الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى مجزرة شباط الرهيبة عام 1963

حميد غني جعفر

2012 / 2 / 10
كتابات ساخرة


لم يكن انقلاب الثامن من شباط الفاشي الدموي عام – 1963 – مفاجئة للقوى السياسية وجماهير الشعب خصوصا الحزب الشيوعي العراقي الذي أصدر بيانا في بداية كانون الثاني من العام – 1963 – أي قبل الانقلاب بشهر واحد – فضح فيه المؤامرة التي تخطط لها شركات النفط الاستعمارية وحليفتها القوى الرجعية – محلية وعربية – لإجهاض الثورة الديمقراطية التحررية ،وكشف البيان خيوط المؤامرة والخطوط العسكرية المشاركة فيها وأسماء عدد من الضباط من قادة الفرق العسكرية ، ودعى حكومة قاسم إلى الوقوف بحزم لردع المؤامرة الاستعمارية الرجعية للحفاظ على الثورة وإنجازاتها الكبرى وعلى الاستقلال الوطني للجمهورية الفتية ، وكان موقف الحزب هذا ينطلق من مسؤوليته الوطنية والتأريخية في الحفاظ على الثورة والجمهورية ، لكن حكومة قاسم تجاهلت خطورة الوضع ولم تتخذ أية إجراءات حازمة لردع المتآمرين وعلى – ما يبدو – فإن قاسم قد أصابه الغرور بفعل فشل العديد من المؤامرات التي سبقت – هذا الانقلاب – ظنا منه بأنه قادر على سحقها عند لحظة تنفيذها ، لأن الشعب يلتف يحبه ويلتف حوله ، وما درى قاسم – رحمه الله – بأن التفاف الشعب حوله كان بفضل دور القوى التقدمية المخلصة للثورة التي لعبت الدور الأساس في توعية الجماهير وتعبئتها حول قيادة الثورة والجمهورية – وليس حول شخصيته بالذات – وكانت هذه التعبئة والتحشيد عاملا أساس في إفشال كل المؤامرات السابقة ، وتجاهل الزعيم قاسم التحذيرات المخلصة من الضباط الشرفاء شركائه في الثورة ومن القوى التقدمية الحريصة على الجمهورية والاستقلال الوطني وكان هذا التراخي من جانب قاسم قد شجع المتآمرين على تصعيد حمى التآمر ضد الثورة بخلق حالات الفوضى والإرباك في الشارع العراقي وفي مفاصل الدولة الأخرى وبين صفوف الطلبة في الكليات والمعاهد بهدف التغطية على ما يخططون له فكان الإضراب الطلابي الذي تزعمه ما يسمى – الإتحاد الوطني لطلبة العراق – التنظيم التابع لحزب العفالقة هو التمهيد للمؤامرة ولم يأبه الزعيم قاسم بكل هذه المخاطر المحدقة بالثورة الجارية أمام عينيه وعمت الفوضى البلاد فالمتآمرون يتحركون علنا وبكل حرية ، وأجهزة السلطة الأمنية تطارد الشيوعيين والديمقراطيين والتقدميين وتزج بهم في السجون والمعتقلات إلى جانب حربها الشوفينية ضد الشعب الكردي ، وعصابات تصول وتجول في الكاظمية بالإعتداءات والإغتيالات ضد الوطنيين والتقدميين ، هكذا كان موقف حكومة قاسم أزاء المخاطر المحدقة بالثورة ، وتجمعت كل قوى الشر من بعثيين وقوميين مزيفين وإقطاعيين ورجال دين مزيفين والرجعية بكل فصائلها – محلية وعربية – وبدعم وإسناد مادي وعسكري وإعلامي من دولة إقليمية هي مصر عبد الناصر – وتحت الشعار المخزي – يا أعداء الشيوعية اتحدوا – ولم يكن هذا الشعار سرا فقد رفعوه علنا في كل الساحات والشوارع والكليات والمعاهد – ولابد أن أبناء جيلنا يتذكرون ذالك جيدا – وكل هذه النشاطات المسعورة كانت برعاية ومباركة الولايات المتحدة الأمريكية واستطاعت أمريكا جذب – عبد الناصر – إلى تنفيذ مخططاتها ، ففي ورقة أعدتها وزارة الخارجية الأمريكية في – 15 – نيسان – 1959 – تحت عنوان ( الوضع في العراق والسياسة التي يتعين على الولايات المتحدة أن تسلكها لتحول دون سيطرة الشيوعية على البلاد – ومن بعض ما جاء في الورقة – أن العلاقات الودية ما بين الولايات المتحدة – والجمهورية العربية المتحدة هي الحملة الفعالة التي ينهض بها – ناصر – ضد الشيوعيين المحليين والإتحاد السوفيتي – كل هذه ما كانت لتبدوا قبل عام – وهي تعود بمنافع سياسية عظيمة – من وجهة نظرنا - ، وتقول الورقة في موضع آخر – وبعنوان – تشجيع ناصر في حملته ضد الشيوعية في العراق – في الوقت الذي لم نربط فيه مباشرة ما بين حملة ناصر الراهنة ضد الشيوعية والخطوات التي اتخذناها لمساعدة مصر – فمما لاشك فيه أن ناصر يعرف أن الخطوات التي اتخذناها إنما هي علامة على استحساننا للحملة الجارية وإنها تشجيع على جهوده المعادية للشيوعية وسنواصل هذه السياسة وندعمها بخطوات يمكن أن نتخذها من حين لآخر بطريقتنا الخاصة للمشاركة في الحصيلة .
وهكذا كان الدور الأمريكي – البريطاني – في الانقلاب بهدف استعادة مواقعهما ومصالحهما الستراتيجية في المنطقة التي فقدتها بثورة – 14 – تموز – 1958 – الوطنية التحررية ، فكان التخطيط والمال والسلاح على الأسياد والتنفيذ على هذه الزمر الشريرة ، وما تصريح علي صالح السعدي أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث – حينذاك- بعد الانقلاب – إذ صرح : أننا جئنا إلى السلطة بقطار أمريكي .
ولقد استغل المتآمرون يوم الجمعة – كونه عطلة – وإن غالبية الضباط وقادة الوحدات غير متواجدين في وحداتهم لتنفيذ مؤامرتهم القذرة ، إضافة إلى أساليب الحيلة والمراوغة ، ففي يوم الخميس – 7 – 8 – شباط – اليوم الذي سبق تنفيذ المؤامرة - كان الحزب الشيوعي قد وضع كامل الجهاز الحزبي في أقصى درجات الإنذار تحسبا لأي طاريء خصوصا فرق الطواريء وفي مدينتنا – الكاظمية كانت فرقة الطواريء من ستة رفاق مكلفون بواجب مراقبة ومتابعة أي تحرك للقوى الرجعية طيلة الليل وحتى السابعة صباحا انسحب الجميع من الشوارع ليأخذ قسطا من الراحة بعد ليلة من السهر والقلق ، وعلى ما يبدو فإن المتآمرين قد شعروا بتجمعات وتحشدات الشيوعيين في المناطق والأماكن العامة لمراقبة تحركاتهم ولذا عمدوا إلى المراوغة بنشر إشاعة – بتأجيل التنفيذ – وعلى هذا انسحب الشيوعيون في السابعة من صباح الجمعة وكان أشد ما يخشاه المتآمرين هو الشيوعي جلال الأوقاتي قائد القوة الجوية العراقية فعمدوا إلى اغتياله في داره – بداية – وبالتالي تمت إذاعة بيان الانقلابيين الساعة التاسعة صباحا ، وفور إعلان الانقلاب الدموي أصدر الحزب الشيوعي العراقي بيانا إلى جماهير الشعب يدعوه بالخروج إلى الشوارع لمقاومة الانقلاب الاستعماري الرجعي واستجابت الجماهير لنداء الحزب وخرجت عن بكرة أباها إلى الشوارع – شيبا وشبانا ونساء – ومما جاء في البيان : أيها المواطنون يا جماهير شعبنا المجاهد العظيم أيها العمال والفلاحون والمثقفون وسائر القوى الوطنية الديمقراطية – قامت زمرة تافهة من الضباط الرجعيين المتآمرين بمحاولة بائسة للسيطرة على الحكم تمهيدا لإرجاع بلادنا إلى قبضة الاستعمار والرجعية وقال البيان أيضا إلى الشوارع يا جماهير شعبنا الأبي المجاهد لكنس بلادنا من الخونة المارقين ... إلى السلاح للدفاع عن استقلالنا الوطني وعن مكاسب شعبنا ... إلى تشكيل لجان الدفاع في كل معسكر وفي كل محلة ومؤسسة وفي كل قرية ... إلى الأمام إلى تطهير الجيوب الرجعية وسحق أية محاولة استعمارية في أية ثكنة وأية بقعة من بقاع البلاد ... وطالب الحكومة بالسلاح .
ورغم أن الحزب لايمتلك قطعة سلاح واحدة – بما في ذالك فرق الطواريء – لكنه دعى إلى احتلال مراكز الشرطة وتوزيع السلاح على الجماهير وهرعت إلى الشارع كل جماهير الشعب في كل المدن العراقية وخصوصا العاصمة بغداد الحبيبة وانطلقت الجماهير الغاضبة تندد بالمؤامرة وتطالب بالسلاح فاحتشدت أمام بوابة وزارة الدفاع في الباب المعظم ، وكان هذا الحشد الضخم بالآلاف قد بعث الرعب في نفوس المتآمرين فعمدوا إلى حيلة أخرى برفع صور الزعيم قاسم على الدبابات ويهتف من فيها بحياة الزعيم مع جموع الشعب الغاضب – للتمويه – وما أن استقرت في مواقعها حتى وجهت نيرانها إلى صدور أبناء الشعب العزل وحصدت أرواح المئات منهم وكان الكذب والخداع هو سمة دائمة ولازمة لسياسات البعث المجرم وكذا الحال في الصالحية قرب مبنى الإذاعة وفي الشواكة والشاكرية وحي الأكراد وباب الشيخ والكاظمية ومناطق أخرى من بغداد والمدن الأخرى وانتشرت قطعان الحرس القومي في الشوارع والأزقة لتشن حملة اعتتقالات على أوسع نطاق ضد الوطنيين والتقدميين من الشيوعيين والديمقراطيين وأنصار الزعيم قاسم حتى غصت السجون والمعتقلات بعشرات الآلاف ومقرات الحرس اللاقومي وقتلت الآلاف من خيرة رجالات العراق الشرفاء من العسكريين في مقدمتهم الزعيم الشهيد قاسم ورفاقه من الضباط الأحرار جلال الأوقاتي وفاضل عباس المهداوي وكنعان حداد وطه الشيخ أحمد ووصفي طاهر وماجد محمد أمين وغيرهم الكثيرون و من قادة الحزب الشيوعي العراقي سلام عادل – محمد حسين أبو العيس – حسن عوينة – جمال الحيدري – محمد صالح العبلي – جورج تلو وغيرهم المئات من قادة وكواد وأضاء الحزب وأنصاره ومؤازريه وكانت أبشع مجزرة عرفها التأريخ ناهيك عن هتك الأعراض واغتصاب مئات الفتيات والنساء بلا وازع من شرف أو دين أو أخلاق وحوش كاسرة لا تعرف للإنسانية من قيمة حقد أسود على الشعب وقواه الديمقراطية ثم صدور بيان رقم – 13 – السيء الصيت بإبادة الشيوعيين والمشتبه بهم ، وصدقت نبوءة الشهيد الخالد سلام عادل الذي خاطب جلاديه وهو تحت التعذيب قائلا : إن حكمكم سوف لم يدوم أكثر من حمل امرأة أيها الصبيان وفعلا وبظرف تسعة أشهر فقط سقط حكمهم الدموي مشيعا بلعنات الشعب والتأريخ وعلى أيدي شريكهم بمجزرة شباط عبد السلام عارف بفعل الصراعات على المغانم بين عصابة اللصوص القتلة ... فيا لخزي دعاة العروبة والإسلام – زورا وبهتانا – فهم في واقع الحال خدم الغرب وعبيد للأجنبي .
وخير تعبير عن عمق مأساة الشعب العراقي الذبيح على أيدي الوحوش القتلة هذه القصيدة الرائعة للشاعر – نصير النهر – يرثي بها شهداء الشعب وكتبها وهو بين أربعة جدران – معنا – في سجن بغداد ، وحفظتها عن ظهر قلب منذ ذالك التأريخ
أيتها الشمس خشوعا قفي وطأطئي *** هامك للأرض فشعب العراق
فداء عينيك طواه الدم من كل قلب يراق *** في البيت في السجن وفي الشارع
في حشرجات النغم الرائع حيث دوي*** الرصاص بحرقة يبكي بحرقة يحكي
لوعة شعب العراق عبر بطولاته *** من أجل أن تطلعي من عمق مأساته
أيتها الشمس خشوعا قفي *** حيي ضحايا الكفاح حيي بصمت الجراح
شعب العراق الوفي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد الكاتب ...نقطة نظام !
متابع كردي ( 2012 / 2 / 10 - 17:52 )
ان ضحايا انقلاب شباط الدامي من العراقيين كثيرون ..وان الحزب الشيوعي لم يكن على علم اكيد ومسبق بموعد الانقلاب او ساعة الصفر ولذلك كانت مفاجاْة من العيار الثقيل والقاتل لهم وما سبقتها كانت معلومات وتكهنات ..والمهم هو ) ساعة الصفر ) والتفاصيل المتعلقة بها والا لما كانت هناك تلك الضحايا الكثيرة والذين جرى اصطيادهم بسهولة ! اما فيما ذكرته ان قاسم كان يخوض حربا عنصرية ضد الاكراد فاقول كلا الزعيم قاسم لم يكن في عروق دماءه الطاهرة نقطة عنصرية واحدة والكل يعرف ويشهد بذلك اعدائه قبل اصدقائه ومحبيه ..فمن اين جئت بهذه التهمة ؟؟!!


2 - لايصح إلا الصحيح
أبــــو هبــــــــــــه ( 2012 / 2 / 10 - 18:21 )
العزيز الأستاذ حمييد المحترم ..كلما قرأت مقالا- لأحد المخلصين من معاصري تلك الحقبة من تأريخ شعبنا ..كلما إستجدت لدي قناعات جديدة هي بالحقيقة إجابات موضوعية وشافية للكثير من الأسئلة والأستفهامات التي يحاول الأعداء إثارتها بين الحين والآخر للأساءة الى نضال حزب الفقراء والى زعيمهم !! وحقا-لقد أجبت عما يسقط كل المدعيات التي تحاول تحميل الحزب مسؤولية عدم الحفاظ على الثورة والتفريط بها ؟؟كما أنك أوفيت وكفيت لضحايا مجزرة شباط المشؤومة ولكل ما تلاها من المجازر !! فلك مني جزيل الشكر ووافر الأمتنان .. مع دعوة خالصة لكل الوطنيين للتسامي على جراحهم ورفدنا بالصفحات الناصعة الأخرى من تأريخ شعبنا


3 - Some interessant fresh informations
Munawar Al-Mahdawi ( 2012 / 2 / 10 - 18:38 )
In the book of TIM WEINER-LEGACY OF ASHES-,it is possable to get very important informations about the connections between the CIA and Nasser`sregime with the Baath´sclan.Extraodenary role was played by the german intellegence service under ex-nazi general Gelin.Baath -party- choosed the german city Munster for his thaird conference 1961.Security officers of Salah Nassr were educated and supported by the oganization of Nazi Gelin!!!Remarkable is the fussnote 197 in cap.14,where we can descover the hope of the american presedent John Kennedy to kill the protogonist of the 14th july revolution prime-minster Abdel Karim Qassim!My regards to you and to all iraqies ,who have the patriotic and human responsability and the spiritual insight ,which mooved them to remind of that national tragedy-the fashist imperialistic coap at 8th.february 1963...


4 - -3السيد منور فاضل عباس المهداوي المحترم ..
سامان - العراق ( 2012 / 2 / 10 - 18:58 )
كنت ااتمنى ان تكتب باللغة العربية وان تسهب في مداخلتك لان لوالدكم الراحل واسرتكم الكريمة والمضحية مكانة عزيزة وطيبة لدى الكثير من العراقيين الذين عاصروا تلك الفترة المضيئة وانتقل الحب والمودة الى اولادهم ..مع فائق تقديري .


5 - مجزرة تموز 1958
طلال السوري ( 2012 / 2 / 11 - 19:16 )
بدأت المجازر في العراق بمجزرة تموز 1958 ثم مجزرة الموصل وكركوك وتبعها مجزرة 8 شباط وكذا تلاحقت المجازر في العراق ...اللعنة على من بدأها ومن عمل بها او ايدها


6 - فاضل عباس المهداوي
طلال السوري ( 2012 / 2 / 11 - 19:34 )
فاضل عباس المهداوي كان رئيس اول محكمة سلطة -ليس محكمة دولة- خارج قانون االقضاء العراقي وكانت احكامها غير قابلة للتمييز الاستئناف- محكمة الشعب- وقد قام البعثيون بتأسيس محكمة على شاكلتها بعد 8شباط تحت مسمى محكمة الثورة.
كان ابناء المهداوي من الناشطين في مليشيا مسلحة خاضعة للسلطة تحت مسمى المقاومة الشعبية خارج نطاق الدولة العراقية ولاتخضع لقانون القوات المسلحة العراقية ولقد قام البعثيوون بتأسيس مليشيا مشابهة تحت مسمى الحرس القومي..


7 - تعقيب
فرند المهداوي ( 2012 / 4 / 23 - 14:21 )
لمعلوماتك يا اخ طلال السوري ان اكبر ابن للشهيد المهداوي هو مناضل وكان عمره انذاك هو 15 سنه فمن اين لك هذه المعلومه النيره بان اولاد المهداوي ناشطين في المقاومه الشعبيه ’’’ اتقي الله يا سيد طلال ,, ارجو ان تكون معلوماتك دقيقه وكفانا افتراء

اخر الافلام

.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر


.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق




.. خناقة الدخان.. مشهد حصري من فيلم #شقو ??


.. وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي وتشييع جثمانها من مسجد عمر مك




.. يا ترى فيلم #شقو هيتعمل منه جزء تاني؟ ??