الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغرفة

كريم الثوري

2012 / 2 / 10
الادب والفن


الغرفة
لي رجاء أخير
هل أنت الذي التقيتك يوماً
أم تغيرت؟
أنا تغيرت...


يقف أمام هندامه الأنيق ويبصق ، هذه ليست صورتي ، إدعاء ، بتُ أعيش على الادّعاء ، ما أكرهني حين أكُون مدعيا لحقيقة لا تمت لمقدماتي بصلة، كيف أعيش على الكذب ، أمارسه بكل هذا القدر من الشفافية ؟
يفتح خزانة الملابس المرتبة بعناية أنثوية ، ينظر إليها ، يتلمسها ، تفوح منها متداخلات عطور الفيزاجي والجيرلان ، وكأنه يريد التأكد من سلامة حواسه ، يقارب بينها وبين مستحدثات طرأت عليها ، يستفزه حذاء لم يدشن بعد ، يهتف بمرآته وقد عكست صورته بالمقلوب ، لا صلة لي بهذا الحذاء الأنيق ، ذاكرة الأسواق الشعبية تلاحقه ، تنافسه ، تُشعرّه براحة أليفة ، تلك المسافة المتبقية بينه وبين ما لا طاقة على تقبله.
منذ متى لم يلبس تلك البدلات الأنيقة رغم توفر المناسبات الملائمة ، يسأل نفسه؟
أسدل الستار على مشهد النعيم ، مالت يده باتجاه رائحة الإبط ليشمها ، كلما أراد أن يعود بعافيته صوب مواطن اندثرت مع الأيام ، يتذكر أباه حين يَعُبُّ بين الفينة والأخرى كوفيته الحمراء بعدما يداهمه شعور غريب ، ثم يغمض عينيه لتستقر رائحة التعرق حد الطباع يطرد عوالم تزاحمه قسرا ، تنافس ماعداها ، ليس هذا فحسب بل وتطور الأمر لأبعد من ذلك ، فكل الذين مر بهم ومروا به كان يقيس درجات مصاديقهم على ضوء عادات وطبائع جُبلَ عليها ، يوم كان متقشفا معافى تطويه الدروب والأزقة المنسوبة إليه ، يسأل نفسه ثانية : أليس من الظلم القياس على تجربة شخصية بهذا القدر من الإجحاف ؟ ، ليأتيه الجواب كنسمة عابرة كتلك التي كانت تجفف تعرقه بمجرد انتقاله من الشمس إلى الظل ، في يوم فوق درجة 40 مئوي ، يأتيه الجواب : لكن قياساتك ما خالفتك يوما ، باتت فراستك الشئ الوحيد ، يُثبت مازلت على قيد الممات... معافى.

2
إنها الخيانة ، نعم الخيانة ، تزحف بك زحفا لتجرب وسيلتها المتبقية ، مارستك من خلال التقشف في لوي الذراع وفشلت ، كنت تنفلت منها كالسبرنك الذي لن يطاوع ،
اللين بعدما لم تنفع معك الشدة ، وها هم يبلطون طريقك بالحرير ، ويعبئون جيوبك بالدولارات عساها تنفع معك هذه المرة...
مّن هم ؟ لا تدري ولكنك مرصود ، هذا ما تشعر به ، وليس لك من دليل عليهم...
يهتف من يخاويك ويبيعك في أقرب مناسبة ، القابع فيك : لكني أريد ، أريد التنعم بالحياة
فيجيبه صداك :
ولكن ليس على حساب وعيي البدائي
فيبكيك الصامت فيك ، وهذا ما يرهقني...
يشتعل الشجار فيما بينهم بدلالتك ، فتصرخ متذمرا :
ربي ، أيهما أنا ليتني أعرف ؟
جميعهم يحملون جلّ صفاتي ...!

3
الغرفة مطلية بطلاء فاخر ، النظام لا خلل يعتريه ، القواعد أكثر من شفافة
كنت تتحسس خلف طلائها تكشيرة تهزأ منك وفيك، مجرد إحساس كهذا يجعلك في قلق دائم ، وخدر يديم الفراغ ، ماذا يريد ليرضى عنك ، ليكف عن مشاغلة الجمال في لوي ذراعه انصياعا لقواعدك البالية؟
لا أدري ولكني أشعر في الأمر خيانة ؟ / ( صوت ضميرك )
أية خيانة يامعتوه ( كُل ووصوص كفراخ الطيور ) / (المسترخي فيك )
أيضا لا أستسيغ الأمر / ( شخصك المشاكس )
إذن نعيدك إلى بلدك كما تتمنى ؟ / ( ذاكرة الدرابين والأزقة)
وهذا الأسوء منه ، فقد تعودت الهدوء ، وتلمست إنسيابية أن أترك هكذا حرا / ( شيخوخة الجسد )
ماذا تريد من الغرفة قلها وخلصنا ؟ / ( الأصوات مجتمعة )
لا ادري ولكني أحسبها تسخر مني بكل ما تحمل من جمال وترتيب ونظام
لي وجهة نظر ، هل تمانع على طريقة البنيوية في التفكيك والتركيب إعادة صياغتها وفق مقارباتك الذهنية لعلنا نكتشف سر العطب ؟
لا بأس في ذلك...

3
الباب
ما اعتراضك على الباب ؟
يميل مع الريح ، خفة لا تُطاق ، أشعر به كالمخانيث ، الباب في مخيلتي (راجل من ضلع راجل ) على طريقة أهل صعيد مصر ، الباب اليوم يُصنع في وقت لا يمت للوقت كما أعرف وأفهم ، الباب لي معه علاقة حميمية ، فهو جزء من كياني النفسي ، في كل مسامة منه ذاكرة من ذاكرتي ، يكلمني وأكلمه ، هنا أجده أصما ، كأنه محشور حصرا للتجسس علي ، السخرية مني ، الباب هناك أكلمه ويكلمني ، يعرفني إن كنت سعيدا أو حزينا ، يعرف كل تفاصيل حياتي ، لذلك فهو ليس بمعزل عني ، من أهل بيتي ، طالما تشاجرت معه ، أغضبته وأغضبني ثم نعود إلى الصلح كطفلين مشاكسين ، في ساعات الليل المُتأخر وحين تغلق البيوت أبوابها ، أتفقت معه على لمسة سرية ، أضع يدي عند مضلع تجاسرنا حوله ، ثم أصغي لأنصاتهِ وكأني أستخرج رقما سريا ، يفز من نصف سباته كانتظار الأمهات ، وما أن أدفعه قليلا حتى تنفرج طلاقتيه ، فأدخل منسلا متلمسا فراشي الصيفي المنعزل خشية من مصادفة اعتراضية ، كما يحصل غالبا في نحس وساوسي مع القط الأعور...
الباب تطعجاته كانت ذكريات أيامي ، ياما أشبعته ركلا وكان يتوجع ، يبكي ثم يبتسم ، أشبعته حجرا حين كانت مرضعتي تمنع عني النقود أو تهذبني على طريقة الأمهات ، كان الباب هو الواسطة بيننا ، تفتحه ثم ترمي لي القطعة المعدنية ، كنتُ أرَى ابتسامته خلفي حين أفر مدبرا بدراجة المخيلة صوب الباعة المتجولين...

الشباك
خلّتهُ مُطلا على حديقة بوسع المدى ، فيها أشجار البرتقال والليمون حتى أنه يفتح لي زجاجهُ على تشكيلة ورود متناسقة الألوان تُضايق تنفسي، يقترب الحذر مني ليمارس طبيعة الشم بلا طعم أو رائحة ، يوما استدعت الغرابة طفلي الصغير ليساعدني في تبيان حقيقة ما أتنسمه ، فأغمضت عيناه من شدة سكرته وقد انفرجت أبتسامته لدرجة جعلتني اتجعد في ملامحي .
كان يبتسم ...
وكنت أتكسر...

الجدران
متسعة تبدو ضيقة ، مائلة بحدود مواصفاتها الهندسية الدقيقة ، كأستقامة خجلي المتوارث، ملساء تلمع تضادا مع ابتلائي، زواياها لا أدري كيف أصفها ، حاولت أن أزرع ألفة بيننا لكني فشلت ، غير مسموح لي بالكتابة عليها ، عقلي لا يسمح لي ، الجو العام لا يسمح ، حتى بت أعاني النسيان ، فالجدران لي معها علاقة ورقية يشهد بذلك قلم الرصاص
كنت أملي عليها ذكرياتي بحرية أكبر...
الجدران بأتت تعلمني أصول الأدب...
يالها من طامة كبرى
يبدو أني كبرت بما يتناسب مع هدوء الجدران وعليّ الخضوع لقواعد اللعبة
انتزع الطفل المشاكس إلى غير رجعة...
ذلك قدري مع الجدران التي لا تكلمني ، بل تمنحني مباركتها على كل شئ
فتشربت بصمت ...صمتي .

السقف
لا أنظر إليه ، مشكلتي لا أنظر إليه ، ملامحه لا تستهويني ، وهذا ما يعذبني ، كيف أعيش معه ويعيش معي في مكان واحد والقطيعة بيننا
بتُ كالدجاج ينظر إلى طعامه وشرابه ، عادة جُبلَ عليها...
السقف الذي كان يفتح لي أفاق الأفكار العصية لأنفذ منها إلى عنان السماء ، محلقا ، آلّ محجرا الزاميا كريها يلزمني بأوقات شديدة القسوة كما أنه يُلقن ساعة الجدار حتى تحولت حياتي من خلال سطوته على الجدران إلى مواقيت للقيام والجلوس ، للنوم واليقظة
لا شئ يحفزني فيه ، فقط ينظر إلي هكذا كما تتخيلون ، أين مصائد أعشاش العناكب والحشرات المعلقة ، أين العنكبوت الأحمر الذي لم يبارح محله لأيام حتى ظننته ميتا قبل أن ينزل من حبله السري ففتق ذاكرتي على حكاية ( حوار مع عنكبوت ) ، أين خرائط خرابه وقت الأمطار الغزيرة ، أين ترابه غير الملزم بجاذبية الأرض ، محلقا في ذَر العيون ، أين أنا من السقوف المختلفة في عريها ، تسعى في ملاحقتي ؟؟؟؟
لكم أكره أبي حين كان قاسيا ومنهارا كظله
لكنني أعشقه الآن ...
ذلك هو السقف المنهار ، خيمتنا ، يوم لا معين غيره
أبي آخر الوصايا... سقف بيتنا العتيق


ساعة الجدار
لا أدري ما نوع التزوير الذي تمارسه مع البطاريات الصينية الصنع ، بعض الأحيان تستهلكها بسهولة والبعض الآخر تطيل في أمدها
ما جعلني في فوضى من أمري من شدة استدعاءات في إطالة أو تقصير الوقت
لقد استبدلت من البطاريات ما يعادل ما لا أتذكر ، كما استبدلت الساعات لكن دون جدوى
ما لا أفهمه كيف أن هذا المخلوق الخبيث تفنن وأفلح في مضايقتي ، العجيب أن أشياء كبيرة انتصر عليها وأشياء تافهة تستهلك بطاريتي سريعا ؟
حاولت الإيقاع بها مرة ( كتعدد الزوجات ) ، اشتريت ثلاث ساعات على عدد جدران الغرف لكن تواطئا بينها ضاعف المشقة على أوقاتي ، فكل ساعة كانت تتأخر أو تتقدم وقتا لا يستهان به، ما جعلني ناطا هنا ومتعثرا هناك ، قليلة الحيلة إزاء حضور ملزم على انضباطه مع أني / عاطل عن الوردة / .

البلاط
يُشبه ولا يَشبه...
يوم استدعي جارنا الخمار ، معلم بلاط الحي والأحياء القريبة ، كان شرطه مقاضاة سرقة يومه بقنينة عرق مستكي مع تشكيلة مزة معتبرة...
وهكذا استحال سكره فينا لقوس قزح مطبات لا يشبه بعضها بعضا ، مازلنا نتندر بها رغم بعيدها الباكي ، فيما كانت بلوته على والدتي ما جزعت تكيل لوالديه المسبات كلما عاكسها غسيل البلاط يمينا وشمالا وهي تجاهد لملمة إرهاقها بإتجاه مسرب رُكِبَ على سُكر مُطل، نوبات سعال وتعرق والتقاط الأنفاس ثم تترحم على والديه في نوبة ضحك وضجيج يشترك فيها كل أفراد العائلة ، الشتات...
قال ربي :
لا حياة لهم...


كريم الثوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل