الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صحراء مثل الجنة

حسين سليمان- هيوستن

2005 / 1 / 9
الادب والفن


يضع كأس الماء على طاولته البنية. لقد حملها كل المسافة المقطوعة. لا يعرف كيف وصل إلى هذا المكان. على كل حال وكأنه في واحة. والشمس حين يرفع كأس الماء تتوهج. تسقط قطرات تلمس حافة الزجاج، ومن فمه فيمسحها بطرف ردنه. ثم ينظر نحو الأفق فيبدو له السراب. يضع فكرة في رأسه ويدّور حلمه حولها. مثل أصابعه التي دورها قبل قليل. ثم يمسك زجاج الماء كي يشرب. مع العلم والشمس أو السماء في الظهيرة لا تظهر نصف النجوم. انشراح مفتوح لأنه وحده قاعد على الكرسي لا يعرف متى تنتهي القعدة. لو كان لديه سجائر يدخنها؟! وإبريق شاي وبزر وخلطة من الزاد! ثم ينزل نظراته إلى خيال الطاولة الذي جعل الأخيلة تتداخل في رأسه فلم يعد يعرف حدود العناصر.
يأتي الليل. ليل الطابق الرابع*.
ثم يتسرب إلى الأرض كي يمتزج مع خيال الطاولة.
وكانت تستحم مثل سمكة*. خيالها يستحم في نصف الصحراء. في كأس الماء الذي لا يريد أن يشربه كله.
ذلك لأنه يريد أن يقبض على شيء.
ينظر إلى نحو خطوات منه فيرى أرنبا بريا. يقفز. مع الأرنب. تكون المسافة بينهما تطول وتقصر بنسب تعتمد على خطواته غير المنتظمة. فهو يركض بساق ونصف. أي أنه أعرج في الركض. حين يركض وراء الأرنب تصير ساقاه الكاملتان ساقاً ونصفا فيعرج خلف الأرنب. لهذا لا يمسكه لكن يبتعد معه في حقل بري في طريق نحو المدينة.
هناك تلة أنحفر فيها طرقة مدكوكة فيصعد عليها. حتى يرى من المرتفع بناية الكرتون*. يشير بيده إلى شقة الطابق الرابع: هذاك البلكون وفيه الفتاة التي كان يلوح لها حبيبها كي تنزل يوم البارحة*.
يستريح على المرتفع من التعب. لقد لهث وراء الأرنب حتى أصابه إعياء. مد لسانه تحت وهج الشمس. لو أنه يعود إلى قعدته عند الطاولة لكان تناول كأس ماء ومسح شاربيه بعد الشرب لن يشرب الكأس كلها. يبقى فضلة فيها. يضعها على الطاولة فيسمع رنين الفراغ فوق الخشب وكانت هناك رطوبة أسفل قاع الكأس جعلته يشعر بطمأنينة. يرى الفتاة تظهر في البلكون. ليس كل الفتاة بل خيال صغير منها. يرى ردن ساعدها ثم خصلة من شعرها. تمر ريح قوية فتميل خصلة شعرها نحو الخارج. ثم تمد يدها كي تعيد خصلة الشعر إلى مكانها. وهو ينظر ويزم عينيه. هي نفسها. لقد أخذها من يدها منذ زمان بعيد. تنزل عليه في الظلمة.
يمسح براحة يده ندى الماء الذي يخلفه الكأس لم يشربه كله يظل في القاع قطرات. يشرب خشب الطاولة قليلا أيضا. كل عنصر يتفاعل مع الآخر- يتحد قليلا. فيلوح بيده لعلها تراه من هذه المسافة على بعد غير معروف في الدنيا- ليس هناك بعد على ما يظن. فكل شيء مربوط من دون بعد. وهي فكرة غير ضرورية.
لذلك يحب أن يتفسح ويمد جانب الصحراء على قعدته في الظهيرة ويفتح صنبوره للمياه حتى يسكبها في قاع الكأس الفارغ ثم يمسح شاربيه باطمئنان.
كيف يمكن تفسير الصحراء؟!
لم يفكر مثل ذلك قط كما يفكر اليوم.
يرى الأرنب البري يقف عند مدخل بناية الكرتون. ويرفع رأسه نحو شرفة الطابق الرابع. لكن الفتاة لا تأبه به لأنها لا تنظر نحو الساحة فهي مشغولة بأمر آخر.
***
انتهت

بداية الخلق:
المرأة التي كان ينظر إليها في المرآة. كان قاعدا عند الطاولة. وحيدا وأفكاره لا تدع وحدته ساكنة. هناك يسمع ضجيجا. في أذنيه على الأقل. صوت الضجيج الداخلي. المرأة تنظر إليه صامتة. يظن بأنها صامتة. فهي لا تحسن إرسال الكلام إليه. حتى إن حركت شفتيها أو صرخت فلن يسمعها.
ينظر في المرآة كي يرى عينيه. فيرى عينين تراقبانه فيجفل ولايأتي بحراك. لعل رجل آخر يسكن بجانبه إذن! لا يريد أن يلتفت نحوه سيقول بأنه مشغول بأفكاره وبعالمه الذي لا ينتهي. لا يوجد في الحقيقة وقت لكل شيء. فيجعل ساعده تستريح على سطح الطاولة بكسل وضجر. تخبو أفكاره. لقد راحت تبحث عن الرجل الآخر.
تململ من هذا الخلق المفاجئ. لو أنه يعلم بالمضامين لما نظر في المرآة. لعنة لعنة. يجعل يده تكسل فوق سطح الطاولة على هيئة مرض.
الكسل والمرض كانا لفترة قصيرة تعود بعدها قوة روحه وتبدأ تعمل فيه. فيرفع الهمة نحو كأس فيها بضع قطرات من الماء. فهو لن يعطي منها لمسة ندى إلى الرجل الساكن معه. لن يشف رائحة الماء.
تصيبه خشية أن ينظر مرة أخرى إلى المرآة فهل هو مجنونا! يرفع رأسه نحو الأفق. لا يوجد سوى امتداد لسراب يتحرك ويعوم مثل نهر. وفجأة يرى رجلا آخر، يظهر في السراب، يسبح فيه. لقد ظهر فيه هيئة لا يعرف من أين أتت.
فينخلق الخوف فيه. هذا الآن صار معه اثنان. امرأة واحد إلى جانبه في المرآة، ورجل يقترب على ظهر السراب. أما المرأة في المرايا فهي تقعد في الساحة الخلفية، خلف إطار خشب عليه كأس ماء أسفل قاعه قليل من الندى سوف يمسحه بردن قميصه وكل شيء يبعث على الاطمئنان.
يلزم للرجل القادم على ظهر السراب جملا كي يركبه يطوي مسافة في الظهيرة يتحمل عبء السفر والعطش وقوة الشمس تميل حتى يصبح النهار على سفر يوم آخر. الآن هناك جمل يقترب وعليه رجل يحمل بضع حبات تمر يخب بموسيقى وصوت صحراء يستطيع أن يشعر بها ويراهن عليها في رجفان سطح مياه الكأس دوائر دوائر على وقع الخطى حتى يتكون ما هو أعظم.
كأنه بحر.
يتخوف من مياه البحر التي ستأتي وتغمر الصحراء وتغمره مع الطاولة والكرسي. في قاع المحيط. بحر. وهو لا يعود يشرب من الكأس. سيكون العالم ساكنا في الأسفل وسيكون السطح مرتفعا وعاليا ولا ينفع التلويح ولا فكرة الظلام. سكون. يقول بأن المرايا قد حجبت عنه فكرة السطح فلا ينفع التلويح لها. فهي لن تسمعه وهو بالتالي لا يستطيع من هذه المسافة المقطوعة أن يسمعها.
الفاصل العالمي هو الماء. فهي لن تظهر له مرة أخرى وهو لن يقودها من يدها.
آه أيتها المرايا يا حبيبتي
يا أمي العذراء المفقودة.
يا أيها السراب يا أنا الضائع.
---- ------- ------ ------
*: إشارة إلى نصوص (الماضي المستقبل ومعنى الظلام وزاوية الزمان) نشرت في صحف أخرى
8 كانون الثاني 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض