الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما زلتُ على عتبةِ البيتِ

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2012 / 2 / 15
الادب والفن


1[لماذا]
لماذا كلُّ هذا الحذر في المجيء؟
لماذا كل هذه الجرأة في الغياب؟

2[رجل لا يبكي]
كنتُ أعرف رجلاً لا يخاف
لا يبكي، لا يرتجف من البرد
لا يعاني من الحرارة في الصيف
لا يشمّ الورد، لا يسمع الموسيقى
هَمَسَتْ لي أمُّهُ ذات صباحٍ وهي تطعمُ قطّتها:
لم تكن له امرأة في حياته.

3[إمرأة رائعة]
إمرأة رائعة تلك
مواسم للمأساة في حقل القلب
وما زالت تقول:
أحبك

4[إبن عمرو]
حَلُمتُ بابنِ عمروٍ التميميّ وهو يغسلُ فرَسَهُ في أحد الصباحاتِ على نهرِ دِجلة، يلبسُ درعَهُ استعداداً للحربِ، يتأكَّدُ من عنانِ فرسِهِ، يشدُّ سيورَ حذائهِ، لكنّهُ كانَ حزيناً كحمامةٍ زرقاء، فثمّةَ من سرقَ سيفَهُ وإحدى ذراعيه حينَ نامَ لخمسِ دقائقَ بينَ معركتين

5[وراء الرمل]
سَألَ وَلَدٌ جَدَّتَهُ الغارقة في خضِّ الحليبِ:
هل هناك بلاد وراء هذا الرمل؟
قالت: عندما كنت في سنِّكَ، كانت هناكَ بلاد
لكني لا أعرف إذا ما زالت هناك.

6[عتبة بيت]
ما زلتُ على عتبةِ البيتِ، ربّيتُ ذكرياتي، وتغيّرتُ
زرعتُ فاكهةً موسمية، وغيّرتُ لون الحيطانِ عشرينَ مرّةً
علّقتُ صوراً على الجدرانِ وبدّلتُها
غضبتُ وفرحتُ وحتى أنني غيّرتُ أصدقاءً بآخرين
ولكني
ما زلتُ على عتبةِ البيت

7[عصفور في اليد]
كيف كان العصفور في اليد
وصوته على الشجرة؟

8[معجزة]
تهبطُ امرأةٌ على الصباحِ
ينسى في أي الفصولِ كان
يمدّ يده بشمسٍ لم تكن في موعِدها
يمطرُ كذلك من بابِ الاحتياطِ
يرسلُ ريحاً خفيفةً ليغطي سَوْءَةَ ذاكرته
هكذا ببساطة
تَحْدُُثُ المُعجِزةْ

9[رجل غريب]
أنتَ غريبٌ عني أيها الرجل
أنتِ غريبةٌ عني أيتها المرأة
أنت غريبة أيتها الشجرة
أنت كذلك أيها البحر
وأنت أيها القمر
فجأةً توحّدَ صوتُهُم:
أنت الغريبُ الوحيدُ هنا.

10[طبيعة]
حرّرتُ الريحَ من علبتِها، ومسّدتُ ظهرَ الغيماتِ ونقّيتُ الرملَ من الجثث، لكن، لا الرّيحُ أرَّخَتْ قلبي ولا المطرُ أعطاني غابةً ولا الرملُ قال في حقي كلاماً جميلاً، كلّ ما حدث أن شجرةَ لوزٍ بعُقدٍ من الكولونيا مرّتْ بالمكان فصارت امرأة تتبعُها الريحُ ويغسلها المطرُ ويقبلُ قدميها الرمل، كم تقسو الطبيعةُ على الرجالِ أحياناً

11[خيط ذاكرة]
اتّكَأْتُ على خيطِ ذاكِرةٍ نحيلٍ، قلتُ أستعيدُ النايَ من سَفَرِهِ، وأنفضُ ثقوبَهُ كي يعطيني نغمةً واحدةً كتلك التي كوّمَها الراعي العجوز في أذني مرَّةً تحتَ بلّوطةٍ من أساطير الرومان، لم يكن هناك خيطٌ ولا ذاكرة، لم يكن هناك راعٍ ولا ناي، لم تكن هناك بلّوطة ولا أسطورة، ولم أكن أحلم كذلك، وفي جوهر الأمر كانت هذه هي المأساة.

12[عاشقة مثالية]
مِثْلَ عاشِقةٍ مثاليَّةٍ، تفكِّرُ كثيراً فيمن تُحِبّْ، رأتْ سُمْرَتَها تصيرُ وهجاً لامعاً حينَ تذكُرُ لمسَةَ يَدِهِ على خدِّها، وحينَ كانتْ تغلِقُ عينيها اللّوزيَّتين، يصيرُ العالمُ شخصينِ لا ثالثَ لهما، وترتفعُ طاقتُها على الحياةِ حتى تحبَّ كلَّ شيء، ليس فقط الوردَ على الشباكِ وفي الحدائق، ولا الطيور وإشراقةَ الشمسِ وغيابَها، لم تعد تقتلُ الحشراتِ في مطبخِها، ولا تضعُ سُمّاً للفئرانِ التي تمزِّقُ أطرافَ الكُتُبِ على الرَّف، صارَ العالمُ خفيفاً ومضيئاً طوال الوقت، ولا شيء يبدو أنه يزعجُ قلبَها، فلا مكانَ لشيءٍ آخرَ بعد أن طفحَ الحبُّ من مدائنِ قلبِها إلى شوارِعِهِ وحاراتِه الضيِّقة.

13[شجرة1]
قديماً، قبلَ الوقت، في بلادِ الغجرِ، حينَ لم يكُن سواهم على الأرضِ، سقطت بنتٌ صغيرةٌ، طيبة، وساحرة الملامح عن شجرةِ سروٍ عاقر، فغاصت في الرملِ عميقاً، وبعدها بشتاءٍ واحد خرجت شجرة زيتون من مكانها، هذا لأن أمها رفعت يديها إلى السماء حين اختفت ابنتها: يا ربُّ، اللهم اجعلها مقدسة عند البشر إلى آخر الوقت.

14[شجرة2]
وكي تفسِّرَ الياسَمينةُ نفسَها، لماذا هي مُعَلَّقةٌ دائماً على البيوت، ولا تنزلُ مثل الزهور إلى الحقولِ والحدائق، أنشبت مخلبَ رقَّتِها في وعيِ سائلِها، وقالتْ كلاماً كثيراً يشبهُ الرائحة، لكنّ جزءاً ضئيلاً استطاعَ الولدُ أن يفهمَه: كل الزهورِ رجالٌ في الأصلِ، وأنا الأنثى الوحيدة

15[شجرة3]
وليس الخشخاش إلا شجرة برتقال مات من يعتني بها

16[نوم]
وفي آخر الليل
أحملُ صوتَ عصفورٍٍ
أمسحُ به العتمةَ عن الفضاء
يطلعُ الفجرُ من يدي
وأنام.

15 شباط 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام