الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف العربي ودروه كضمير للأمة.. وبهلوان في ظل الربيع العربي

فيفا صندي

2012 / 2 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


من المعروف أن المثقف هو المرآة الحضارية لأي أمة، ومن خلال هذه المرآة تستطيع أن تتعرف بسهولة عن مدى قوة وضعف هذه الأمة من خلال ما يطرحه مثقفوها، بل يمكن التعميم بالقول إن المثقف هو ضمير الإنسانية، والمثقفون هم الشريحة التي تستمد مكانتها داخل المجتمع من خلال قوة أفكارها وتطورها ومواكبتها لجميع الظروف والمتقلبات الحياتية، فهم أعمدة التنوير والعقل المفكر في الأمة والرصيد الفكري لنهضة الشعوب. ومتى ما ضعفت أفكارهم اختفى بريقهم وأنطفئ وهج البلاد.!
وفي المفهوم الاصطلاحي للمثقف: هو ناقد اجتماعي "همه أن يحدد، ويحلل، ويعمل من خلال ذلك على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ نظام اجتماعي أفضل، نظام أكثر إنسانية، وأكثر عقلانية"، وفى بعض التعريفات الأخرى فإنه الممثل للقوة المحركة للمجتمع حيث يمتلك القدرة على تطوير المجتمع، من خلال تطوير أفكار هذا المجتمع ومفاهيمه الضرورية.

يملك المثقف قدرا من الثقافة التي تؤهله لقدر من النظرة الشمولية، وقدر من الالتزام الفكري والسياسي تجاه مجتمعه، وهو مبدع لا يكف لحظة عن إبداعه حيث يستطيع بهذا الإبداع الثقافي أن يفصل بين تهذيب القول وتجليات الفكر، بين الثقافة وعدم الثقافة، بين التحضر والتطور.

بعد جملة هذه التعريفات فهل نحن أمام مثقف مثالي منقرض في حياتنا العربية.. وأين نحن كعرب من الثقافة؟ وأين المثقفون العرب من الدور المنتظر منهم؟ وما هي إسهاماتهم في الحراك الشعبي العربي؟ وما هي الأفكار التي يروّجون لها اليوم؟ وما هي مشاريعهم للنهوض بالمجتمعات بعد الثورات والمساهمة في نشر الوعي والعلم والفكر؟ ألسنا بحاجة إلى مثقفينا كي يوحدوا الشعوب حول فكرة ناضجة نواجه بها الظروف الراهنة والتخبط والفتن التي نعيشها؟

كل هذه الاستفهامات مفادها إن ضميرنا الحي اختفى، ونحاول هنا البحث عنه في هذه السطور..
بالأمس القريب.. كان المثقف العربي منقسم بين فئة مؤيدة وداعمة للأنظمة المستبدة التي تسلقت على حسابها وخدمت فقط مصالحها ودافعت عن سياساتها وانتكاساتها، وتحولت أفكارها إلى سلعة تباع لمصلحة أشخاص محددة، وكانوا بمثابة البوق الناطق الرسمي باسم برامجهم وخطاباتهم.. وهذه الفئة المثقفة غير النظيفة والتي باعت ضميرها للحاكم بمسايرتها الواقع الفاسد التي اصطنعت له المبررات للدفاع عنه، لا يمكن أن نطالبها اليوم بأي دور ايجابي بعد الثورات التي أطاحت بالأنظمة التي طالما دافعت عنها.

أما الفئة الثانية من المثقفين، فهي الفئة المهمشة، الفئة المعارضة وفي أحسن الحالات الفئة الصامتة التي لم تبع ضميرها، واختارت أن تعيش في الظل مع معاناة التهميش والتغييب المتعمد مرة ومصادرة الرأي والتدجين مرات، حيث مورست عليها كل أنواع القمع والعنف ضد أي أفكار مناهضة للنظام مما أثر سلبا على المنتج الثقافي و حجّم دور المثقف في الحراك باتجاه التغيير.
من هنا لا يمكن ألا أن نقر أن ما عرفه العالم العربي من ثورات لم يكن أبدا نتاجا لأي نشاط سياسي أو اجتماعي أسهم فيه المثقف العربي، بل كان نتيجة عفوية لرغبة الشعوب المطالبة بالتغيير والمنادية بالحرية والديمقراطية والعدالة من اجل العيش بكرامة.

وقد سجِّل غياب دور المثقف العربي قبل الربيع العربي مع شبه حضور له أثناء الثورات الشعبية التي أطاحت برؤوس الأنظمة، لكن ماذا عن دوره في مرحلة ما بعد الثورات؟

كل حراك يفرز مثقفيه، فالثورة الفرنسية مثلا والتي أجبرت الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول على الاستقالة، أفرزت مفكرين جددا وأخفت آخرين.. فهل هذا هو واقع الحال في الدول العربية؟

المتابع لمشاهد الحراك الشعبي في البلاد العربية يجد أن بعض النخب المثقفة تفاعلت مع الثورات بعد أولى أيام اندلاعها، وكانت حاضرة بفكرها وأحاديثها وحتى تواجدها الفعلي في الميادين مكسرة بذلك حاجز الصمت والقهر الذي عانته لسنين طويلة. وهناك بالمقابل فئة أخرى جديدة ركبت الموجة وتناغمت مع إرادة الجماهير، وتفاعلت مع مطالبها، وشاركت نصر الثوار في كتاباتها ولقاءاتها، ولبست حلة الثورة ونجاحاتها.

لكن تأثير هذه وتلك لم يرتقي بعد إلى لعب دور قيادي يوحد الشعوب حول كلمة واحدة وهدف واحد وفكرة مثمرة يمكن أن تلقي بظلالها على المجتمع وتساهم في توعيته وتنضيجه لمواكبة المستجدات، وتحدي الصعاب، وتوجيهه من أجل الوقوف في وجه الأزمات والمعارك والفتن التي تلي أي ثورة.

ففي مصر ما بعد الثورة مثلا، لم نشاهد دورا للمثقف من أجل وضع حد للفتن الطائفية ولا الصراع القائم بين المجلس العسكري والثوار. بل ظهرت نوعية من أشباه المثقفين الذين ظهروا في غفلة على مفاجأة بالساحة المصرية وتحدثوا باسم الثورة، وانتشر بسببهم الضجيج في كل مكان صوتا وصورة في وسائل الإعلام بأنواعه المختلفة وما هم إلا جوقة متشدقون لا يفقهون إلا نغمة الخراب حيث الملمح المشترك بينهم جميعا هو فكرة الهدم لما يطلقون عليه بـ(الاناركية) في التأييد المطلق لهدم كل مؤسسات الدولة، وحينما تسأل عن فكرتهم نحو إعادة البناء مرة أخرى تجدها مجرد أحلام واهية ليس لها مكان على الواقع المصري المرير.

هذه نوعية لما افرزه المثقف المصري(مع تحفظنا لكرامة المثقف المصري الحقيقي) في ظل استغلال الحدث الراهن، لكن والحق كما الشمس في المقولة الشعبية التي تصف حال هؤلاء" راح ينتهوا بسرعة مثل ما ظهروا بسرعة".!

مثقف مصر لا يختلف حالا عن مثقف العراق والمثقف السوري والتونسي والمغربي.. كلهم يتحملون المسؤولية في ضياع الهوية الثقافية والتميز الذي يفرق بين طعم فكر بلد عن أخر.. فالكل سواسية مسخ بلا ملامح.

لم نسمع صوت مفكر حكيم تلتفت حوله كل مكونات الشعب مطالبا إياها بالتزام الهدوء والصبر حتى يتم دفع الظلم والوقوف في وجه الفساد وتحقيق العدالة.

لم نرى فكرة مشروع نهضوي يعلم الناس أولا كيف يثوروا على أنفسهم وعلى جهلهم وموروثاتهم الفاسدة من الأنظمة السابقة، ويلقن العامة معنى المواطنة ويعبر بالبلد من مرحلة التخبط والهذيان إلى مرحلة العمل والبناء وتكريس دولة القانون والحرية والتقدم.
المثقف الذي نحتاجه اليوم، هو ذاك الجندي المجهول الذي لا يبحث عن شهرة أو مال، المتسلح بوعي نقدي، القارئ للظروف الراهنة محللا لها، ومستشرقا لمستقبلها، ساعيا إلى خلق التوازن من خلال المقاربة والمقارنة وربط المكونات بتحليل عقلاني وبنيوي مع إدماج الحاضر بمسبباته وأشكاله ونتائجه وعلاقته مع الماضي وارتباطه بالمستقبل.

فالثورة التي نتمناها هي ثورة عقل وفكر، ولن تتحقق إلا إذا تحقق تواجد المثقف وأخذ دوره الريادي في تنوير المجتمع من خلال قراءة الأحداث ونقدها وتحليلها مع ربطها بعضها البعض وإزالة الغموض عنها وكشف المستور والطلوع بآراء ومساهمات ومشاريع تنموية من أجل الارتقاء بالحاضر وبناء متين للمستقبل.

أتمنى أن يفرز الواقع الجديد الذي خلفته الثورات العربية نخب مثقفة حقيقية، وأفكار بناءة تكون وليدة الظروف الحالية، وأراء ناضجة وواعية، وإن كانت مختلفة أو حتى متضاربة فإن هذا التنوع والاختلاف سوف يكون بداية إحياء الثقافة والمثقفين العرب. فثقافة الأمة لا تزهو من دون وجود حراك مجتمعي حقيقي، وقوى فاعلة تمارس الصراع الفكري وتمتلك توجهات واضحة ومشاريع نهضوية شاملة من اجل بلورة الرأي العام وإثراء المجتمع.

فما أحوجنا إلى مثقفي هذه الأمة ومفكريها وعقلاءها، وما أحوجنا إلى تبني مشروع ثقافي استراتيجي لإخراج المجتمعات من الفوضى الخلاقة الموجودة اليوم، والارتقاء بها إلى حيث الأمان والاستقرار والحياة الكريمة بحرية وعدالة اجتماعية وفكر واعي وناضج.

فأين أنتم أيها المثقفون العرب؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أين أنتم أيها المثقفون العرب
محمد طلعت ( 2012 / 2 / 10 - 15:57 )
المثقفون نائمون يحلمون بالمزيد من انتشارهم وشهرتهم فى لاسفر والترحال باسم مفكرين الثورات العربية مشغلون هم بامضاء العقود الجديد لكتبهم المترجمة مشغولن هم بصورتهم اكثر بثيابهم الجديدة امام الفضائيات.............
انهم كما وصفتيهم بمقالك استاذة بريق برق فى السماء وسرعان ماينطفى لانه بلا جذور ولا بلا وعى ولا فكر.........
المثقف الحقيقى هو نبى بلا وحى.............
والثقافة هى سلوك حياة لا تجارة بالحياة......
دام فكر ك ورقى طرحك ايتها العزيزة المستنيرة

اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا