الجديد المختلف تاريخيا وجذريا عن الصورة التقليدية التي دامت في العراق لسنوات طويلة.
واذا كانت الديمقراطية في العراق قد واجهت صعوبات اقليمية في قبولها ومحاولات لعرقلة ارسائها كالاعلام المضاد والتدخلات السياسية وتصدير الارهاب الى العراق ودعم أعداء الديمقراطية في الداخل وغير ذلك فإن التوافقية حملت علامات فشلها معها منذ نشأتها النظرية الاولى حتى الممارسات التطبيقية لها كما بينا بعضه في الصفحات السابقة.
وترتبط اسباب فشل التوافقية في بعض الدول ونجاحها في دول اخرى بالظروف السياسية السائدة ونوع التدخل الخارجي وطبيعة المجتمع من جهة عمق التعددية وتاثيرها على العلاقات بين المكونات واشكال واسباب واهداف الصراع بينها او بين التنظيمات والنخب التي تمثلها حيث ان السمات العامة للتوافقية قد تكون ملائمة في بلد فينجح تطبيقها كما حصل في دول اوربا على وجه الخصوص وقد تكون غير ذلك في بلد اخر فتفشل او تكون احد اسباب الدمار الذي يلحق بالبلد كما هو حاصل الان في العراق ولبنان على وجه الخصوص.
ونذكر في أدناه اهم السلبيات التي رافقت وترافق التوافقية متخذين التجربة العراقية نموذجاً للدراسة والتحليل وكما يلي:-

ضعف الحكومة :
امتازت التوافقية في العراق بعدم قدرتها على انتاج حكومة فعالة ومستقرة قادرة على بناء دولة حديثة بكل مقوماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية والقانونية وقد أسس الدستور لهذا الضعف وحققه الواقع، ويتضح ذلك خلال مسار العملية السياسية، فقد بين الدستور العراقي في الفقرة (76/ اولا) منه بأن تشكيل الحكومة يكون من مسؤولية الكتلة البرلمانية الاكبر ويتم تكليف مرشحها لمنصب رئيس الوزراء من قبل رئيس الجمهورية الذي ينتخب من قبل مجلس النواب بأغلبية الثلثين وفي حالة عدم حصول احد المرشحين على هذه النسبة فان أول اثنين منهم يتنافسون في جولة انتخابية ثانية داخل مجلس النواب ومن يحصل منهم على أعلى الأصوات فإنه يكلف بمنصب رئيس الجمهورية .
وقد افرزت الانتخابات البرلمانية التي جرت في 15/12/ 2005 عدم قدرة اي من مكونات الشعب العراقي أو كتله البرلمانية الحصول على عدد المقاعد البرلمانية المطلوبة المؤهلة لاختيار رئيس الجمهورية الممهد لتشكيل الحكومة ولذلك اضطرت الكتل الكبيرة على الاتفاق على توزيع (محاصصة) المناصب الرئاسية،البرلمان والجمهورية والوزراء حسب التسلسل الدستوري، بينها من اجل الاستمرار بالعملية السياسية وتشكيل الحكومة فقد حصلت كتلة الائتلاف العراقي الموحد على (130) مقعد وهو اكبر عدد من المقاعد تحصل عليه كتلة برلمانية ولذلك فهي المسؤولة عن تشكيل الحكومة بعد اختيار مرشحها من قبل رئيس الجمهورية وحيث أن هذا العدد لا يساوي ثلثي عدد مقاعد البرلمان البالغة (184) مقعد وكذلك لا تساوي نسبة النصف زائد واحد (50%+ 1) من مقاعد البرلمان البالغة (138) مقعدا وهو الحد الادنى المطلوب لانتخاب رئيس الجمهورية في الجولة الثانية فقد اضطر الائتلاف العراقي الموحد الى التحالف مع القوائم البرلمانية الرئيسية الاخرى من أجل عقد صفقة متكاملة تضم الرئاسات الثلاث (الجمهورية والوزراء والنواب) وتم فعلاً تمرير هذه الصفقة بالاتفاق مع القوائم الكردية (التحالف الكردستاني) والسنية (جبهة التوافق) على توزيع المناصب الرئاسية التنفيذية والتشريعية بينها وكالاتي :-
مجلس رئاسة الجمهورية
الرئيس : جلال الطالباني ( كردي " التحالف الكردستاني " )
النائب الاول: عادل عبد المهدي ( شيعي "الائتلاف العراقي الموحد")
النائب الثاني : طارق الهاشمي ( سني " جبهة التوافق " )
مجلس النواب
الرئيس محمود المشهداني (سني "جبهة التوافق" )
النائب الاول : خالد العطية (شيعي "الائتلاف العراقي الموحد" )
النائب الثاني : عارف طيفور ( كردي " التحالف الكردستاني" )
مجلس الوزراء
الرئيس : نوري المالكي (شيعي "الائتلاف العراقي الموحد" )
النائب الاول : برهم صالح ( كردي "التحالف الكردستاني " )
النائب الثاني : سلام الزوبعي (سني " جبهة التوافق" )
وهذه هي الخطوة الأولى في عالم المساومات والتوافقية ومقدمة للفوضى السياسية فإن اضطرار الكتل الكبيرة الى التوافق على توزيع المناصب بينها جعل الحكومة تُشكّل من نفس الكتل البرلمانية فتحولت بدرجة كبيرة الى صورة مصغرة من البرلمان وهذا ما وضعها في مأمن من المراقبة والمساءلة البرلمانية فلم تحاسب أي كتلة وزراءها أو مرشحيها الى المناصب العليا لإن في ذلك حسب الثقافة العراقية فضيحة لها وتدني في شعبيتها وبالتالي خسارتها في الانتخابات اللاحقة ولذلك سعت الكتل البرلمانية العراقية الى التستر على الفاسدين من مرشحيها وعدم محاسبتهم.
ونتيجة للصراع الكبير بين المكونات على المناصب واسلوب التسقيط السياسي المتبع في العراق فإن الكثير من مظاهر الفساد والضعف في عمل اجهزة الدولة يكون قصداً وعمداً بدافع إظهار فشل الحكومة في إداء واجباتها التنفيذية والرقابية وأحياناً يكون المقصود حزباً او مكوناً معيناً. ونتيجة لكل ذلك فقد انعدمت الخدمات التي يفترض أن تقدمها دوائر الدولة للمواطنين ومنها خدمات الماء الصالح للشرب وكثرت ساعات قطع الكهرباء الى حد انعدام الفائدة منها وتردت الخدمات الصحية كثيرا ولم تتوفر فرص عمل للعاطلين وعددهم بالملايين وترهّل الكيان الوظيفي للدولة العراقية وتكاثرت الأخطاء الإدارية والقانونية وسيطر عديمو الخبرة وضعيفو الكفاءة على أغلب المناصب في الدوائر وغير ذلك كثير من أشكال الضعف الحكومي.
ومن مظاهر ضعف الحكومات والتغطية على اخطائها لاستغفال المواطنين وامتصاص غضبهم هو اعلان الحكومات التوافقية المتعاقبة على حكم العراق عن تشكيل العشرات من اللجان التحقيقية الخاصة بأحداث جسيمة وقعت وهزت المجتمع ولكن لم تعلن نتائجها منها استشهاد وفقدان وجرح حوالي (1500) من زوار الامام موسى الكاظم عليه السلام خلال ساعة في يوم الاربعاء 31/8/2005 بعد تدافعهم وسقوطهم من جسر الائمة في بغداد الى نهر دجلة اثر انتشار شائعات موجهة بوجود احزمة ناسفة ومفخخين بين الزوار بثها عملاء الارهاب واعداء العراق، وعملية اغتيال النائب حارث ألعبيدي احد اعضاء كتلة التوافق السنية في بغداد بعد انتهائه من القاء خطبة الجمعة في احد المساجد بتاريخ 12/6/2009 وكذلك الانتهاكات الكثيرة لحقوق الانسان في السجون العراقية وحوادث التفجيرات المروعة التي حصلت في مناطق قنبر علي والصالحية ومدينة الصدر او ذات طابع التحدي الكبير للحكومة في بغداد ومنها تفجيرات وزارة المالية ووزارة الخارجية وزارة العدل وغير ذلك كثير من الحوادث التي اعلنت الحكومة انها شكلت لجان للتحقيق في ملابسات وقوعها واسباب ذلك والجهات المقصرة ولكن لم يعلن شيء من نتائج تلك اللجان.
اقدم هذه المقالة للقراء الكرام ضمن سلسلة مقالات تتناول العناوين المهمة من كتابي (الديمقراطية التوافقية العراق انموذجا) الذي صدر قبل مدة في بغداد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انحاج الديمقرايطة تحتاج توفرعوامل داخلية وخار
اسماعيل ميرشم ( 2012 / 2 / 11 - 08:57 )
السيد الكاتب: اعتقد المشكلة الاكبر هي في عدم املاكنا كقادة احزاب او قاعدة شعبية لثقافة ديمقراطية اولا وهذه لا توجد في العراق وخاصة مرت المعارضة والشعب خلال عقود من الزمن بشتى انواع القمع والحروب والحصارات ولمحاولة ممارسة مبادئ الديمقراطية تحتاج لاجواء تتوفر فيها الامان والصحافة الحرة والمجتمع المدني النشط المستقل وغيرها من الامور فضلا عن دستور معبر من المصالح الحقيقية للجميع تشارك الشعب في صياغته وكتابته ولكن التي حصلت في العراق كانت اعلان حروب من شتى الجهات والاطراف ضد الوضع الجديد الهش الغير المستقر تحت شتى المسميات في سبيل افشال التجربة وتدفع الشعب الثمن غاليا واعتقد انه في ظرف كهذا في العراق لاتتوفر اية شروط لنمو وترسيخ الديمقراطية ففشل التجربة تحملها العملية بذاتها وبذلك ازدادت الفساد الاداري والصراع على الامتيازات والتدخل الخارجي في كل صغيرة وكبيرة تخص مستقبل الاجيال القادمة في العراق

اخر الافلام

.. تصعيد لهجة خطاب القادة الأوروبيين حيال إسرائيل في قمة بروكسل


.. شاهد كيف ستختلف المناظرة الرئاسية بين بايدن وترامب عن 2020




.. تدريبات إسرائيلية تحاكي حربا على أرض لبنان.. وأميركا تحذر مو


.. رغم تهديد بايدن.. شحنات سلاح أميركية في الطريق لإسرائيل




.. في ظل شبح ترامب.. صناديق الاقتراع في إيران تستعد لتقول كلمته