الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بناء الشخصية العربية وثورات الربيع العربي

ياسمين الطريحي

2012 / 2 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


ان الانظمة العربية بمجمعها قمعية ومستبدة. صفاتها الغالبة العبودية ، والاستغلال . وهاتين الصفتين مصدران يتعايش الانسان معهما باسلوب واحد وهو االسلبية والنفاق. ان الاسلوب القمعى ، ياتى بصورة ممنهجة ، بداية من العلاقة بين الرجل والمرأة ، وبين الاباء و ابنائهما و بين الاستاذ والتلميذ ,ومن ثم ، مابين الموظف والرئيس , وأخرها مابين الحاكم والشعب. ان أدوات القمع متعددة ومتوارثة . أغلبها مغلف اما بالدين ، او بالعادات القبلية ، او بالتقاليد الموروثة . ويرجع السبب فى ذلك الى أن البنية الأساسية للانسان العربى هى بنية متناقضة ومتنافرة وغير متوازنة على الأطلاق
أن اساس بنية الشخصية العربية ، هش ووهن ، يصل به الى ان يصبح انسانا مهزوزا. النفاق هو وسيلته للتعايش والتوارى من القمع والاستبداد . تعود اسباب ذلك الى ان العلاقات الانسانية وخاصة مابين المرأة والرجل غير متوازنة فى الحقوق والواجبات. أن عدم التوازن هذا يأتى بسبب التناقض الصريح والواضح بين بند المساواة فى المواطنة بين الرجل والمرأة المدون فى الدساتير العربية كلها ، وبين تحكم الدين وتفاسيره المتعددة فيما يخص هذه العلاقة. بالأضافة الى ذلك ،ُمنحت العادات والتقاليد مساحة كبيرة للتحكم بالعلاقات الأجتماعية مستندة اما الى اساس دينى او اخلاقى او قبلى . ان التمييز الذى تعانى منه النساء العربيات هو نوع من الابادة المعنوية والعقلية والادبية والاخلاقية لنصف المجتمع العربى وهن النساء . الامر الذى خلق علاقة انسانية مشوهة داخل الأسرة الواحدة ، مابين الرجل والمرأة ,انتقلت بالتبعية الى الفضاء العام.

على صعيد اخر فان الدستور يقر بالمساواة بين النساء و الرجال فى الحقوق والواجبات وانه ليس هناك فرق بينهما على أساس الجنس اوالدين اواللون هذا من جهة ، لكن وفى الناحية الاخرى تسمح العادات والتقاليد والدين بفرض طاعة المرأة للرجل . هنا جوهر الخلل الكارثى . كيف يشرع الدستور ان المواطنين متساوون فى الحقوق والواجبات ، بينما يعطى للدين والعادات والتقاليد اليد العليا فى فرض طاعة المراة للرجل, ويعطى للرجل الحق فى التصرف بأسرته كما يشاء . كحق الطلاق ، وحق الزواج لعدة زيجات ، وحق الحركة ، تلك ما هى الا أشارة لاعطاء صك التفوق الذكورى على المرأة . أين حق المراة فى هذا الأطار المتناقض . وكيف تستطيع هذه المرأة المغلولة - والتى يراها القانون الالهى والعادات والتقاليد انها مجرد شئ وان المساواة فى المواطنة المذكورة فى الدستور هى حبر على ورق - فى ان تتمكن من صنع جيلا متوازنا فى شخصيته وبناءه.

بالاضافة الى ذلك نجد ان النساء الواعيات والمدركات لأدميتهن، يحاولن بناء علاقة متوازنه مع الرجل ، الذى اما ان يكون ابا ، اوأخا ، او زوجا او حبيبا ، وبعدها حاكما. هنا يحدث الصدام بين الشعور العميق بأدميتهن وبين الموروث التقليدى المتزمت ، بما يسمى بالثقافة الذكورية . خلال هذا الصدام تحدث فترات تمرد من جانب المرأة ضد الزوج أو ضد الوالد الذى يتحكم فى حياة الأبنة أو ضد الأخ المسيطر ، اوضد الحاكم الذى يبنى حكمه على قمع وقهر واستغلال شعبه. ان انعكاسات هذا الخلل يظهر من خلال التعاليم الاولى التى يتلقاها الطفل منذ نشأته الأولى الى حين نضوجه . هنا تبدأ مضاهر الشخصية العربية المتميزة بالخوف والرعب والشك والضعف والنفاق والجبن والاستبداد.

لذلك لو اردنا للثورات العربية ان تنجح وتستمر ، يجب بناء هذه الشخصية من جديد. ولايمكن ان يتم ذلك الا من خلال وضع نظام ديمقراطى صحيح. ودستور متوازن واضح يكفل المساواة فى المواطنة فى العام والخاص. ولايترك للدين والعادات والتقاليد الاستئثار بهذه العلاقة وتسيرها ,لو اردنا للثورات ان تنجح فلابد من وضع أحكام تتماشى مع هذه الثورات الشبابية التى تنادى بالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. واذا اردنا ان ننشأ جيلا متوازنا من ناحية العلاقة الأنسانية بين الرجل والمرأة ، اذن الواجب هو أن تدرس مادة المساواة فى المواطنة فى العام والخاص فى المناهج التعليمية على كل المراحل. وأن يترك للفرد الافكار الحرة المستنيرة ليرى من خلالها ذاته وشخصيته. ان الثورة يجب ان لا تقف عند حدود اسقاط الحاكم ، بل اسقاط جوهر هذا النظام وذلك من خلال التركيز على تقوية النظام الديمقراطى من خلال نوعية مناهج التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي والعالى. فالديمقراطية تتعزز وتقوى حينما يشعر المواطن انه حر فى معتقداته واختياراته ,وانه متسق مع ذاته فى المجالين العام والخاص ، جراء هذا الشعور سوف تختفى الثقافة الذكورية البالية تدريجيا ، ويختفى معها كل انواع التمييز ليس فقط ضد المرأة فحسب وانما كل ماله صلة بالعبودية والقمع والتهميش والخوف.

هنا يجب ان يتحول دور المرأة الى دور ايجابى ، ان تنهض ، نهضة وعى ، لا ثأر ، أو لوم الآخر . أن ثوراتنا العربية جاءت ،والتى كنا بانتظارها منذ عقدين او اكثر قد جاءت اخيرا، والفضل فى ذلك لهذا الجيل الجديد الواعى ، علينا الان ان نعمل لبناء علاقة سليمة وصحية. هذا العمل لايتم عن طريق الصراع على المركز وعلى الكرسى ، والانشغال فى الادارة ، والمحاسبة ، والتنافس ، والميزانية ، بل بحركة شعبية تضم النساء و الرجال تعمل ليل ونهار من اجل تصحيح المسار، ورفع الوعى ، والديمقراطية لن تتعزز الا بتصحيح هذا الميزان وهو المساواة فى المواطنة.

لذلك علينا ان نسال السؤال الملح والهام وهو كيف نبنى دولة بثورة ، ولا نقوم ببناء الانسان عقلا وجسدا ووعيا. ان بناء المواطن هو الاهم فى كل مراحل الثورة. هذا المواطن يجب ان يشعر قبل ان يرى أن هناك قانون واحد يحكم الجميع ولا يفرق بين رجل وأمرأة ، قانون منصف متكامل لا أن يترك للدين او العادات والتقاليد المغلفة بغلاف الدين ان تتحكم فى صيرورة وتطور المجتمع ، المرأة نصف هذا المجتمع . لو لم نعطى لهذا النصف حقه فى المواطنة ، فأن الثورة لن تكتمل.

أن بناء الشخصية لايأتى من فراغ ، ولامن شعارات دينية اوطائفية اوفئوية، وانما بالعمل الجاد الدؤوب ، ووضع قوانين تساوى بين الذكر والانثى ، وهكذا بنت الشعوب الحديثة اجيالها التى لا تخاف ، لكنها تحترم القانون ولا ترضخ لاحد سوى القانون. علينا ان لانخاف بل نعمل لتصحيح الاوضاع الشاذة والسائدة منذ قرون . ولن يحدث هذا بين ليلة وضحاها . حتى لو انحرفت الثورات عن مسارها الصحيح ، لا نيأس ، الثورة مهمه صعبة وتقويمها فى الأتجاه الصحيح أصعب ، التغيير مهم ايا كانت نتائجه ، علينا واجب انسانى واخلاقى فى خلق جيل واعى وصحى عقليا و فكريا وجسديا.. واساس هذا ان تكون ثورة فى التعليم ومناهجه ونهجه ، والتسلح فى الوعى ، وادراك ماذا تعنى المساواة الفعلية فى المواطنة والسعى من أجل تحقيقها. العمل على تغيير مناهج التعليم التى تمتد لعقود ومازالت تتمسك بالعقلية الذكورية على جميع المستويات ، الأسرة ، المدرسة ، الدين ، والحاكم. أن الأوان ان نعلم اجيالنا القادمة انه ليس هناك فرق بين الذكر والأنثى الا فى الحقوق والواجبات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
تمام القاضي ( 2012 / 3 / 5 - 07:48 )
كلام جميل.. وثوري...

اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية تفرق محتجين اعتصموا في جامعة السوربون بباريس


.. صفقة التطبيع بين إسرائيل والسعودية على الطاولة من جديد




.. غزة: أي فرص لنجاح الهدنة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. دعوة لحماس من أجل قبول العرض الإسرائيلي -السخي جدا- وإطلاق س




.. المسؤولون الإسرائيليون في مرمى الجنائية الدولية