الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلم ما

كريمة بوزيدي

2012 / 2 / 15
الادب والفن


كي أحلمُ، لا يلزمني ليل كهذا...
و قليلٌ من سماء لزيارتي،
سيكفي لأرى الوقت خفيفا،
وأليفا،
وأنام....
م/ درويش

أختار يوما غائما لأمرّ بغبش الذاكرة.. علّك تكون هناك معلّقا على أسوارها ..
أو ربما ُتنشر مع تلك الرياح التي خرجت لتوّها تطارد الغيوم بعنف دون مبالاة... او قد تطلّ مع إشراقة شمس الشتاء الخافتة التي تظهر خجولة مترددة لكن سرعان ما تتوارى دون إعتذار وكأنها على عجلة من أمرها...
كيف لي أن لا انتبه أنك تسكنني بعنف رغم قصر المدة و بعد المسافة...؟؟
و كيف لي أن لا ألْحظ أنّ صوتك الذي يأتيني من الساحل الآزردي كان يتسلل إلي شراييني ليشعلها لهفة و عشقا دون إستئذان او مساءلة....؟؟ و كيف لي ان أنقاد الى سلاسل حبك و انا الثائرة على كل النواميس و الظوابط....؟؟
التقينا صدفة ذات صيف... و ها نحن نفترق سهوا ذات شتاء..
لم نتمهل لنعش معا كل الفصول و نجعل من عشقنا معزوفة رائعة تضاهي معزوفة فيفلدي "في فصوله الاربعة " .. و كأن لهيب عشقنا قد انطفأ بعامل البرد القارس او تكلس بفعل كثرة الثلوج المتهاطلة هنا و هناك..
ستة أشهر كان عمر حبنا..
ستة أشهر فقط...
هل كانت كافية لقول كل شئ ..و أن تنتحر كل الحروف و الكلمات قبل ان ننطق بها..؟؟ ستة أشهر.. هل كان من الممكن أن نعش فيها كل الجنون و كل العشق الذي فينا ..؟؟
ستة أشهر... هل كانت محددة لإختيار زمان و مكان قتل حبنا و تركه في العراء والرّحيل بعيدا بعيدا دون شفقة ..
انتهى كل شئ لم أعد أحتمل على وقع تلك الكلمات أقفلت هاتفك و رحت في صمتك القاتل...أما أنا فلم أصدق ما أسمع أعاود الإتصال بك مرات و مرات لكن دنما جواب..هكذا إذن تقفل هاتفك في وجهي و لا تبالي...
فوضى عارمة تسكنني ... أتخيل حياتي بعدك و دونك.. يبعثرني الحزن و يأكلني الألم... فحياتي قبل دخولك إليها لم أعد أذكرها و لا أريدها لأنها كانت موت تدريجي في شكل حياة...
حسنا أقول في نفسي يجب ان أحترم قراره و يجب ان أتماسك قليلا ..فالحياة ستستمر به أو بدونه ... أحاول ان ألهي نفسي بالقيام بأشياء تافهة هنا و هناك... لكن وجهك يطاردني كظلي.. أمد يدي لأمسك به فتخطئ خطواتي مداك فأغرق في أمواج حزني الهائجة..
أحاول لملمة نفسي التي سقطت شاردة مني حين هممت بتقبيلك ذات صباح هادئٍ لكن ظلك الفار مني أبدا راح يكنّس آخر أشلائي كانت متناثرة على قديميك..
أذكر اننا كنا معا منذ زمن ليس بالبعيد..قلت لي كلاما كثيرا لا أذكره.. و لم تبقى في ذاكرتي سوى صورة حلم لم يرى النور معك لهول بساطته و جماله..
نعم كنا معا و لم أنتبه الى ما قلت.. فقط ظل صدى صوتك أقصر من الحلم و أجمل من الحياة و أبعد من الافق..
كل شئ يوحي بالتلاشي من حولي... كل شئ يؤذن بالإضمحلال و الزوال إلا ذكراك التي ظلّت تطوف بي رغما عني...
نعم لا أذكر ما كنت تقوله لي لكن طعم رضابك مازال في فمي.. كنت كل صباح لا يحلو لك إيقاضي الا بقبلاتك الشهية التي لا أشبع منها أبدا.. نعم لا أذكر كلماتك لكن ملمس أناملك التي كانت تمر ببطئ ببطئ على كامل جسمي لتصيّره صلصالا رخوا تشكله كما يحلو لك لا تزال تعصف بي .. و أما ضحكاتك فلا زالت رنينيها في اذني تمنحني سر الحياة ... و لا زال صوتك يمنحني إحساسا بالحلم والسفر معك و إليك في عوالم مجهولة مجنونة..
هل كان كل ذلك حلم اذن...؟؟؟؟
لا أدري...
كما يعود المجرم الى مكان جريمته أعود الى ذاكرة الاحداث القريبة مني .
أمحوها... أبعثرها.. أفصلها...أعاود ترتيبها كأنها قطع متناثرة من الشطرنج و أستنطقها علّيَ أميّز حدود الواقع من الخيال معك...
ها هنااحتسينا قهوتنا معا .........و هناك مشينا في أزقة المدينة العتيقة الضيقة لرودسهايم ... و هناك في مدينة ماينز حيث ينساب نهر الرّاين كانت طيور النورس تطير مرة و تحط مرات على سطح الماء مكونة أسرابا و مجموعات في اتجاهات شتى كأنها رسام يرقص برشته يمنة و يسرة راسما لوحة سوريالية مبهمة..... وهناك على شاطئ النهر قلت لك" احس بالبرد......." اقتربت مني و طوقتني بذراعيك وقلت لي" انا سادفئك يا صغيرتي..." ضممتني إليك ببطء و حنان... أحسست بجسدك ينهار علي و انت تدس وجهك في شعري....عندها شعرت بحرارة مفاجاة تسري في .... خجلت.. إرتبكت... اضطربت كمراهقة... و حتى أخرج من كل هذا و دون أن تدرك ما إعتراني قلت لك...
" هيا نبحث عن مقهى لنشرب بعض الشاي حتى نتدفئ قليلا...." أخذتني من يدي كطفلة تخاف ضياعها منك و عبرنا الشارع نطارد الغيوم في سمائها غير عابئيين بالاتي..... فرحين بالمجهول..... كنا كأطفال يستقبلون يوم العيد ببراءة وانطلاق و جنون....
اما هناك في مطار فراكفورت فكان اخر عهدي بك ... كنت تسرع مخافة ان تغادر دونك الطائرة كما فعلت وقت قدومك.... و هناك ذهب كل منا في اتجاه بعد قبلات محمومة و أمل لقاء جديد على أرض جديدة.... وهناك ايضا تلاشى ظلك بين المسافرين الى حيث لا أدري اما أنا فاخذت سيارتي و انطلقت تحت جنح الظلام في اتجاه مونيخ....
فجأة كان حضورك و فجاة أيضا كان رحيلك.... فهل حضرت فعلا الي...؟؟ هل كنا فعلا معا؟؟؟
حلمت اننا كنا معا في نزل ما لا أذكر إسمه ....كنا سوية...كنا نقبل بعضنا برغبة جامحة....و أنا معك كانت تتنازعني التناقضات و تعصف بي الوساوس هنا و هناك... كنت ملئية بالرغبة و الرهبة... رغبتي الجامحة ان أبقى معك و تكون لي وحدي و رهبتي ان أكون لك مجرد مغامرة عابرة ورقم يضاف الى أرقام رصيدك في دنيا العلاقات...
أريد الإبتعاد فأقترب منك اكثر.... يتصارع بداخلي خجل و حب التحررو الانطلاق ....أشعر باللذة و الالم يعصفاني بي في آن... أحبك اكثر حين أهمّ أن أحقد عليك وأكرهك ....أما أنت هل كنت تعرف ما أنت فاعل بي ...؟؟ أقبلت علي بحنان عارم و عنف فائض لا أدري مأتاه.... و حلمت انك تقبلني بعنف أكثر و حنان أكبر ..و لما شربنا معا من كاس اللذة الصاخبة وشوشتني في اذني ان " أحبك" كان صوتك ياتيني من دهاليز بعيدة.... كنت قد نسيتها او تناسيتها .... أربكني صوتك و تلك العبارة...أردت تقبيلك و ضمّك إلي ... فتحت عيني لكني لم أجدك...إختفيت هكذا و بكل بساطة ....
هل كان ذلك حلم ام حقيقة...؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق