الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكارٌ بلون ٍ أحمر

حنين عمر

2012 / 2 / 14
الادب والفن


أفكارٌ بلون ٍ أحمر
لـ:حنين عمر
وقفت أمام واجهة محل الثياب أتأمل الفستان الأحمر المعروض الذي لم يكن موديله يعجبني كثيرا، إنما ما شدني للوقوف طويلا أمامه هو لونه الفلسفي العميق الذي جعلني فجأة استرجع بعضا من تاريخ هذا اللون سريعا في رأسي.
إذ يعد اللون الأحمر رمزا للكثير من التناقضات اللا منطقية حولنا، ويحق لي أن أعتبر حادثة اقتناء حذائي الشانيل الأحمر إحداها- خاصة أنه ليس من ألواني المفضلة ولم يسبق أن تعلقت بحذاء بهذا اللون الصارخ من قبل، بيد أن شيئا ما بداخلي جعلني أشعر أنه من الضروري أن اعتلي كعبا شاهقا بهذا اللون تحديا للطريق الطويل الذي يفصل الماضي عن المستقبل، لأن الأحمر لون يدخل غصبا عنا جميعا في ماهيتنا الوجودية ويحدد الكثير فيها: فهو مثلا لون الدم ...لون ذلك السائل الأحمر الذي يحمل سر الحياة ويسري في أجسادنا مشبعا بكل ذاكرتنا الخلوية، والذي مازال إلى حد الآن يحتفظ بالكثير من الخبايا الطبية ويرفض أن يكشف لنا كل حقائقه التي هي حقائقنا بصفة مطلقة.
لكن وإن كان تذكري للدم كمثال أول بديهيا جدا بالنسبة لطبيبة فإنني أراهن أن بقية الناس ممن لا ينتمون لعالم المآزر البيضاء لابد أن يتذكروا بشكل أولي ارتباطه بشيء آخر هو الحب : فقد ارتبط الأحمر منذ القدم بالرغبة والعشق والغرام، إن كل القلوب التي يرسمها العشاق لبعضهم بالضرورة حمراء، وإن كل الورود التي يهديها المحب لحبيبته بالضرورة حمراء، وهو دليل لا واع على أقصى حالات التعلق والصدق والوفاء والتضحية. وتعبير عن امتزاج هذه العاطفة بالدم، ولعله من الغريب فعلا أن يكون رمز العلاقة الشعورية الأسمى مرتبطا بشكل أو بآخر بمكون من المكونات المادية لكنه أيضا تلميح طبيعي لتوحد الذات الروحية مع الذات الجسدية. وربما يكون فستان العروسة الهندية الأحمر رمزا للتوحد أيضا، التوحد بين ذاتين برابط مقدس هو رابط الزوجية، خاصة أن الأحمر لون مقدس في الهند يدخل في صميم الحياة والطقوس اليومية. وهم ليسوا مخطئين تماما في هذا الاستعمال المبالغ فيه لأن علم النفس الحديث أثبت ن اللون الأحمر محفز ممتاز للكثير من وظائف الجسم ويساعد بشكل كبير في منح حالة من النشاط والتفاؤل والمرح والثقة بالنفس وتقبل الواقع.
غير أنه بعيدا عن هذا الواقع، يحضرني عنوان رواية :" الأحمر والأسود"- خاصة أن أزرار الفستان كانت سوداء- وهي قصة شهيرة جدا للكاتب الفرنسي "ماري هنري بيلي"، المعروف باسم "ستاندال" ككنية كنى بها نفسه نسبة لناقد ألماني كان الكاتب معجبا بكتاباته. ورغم كون هذه القصة لم تلقى رواجا كبيرا أثناء حياة كاتبها مثلها مثل جل أعماله الأخرى، إلا أنها بعد وفاته أصبحت إحدى أهم روايات الأدب الفرنسي، ومازلت أذكر إلى الآن مكانها في مكتبة والدي المدججة بكل كلاسيكيات الأدب الفرنسي بلغته الأم.
والحقيقة أنني إلى غاية سن متأخرة، لم تستهوني رواية ستاندال هذه، ولم أرغب بقراءتها مع أنني التهمت كل ما استطعت الوصول إليه من كتب فوقها وتحتها وحولها. ليس فقط لأنني لم استظرف شخصية بطلها "جوليان"، إنما ربما لأنني منذ طفولتي أعيش بمزاجية شديدة تجاه بعض الكتاب الذين يعتبرهم الآخرون من العظماء. وطفولتي هذه، لم تكن مزاجية فقط ...وتميل إلى اكتساب آرائها بنفسها، إنما أيضا تميزت بشغفي الشديد بفاكهة الكرز التي لها لون أحمر أيضا...وهو تماما لون الفستان الذي كان أمامي لحظتها.
وضعت صديقتي يدها على كتفي وسألتني مستغربة: حنين ... هل أعجبك الفستان ؟، التفت إليها وقلت:" لم يعجبني طبعا... إنما فقط أفكر في كتابة شيء يشبه هذا اللون ويكون ثقيل دم مثل هذا الموديل، وذلك لأسباب أعرفها أنا وحدي، ويعرفها قلب أحمر مازلت لا أعرف من رسمه في أجندتي هذا الشهر؟"/ طبعا ...لم تفهم صديقتي ما قلته كالعادة - ولن يفهم أحد-، فتنهدت وقلت لها بابتسامة خبيثة: تعالي نشتري بعض الشوكولا بمناسبة الحديث عن الأحمر !!!
حنين //








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??