الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورات الوطنية التحررية ... وقواها المحركة في التأريخ المعاصر – 3 –

حميد غني جعفر

2012 / 2 / 10
كتابات ساخرة


ومن هنا فإن ثورة العشرين المجيدة ترتبط أساسا بهذه المتغيرات على الساحة الدولية ، فحتى بعض رجال الدين والعلماء الأفاضل وشيوخ ووجهاء العشائر الذين شاركوا في الثورة ما كانوا من منطلقات دينية أو توجهات إسلامية بل كان المنطلق الأساس هو الوعي والمشاعر الوطنية الصادقة والعزة بالكرامة والغيرة الوطنية فهم يرون بلادهم محتلة من الأجنبي ويتحكم بمصائرهم بامتهان وإذلال للعراقيين وبالأساليب التي ذكرناها في الحلقة السابقة ، ونهب وسلب لخيراتهم وثرواتهم وبفعل سياسات المحتل الغاشمة تبلور الشعور الوطني المناهض للاحتلال ، فنشأت العديد من الجمعيات والأحزاب الوطنية التي ساهمت في توعية المجتمع ولعبت دورا مهما في تعميق الوعي السياسي ، لكن دورها كان ضعيفا بفعل افتقارها إلى التجربة وإلى الوعي والنضوج السياسي – المتكامل – في ذالك الوقت – لفهم طبيعة النظام الرأسمالي الاستعماري القائمة على السلب والنهب والاستغلال البشع والتحكم بمصائر الشعوب وبشتى أساليب الكذب والمراوغة والغدر لكنها ساهمت في تأجيج الوعي والحماسة الوطنية وأفرزت نخبة من المثقفين التقدميين والثوريين الذين لعبوا دورا بارزا وفاعلا ومؤثرا في توعية المجتمع حتى تأسست – منذ أواسط العشرينات – العديد من الجمعيات والنوادي الثقافية الوطنية وصدرت العديد من الصحف ومن أبرزها صحيفة – الصحيفة – التي روجت للفكر التقدمي الاشتراكي الماركسي وبرزت شخصيات مرموقة خاضت نضالا فكريا مثابرا وعسيرا – في تلك الظروف الصعبة – وتشكلت العديد من الحلقات الماركسية في العديد من المحافظات – بصرة – ناصرية – إضافة إلى بغداد وبنضال ثوري متواصل وعبر سنوات تكلل نشاطها الدؤوب بربط كل تلك الحلقات الماركسية بتنظيم واحد في كل العراق وفي – 31 – آذار من العام – 1934 – تشكل أول حزب ثوري من طراز جديد وهو الحزب الشيوعي العراقي بقيادة يوسف سلمان يوسف – فهد - ليتصدر قيادة النضال الوطني للشعب العراقي ضد الاستعمار البريطاني ، وقد ربط الحزب هذا النضال السياسي الوطني بنضاله الطبقي كممثل لمصالح الطبقة العاملة والفلاحين وجموع الكادحين وخاض المعارك الوطنية والطبقية فكانت الملاحم البطولية الخالدة ابتداءا من إضراب عمال – كاورباغي – في كركوك عام – 1936 – وإضراب عمال السكائر عام – 1942 – وإضراب عمال الميناء عام – 1952 – إلى جانب معاركه الوطنية الأخرى ضد الاستعمار البريطاني والتي تجسدت في وثبة كانون المجيدة عام – 1948 – مع بقية القوى الوطنية الأخرى ثم انتفاضة تشرين ثاني عام – 1952 – وما سبقها وما تلاها – من نضالات فلاحية ضد الإقطاع ، إلى جانب نضاله الفكري والسياسي في ترصين العلاقات الوطنية مع الأحزاب والمنظمات التي بدأت تظهر أواسط الأربعينات ومنها الحزب الوطني الديمقراطي بقيادة كامل الجادرجي وحزب الاستقلال – مهدي كبة – وحزب الشعب عزيز شريف وتنظيمات قومية أخرى تمثلت بحزب البعث الذي ظهرت أولى تنظيماته في العراق بين أواخر – 1952 – أو أوائل – 1953 – وفي أواسط الأربعينات أيضا كان تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني – البارت – بزعامة مصطفى البارزاني كحزب قومي للأكراد ، وسعى الحزب الشيوعي العراقي إلى تعزيز وتمتين العلاقات مع كل هذه القوى الوطنية انطلاقا من المبدأ الذي رسمه مؤسس الحزب – فهد – وهو – قووا تنظيم حزبكم – قووا تنظيم الحركة الوطنية – بهدف توسيع جبهة المعارضة للنظام الملكي العميل ، وكان للحزب الشيوعي نشاطات وعلاقات قوية مع الكثير من الضباط والمراتب وتمكن من تشكيل منظمة عسكرية سرية داخل الجيش وهي – اتحاد الضباط والجنود – وأصدرت صحيفة – سرية أيضا – الوطن – ساهمت بتوعية الجيش بكل المراتب بالوعي الوطني ضد النظام الملكي العميل ثم ارتبطت فيما بعد بلجنة الضباط الأحرار بقياد الزعيم الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم ، وبالنضال المتفاني لمجموع هذه القوى والأحزاب الوطنية المناضلة قامت – جبهة الإتحاد الوطني – التي مهدت لثورة – 14 – تموز – الديمقراطية التقدمية عام 1958 – فكانت ضربة قاصمة لظهر بريطانيا وأمريكا وتحررت البلاد من السيطرة الاستعمارية البريطانية .
ولم تكن بين كل هذه الأحزاب السياسية الوطنية التقدمية – أعلاه – أي قوى أو تيارات إسلامية ذات فكر أو توجهات إسلامية ، ولم يكن الزعيم قاسم ولا أي من الضباط شركاءه في الثورة إسلاميا ، وكان القاسم المشترك الذي جمع كل هذه القوى هو الشعور الوطني والحقد المقدس ضد بريطانيا والغرب الاستعماري وتحرير البلاد من الهيمنة الاستعمارية البغيضة .
وهكذا كانت كل الثورات الوطنية التحررية في العالم وفي منطقتنا العربية خصوصا بذات القوى وبذات المنطلقات الوطنية الصادقة والمعادية للاستعمار ومخططاته العدوانية ضد مصالح شعوبنا العربية ومن أجل الحرية والتحرر والديمقراطية وبفضل إشعاع ثورة أكتوبر العظمى نهضت حركة التحرر الوطني العالمية ومنذ ذالك التأريخ ما قامت ثورة وطنية تحررية في أي بلد من بلدان العالم إلا وقد حظت بالدعم والإسناد المادي والمعنوي من قوى السلم والتحرر المتمثلة بالمعسكر الاشتراكي ، حتى برزت حركة التحرر الوطني العالمية كقوة فاعلة ومؤثرة في الساحة الدولية إلى جانب الإتحاد السوفيتي – السابق – وتحققت انتصارات كبرى للشعوب بفعل تغير ميزان القوى الدولي لصالح الشعوب المستعبدة المقهورة وتحفزت الشعوب إلى النضال المتفاني والمعمد بالدم لنيل حريتها واستقلالها ،
وترسخت المباديء والقبم الأخلاقية في العلاقات الدولية منها حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها – التعايش السلمي بين الدول ذات الأنظمة الاجتماعية المختلفة – عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى – هذه المباديء السامية وغيرها قد عززت من استقلالية الدول والشعوب ، ومنعت تدخلات الدول الاستعمارية السافرة وكانت تمثل خطوط حمر تمنع الدول الغربية من انتهاك حرمة وسيادة الدول الضعيفة ، ولسنا هنا بصدد الإشادة بمواقف الإتحاد السوفيتي – السابق – لكننا بصدد إيضاح الحقائق فقط أمام من يتجاهلها من الساسة اليوم ويمكن المقارنة بين ما كان عليه العالم – ما قبل القرن العشرين – وحتى بداياته
وكيف تحول في القرن العشرين ،بفعل الحدث العاصف الذي غير ميزان القوى الدولي حتى أواخر القرن العشرين ، وما هو عليه اليوم بعودة عالم القطب الواحد والعولمة المتوحشة ، والقوى السائرة في فلكه ، من أدعياء العدالة والديمقراطية ... !! .

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العالم الليلة | محامية ترمب تهاجم الممثلة الإباحية ستوري دان


.. نشرة الرابعة | السعودية.. مركز جديد للذكاء الاصطناعي لخدمة ا




.. كل الزوايا - د. محمود مسلم رئيس لجنة الثقافة والسياحة يتحدث


.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -شقو- في العرض الخاص بالفيلم..




.. أون سيت - هل ممكن نشوف إيمي معاك في فيلم رومانسي؟ .. شوف حسن