الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سأموت فيما بعد

أمل جمعة
(Amal Juma)

2012 / 2 / 15
الادب والفن


أحلم - وكثيراً جداً - ربما بحصةِ خمسة نيام أو عشرة كل ليلة، بل أكاد أحلم وأنا مستيقظة فوق مكتبي أو في سريري- وتلك أحلامي الأروع - كثيراً ما أحلم ولا أتوقف عن حلمي مثل طفلة صغيرة.
في الحلم تكون السماء طوع يدي (أمنح كنترول تحكّم كوني (في لحظات نادرة جداً من أحلامي) جهاز صغير ولكنه عملاق في قدراته العجيبة الغريبة،يشبه لعبة الأتاري الصغيرة بقوّى نافذة قادرة ومسيطرة وتملكُ الطاقة على التغيير الفوري.
جميل جداً اللّعب بكنترول التحكم الكوني،في لحظات تتحول الصخور لفراشات أو أي شيء آخر،تتحول العجائز لصبايا في السادسة عشرة دون أن تأخذ منهن مال الدنيا ،وتحول الرجال لكائنات لطيفة تشبه الدلافين المرحة في الماء ،أولئك العنيفون فقط.
أحلمُ بأطفال سعداء،لا يهمني ذكائهم أو قدراتهم ،بل تلك السعادة الصغيرة وهم يرتدون ملابس دافئة بالشتاء ولديهم دوماً أحضان حارّة وقصص قبل النوم ،ليس بالضرورة قبلات كثيرة فقط أن يحسنوا التعبير عن أنفسهم ويقولون بقوة : وأنت من أهل الخير يا ماما أو بابا أو أختي أو أي أحد ،أحبك" وينامون قبل أن ترد لهم التحية.
أحلمُ بثورة هائلة تصححُ كل الأخطاء مرة واحد- وبلا أدنى خطأ- لا جبناء يحصدون الثمار ولا مجانين يخربون الحكاية، حتّى الشجعان لا يموتون، يخوضون حربّهم ثم يمضون لزراعة أرضهم بهدوء أو شرب كأسٍ من الشاي من باب التسلية.
لقد مُنحت واحدة من أجود أحلامي على الإطلاق أستشعره لغاية للآن :"السماء بها غيوم ملونة تتحرك بسرعة هائلة وكبيرة ،تريني كل ما أريد ،لوحات فنية متقنة الصنع ودقيقة لدرجة الخيال،السماء ترسم ما بذهني باقتدار شديد -ربما كنت أرى جنتي ولست أدري وتهديني فرساً طائرة وسحرية إذا ضربت بحافرها الأرض خرجت ناراً عظيمة،وإذا طارت بي لونّت الجبال والوهاد وسكبت الماء في الوديان ،وربتت على البراكين فتمايلت وانسكبت جداول " رأيت الحلم لسنوات طويلة بلا توقف،كانت منحة رائعة لا أدري لأي سبب اختفت .
لكنني لا زلت أحلم وأرتجل أزماناً غريبة وثورات رائعة لا ينتصر بها أحد ولا يموت بها أحد ولكنها تغني في نهاية الحلم بصوت واحد.
أبتكر موسيقى غريبة وأعيش مع شخصيات تكبر وتنمو كل يوم في رأسي، تأكل معي وتشرب وتحلم معي أيضاً، لا تموت كائناتي الغريبة، وتفعل كل ما يفعله البشر سوى ذلك.
أعود لبيتي كل مساء مثقلة أخلع عني نهاري بالكثير من التعب، وكلما نفضت رأسي ضج بأصوات غريبة - لا زالت في مرمى دهشتي ولا زلت متعلقة بها وأحبها قبل أن تتحول لمقيمة كريهة في رأسي لا أحسن منها الفكاك ، تتبدل الوجوه والصور مثل شاشة سينما لا تتوقف ولكنها ستشاركني ثورتي بالتأكيد .
كأنه حلم وربما هو كابوس، يسيطرُ عليّ سيناريو مجنون أكل الليلة وقضم نهار إجازتي،يمتلك صوتاً هادراً في الموسيقى التصويرية المرافقة تشوش شخوص الحكاية وتجبرهم على التحرك بفوضى، أو الردّ بالصراخ في الحوار ،الموسيقى تعلو أكثر من اللازم وأنا أصرخ :" لسنا في عرض أوبرا يا جماعة ،نحن في فيلم سينمائي تسجيلي، الموت هنا موت والحياة حياة" الكل يركض باتجاهات عشوائية وأسمع صوتاً غاضباً يشتمني ويقول لي :"يا بنت هذا الفيلم جريء أكثر من اللازم ،ويركض ليقص لساني بمقص كبير،لا رقابة هنا نحن في حلم،أصرخ .
هاهاهاهاها كبيرة جداً وهائلة تكون ضحكتهم :"لا رقابة هنا نحن في حلم " تكرر الأصوات بلا توقف.
لست ممثلة في الحكاية،ولست راوية،ولكنني أشاهد وأعدل مثل متفرج لا يعجبه شيء تلك الميزة ،ولست أعدل وحدي كما يبدو وإلا لما وجدت رأسي يتدحرج بعيداً عني وأنا أقف أصرخ بوجه عبوس يخنقُ طفلةً صغيرةً ،ولما وجدت شعري وقد صار طويلاً جداً كما ترغبُ أمي وحولي خمسة أطفال وزوج طويل نائم ،ولما وجدت أم سعد الداية من تقوم بإدارة مستشفى الولادة بدلاً عن الطبيب المتأنق وتقوم بتبديل جنس المواليد حسب مزاجها ،قبل أن تعود لي القدرة على التعديل كمتفرجة ) كانت الطفلة قد كبرت كثيراً في تعديل آخر لمتفرج آخر) وعندما هَمّمت بإنقاذها قالت:أعيديني جنيناً سأولد فيما بعد فيما بعد،لكنني لا أجد كنترول التحكم الكوني في يدي هذه المرة .
أحلم بنهاية جميلة وعندما أقول نهاية ،فأنا أتقصد أن تكون حكايتنا المؤلمة قد طويت بين دفتي كتاب ،أو كفيلم سينمائي يختطفنا حتى آخر شهقة ،نضحك ،نبكي ونحبّ شخوص حكايته ونحزن كثيراً لأن الرواية لم تنصف الجميع ،وقد تساقط منذ بدايتها وحتى النهاية ألف روح ومئات الضحايا ،ولكن أحلم فما يحدث هنا هو مجرد فيلم يشبه الواقع ،مرآة تتهشم في النهايات. وسنغيّرها في حلم آخر، ونعيد القتلى ونحن نشاهد النسخة الأخيرة الصالحة للعرض، لكن لا نسخة تصلح للعرض حتى الآن وكدنا نموت جميعاً. ولكننا نحلم نحلم نحلم ..
ربّاه، لماذا لا تتوقف الأحلام أريد أن أصحو قليلا لأشرب بعض الماء وأرتاح، وسأموت فيما بعد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا