الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من «البنا- صدقى» إلى «بديع- طنطاوى»... هل من جديد؟

هانى جرجس عياد

2012 / 2 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


منذ أيام تكرر سيناريو العلاقة العاطفية بين مختلفين فى الدين، حيث اكتشف سكان العامرية بالإسكندرية أن علاقة عاطفية (أو جنسية حسب بعض الروايات) ربطت بين شاب مسيحى وفتاة مسلمة، فانعقد على الفور مجلس عرفى من الإخوان المسلمين والسلفيين بإشراف رئيس مباحث العامرية (يقال إن المجلس العرفى انعقد وفق توجيهات السيد الرئيس حسنى مبارك، وكان رئيس المباحث ممثلا شخصيا لسيادته!!)، وقرر طرد عدد من الأسر المسيحية من العامرية وتشكيل لجنة لبيع ممتلكاتهم فى المزاد العلنى.
النائب الدكتور عماد جاد تقدم إلى الدكتور محمد سعد الكتاتنى بطلب إلقاء بيان عاجل أمام مجلس الشعب حول هذه الواقعة، لكن الكتاتنى تجاهل الطلب أكثر من مرة، ثم قيل إنه وافق على السماح بإلقاء البيان يوم الأحد.
ومحمد سعد الكتاتنى، لمن لا يتذكر، هو عضو بارز فى جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الحرية والعدالة، ونائب برلمانى مخضرم منذ أيام «سيد قراره» وبموجب صفقات أمن الدولة مع الجماعة التى اعترف بها مهدى عاكف، وأسماها عصام العريان، على سبيل التخفيف، «تفاهامات»، والكتاتنى، مثله مثل كل نواب «الجماعة» الذين أدخلهم أمن دولة مبارك إلى البرلمان، كان يصوت لصالح فتحى سرور رئيسا لمجلس «سيد قراره» ولما دارت الأيام، وجاءت الثورة، حل سعد الكتاتنى محل فتحى سرور فى رئاسة مجلس «سيد قراره» (لحين اختيار اسم جديد لمجلس الكتاتنى).
هكذا انتقلت مصر من عصر حبيب العادلى وبلطجيته إلى عهد محمد بديع وجماعته، مع فارق أن حبيب العادلى كان وزيرا للداخلية وبلطجيته كانوا ضباطا فى الوزارة، بينما لا أحد يعرف الوظيفة الرسمية للأخ محمد بديع، ولئن قال قائل إنه مرشد جماعة الإخوان المسلمين، فعليه أن يقول لنا ما هى هذه الجماعة؟ وما هى صفتها الرسمية؟ ووضعها القانونى؟ هل هى مؤسسة خدمات اجتماعية تبنى مدارس وتقيم مستشفيات؟ أم هى جمعية خيرية توزع صدقات على الفقراء والمحتاجين؟ أم هى حزب سياسى يخوض انتخابات مجلس الشعب بالتحالف مع حزب الوفد مرة وحزب العمل مرة أخرى وبصورة مستقلة فى أحيان ثالثة، ودائما تحت إشراف ورعاية أمن الدولة، ثم يمنح نوابها أصواتهم لفتحى سرور، دون أن يستطيع أحد أن يجد أى دور لنواب «الجماعة» على مدى ثلاثين سنة ضد الفساد أو الاستبداد أو التوريث، غاية ما قدمه برلمانيو الجماعة هو ملاحقة الكُتاب والكتب والأفلام السينمائية وتصريحات فاروق حسنى عن الحجاب، ومن لديه دليل واحد على مواجهة نواب «الجماعة» لفساد أحمد عز أو زكريا عزمى (دعنا الآن من فساد العائلة التى كانت مالكة) فليقدمه لنا ويذكرنا به.
ليقل لنا أحد لماذا تبقى هذه الجماعة خارجة على القانون، أو بالأحرى فوق القانون؟ وما هو النشاط الحقيقى لهذه الجماعة الخارجة عن القانون الذى يدر عليها مليارات الجنيهات؟ ثم ما هو التوصيف الصحيح للجماعات التى تخشى توفيق وضعها القانونى وتفضل العمل بعيدا عن القانون؟
منذ فترة طويلة لم نعد نسمع شيئا عن اللواء ممدوح (لا أذكر اسمه الثانى) عضو المجلس العسكرى ومستشاره القانونى، لكننى أذكر أن سيادته كان يلوح لنا دائما بالقانون وضرورة احترامه، ولا اعرف لماذا لم يطلب سيادة اللواء ممدوح من الأخ محمد بديع احترام القانون وتوفيق الوضع القانونى للجماعة؟ غاية ما وصل إليه سيادة اللواء ممدوح هو تهديد الكتاب والصحفيين واستدعاء النشطاء السياسيين للنيابة العسكرية، بينما بديع وجماعته يضربون بالقانون عرض الحائط، واللواء المستشار القانونى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة يغض الطرف عنهم. كما أن المشير طنطاوى، وزير دفاع مبارك لأكثر من عشر من سنوات، أكد أكثر من مرة أن القانون خط أحمر، وأنه سيادته ومعه كل الجنرالات فى مجلس مبارك العسكرى سيضربون بيد من حديد على كل من يخرج على القانون، بينما محمد بديع ظل خارجا هو وجماعته على القانون رغم أنف المشير ولواءاته، أو بالاتفاق معهم، فيما انصرف المشير وعساكره إلى التحريض على حرب أهلية «أنا مش عارف الشعب سايبهم ليه»؟؟ بينما المشير ذاته «ساب» فتوات الإخوان يشكلون درعا يحمى مجلس الشعب ويواجه الشباب الثائر، فيما بدا أنه إضافة «ما بعد الثورة» لبلطجية «ما قبل الثورة».
وكذلك جرت الأمور بعد 11 فبراير 2011، المشير ولواءاته، تلاميذ مدرسة مبارك للفساد والاستبداد، يرعون الانفلات الأمنى، ويحرضون على حرب أهلية، وبديع وجماعته، يبصقون على الدولة وقوانينها ويشكلون مجالس عرفية لحل المشكلات برعاية ضباط المباحث، فلا تعود المشكلة «إجهاض ثورة» بل «إسقاط دولة» برعاية «المشير والمرشد»، ولا يعود الأمر تحقيقا لنبوءة المخلوع «أنا أو الفوضى»، بل استلهاما لمقولة مهدى عاكف المرشد السابق للجماعة الخارجة على القانون «طز فى مصر».
جريمة المجلس العرفى التى ارتكبها الإخوان فى العامرية ومجزرة بورسعيد التى أشرف عليها فلول مبارك بقيادة مجلس العسكر (وقد وقعتا فى وقت واحد تقريبا) ليست ناقوس خطر، بل هى الخطر ذاته، خطر نظام جريح بدأ يستعيد توازنه ويلملم قواه، لينقض ليس على الثورة فحسب بل على الوطن بأكمله، فقد ذهب مبارك والعادلى وجاء المشير وبديع.
بيد أن هذا التحالف بين الإخوان والطغاة ليس جديدا على الطرفين، ففى زمان مضى، وتحديدا عام 1946، أرسل الملك فاروق إلى حسن البنا يستشيره فى تعيين إسماعيل صدقى رئيسا للوزراء، فما كان من مؤسس الجماعة إلا أن رحب بما أسماه حسن الاختيار، مشيدا بالطاغية الذى وصف المصريين بالرعاع (حاجة كده زى طز فى مصر)، ثم تبادل المرشد والطاغية الزيارات وباقات الورود، وتمادى «إخوان حسن البنا» فى المتاجرة بالدين فاعتبروا تكليف طاغية من طراز إسماعيل صدقى بالوزارة هو تحقيق لقول الله تعالى «واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد، وكان رسولا نبيا»، بينما كانت مصر مشتعلة بمظاهرات الطلبة والعمال التى قادتها «اللجنة الوطنية للطلبة والعمال»، وكان أن إسماعيل صدقى هو الذى يواجه الشعب بالحديد والنار ويفتح كوبرى عباس أثناء عبور مظاهرات الطلبة عليه.
الجديد النوعى هو أن الشعب الذى سار بجوار الحائط ثلاثين عاما، انتصر على ذاته وكسر حاجز الخوف مرة وإلى الأبد، وخرج إلى الشارع والميدان ولن يعود ثانية إلى «القمقم». ولئن استطاع الكتاتنى أن يحبط أى استجواب، بالعودة إلى جدول الأعمال، مثلما كان يفعل سلفه فتحى سرور، أو استطاع تأجيل طاب بيان عاجل، كما فعل مع طلب النائب د. عماد جاد، فلن يستطيع لا هو ولا جماعته وفتواتهم أن يعيدوا الشعب إلى القمقم مرة أخرى.
لا جديد فى أن الطغاة وأتباعهم لا يتعلمون، ولا جديد أن الشعب الذى أسقط الطاغية صدقى ومليكه فاروق، سوف يسقط أيضا المشير وتابعه بديع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مصر ستبقى مصر
طاهر مرزوق ( 2012 / 2 / 11 - 17:07 )
شكراً للأستاذ هانى عياد على مقالته التى تكشف مدى قباحة الفكر المصرى المعاصر، ذلك الفكر الذى صمت أمام فكر طز فى مصر، لأنه فكر سمح به الشعب قبل النظام السياسى فى الأنتشار فى المجتمع المصرى ، مما أدى إلى تغلغل نفوذ فكر طز فى مصر فى دور العبادة والمؤسسات المدنية والتعليمية وغيرها.
لذلك نرى مدى تأثير ذلك الفكر الدينى الذى سمح له الجميع بأن يسيطر على عقولهم وتصرفاتهم لنصل فى النهاية إلى مجلس شعب دينى وسيعمل فى المستقبل من أجل الدين والبشر ستكون للأسف فى خبر كان.
هل سيستيقظ الشعب المصرى من غفوته قبل وقوع الكارثة ؟ فى أنتظار تحقيق ذلك
شكراً مرة أخرى على تلك الكلمات المعبرة عن المجتمع المصرى المريض.

اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ