الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا بين اللعبة الدولية ومنطق العقل

خدر شنكالى

2012 / 2 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


من المعلوم ان هيئة الامم المتحدة قد تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية وعلى اثر الدمار والخراب التي خلفتها ولانقاذ الانسانية من ويلات الحروب وعدم تكرارها في المستقبل ولاجل العيش في حياة حرة كريمة ومستقرة ، ومن اهم اهدافها هي الحفاظ على السلم والامن الدوليين كما نصت عليها المادة الاولى من الميثاق ، وتمتلك هيئة الامم المتحدة عدة وسائل لتحقيق اهدافها من اهمها مجلس الامن الدولي الذي يعتبر الجهاز التنفيذي او الاداة التنفيذية لها من اجل القيام بمهامها وبما تخدم الامن والسلم والدوليين .
ويتصرف مجلس الامن الدولي بموجب والوقائع والدلائل التي يحصل عليها عن طريق اللجان المختصة او الوكالات الدولية المرتبطة بهيئة الامم المتحدة مثل لجنة حقوق الانسان بخصوص فيما اذا كانت هناك انتهاكات لحقوق الانسان من شأنها ان تعرض الامن والسلم الدوليين للخطر او أية حالة من شأنها ان تؤدي الى المساس بالامن والسلم الدوليين ، وبناءا على هذه الوقائع وبعد دراستها من قبل المجلس فان الاخير يقرر فيما اذا كانت تلك الحالة او تلك الانتهاكات من شانها ان تعرض السلم والامن الدوليين للخطر ( المادة 34 من الميثاق ) وعند ذلك يحق لمجلس الامن الدولي التدخل لوقف تلك الانتهاكات وبجميع الوسائل القانونية التي نص عليها ميثاق الامم المتحدة حتى ولو تطلب الامر التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، أي بمعنى لايحق لمجلس الامن الدولي التدخل الا في حالة وجود انتهاكات لحقوق الانسان او حالة معينة من شأنها ان تعرض الامن والسلم الدوليين للخطر ، وبخلاف ذلك فان أي تدخل من قبل مجلس الامن يعتبر تعديا على سيادة الدولة المتدخلة في شؤونها ، ولمجلس الامن الدولي تقدير الحالة الموجودة والتصرف على اساسها واتخاذ الاجراءات المناسبة كالعقوبات الاقتصادية او التجارية او التدخل العسكري او غيرها من الاجراءات التي يراها ضرورية ومناسبة مع الحالة الموجودة ( طبقا للفصل السابع من الميثاق ) ، وتصدر القرارات من مجلس الامن في المسائل الاجرائية بموافقة تسعة من اعضائه اما في المسائل الاخرى كافة فيجب الحصول على موافقة تسعة من الاعضاء بشرط ان تكون من بينها اصوات الدول الدائمة العضوية في المجلس وهم ( الولايات المتحدة الامريكية وروسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا ) والتي لها حق النقض أي الفيتو ( المادة 27 من الميثاق ) . وعلى الاغلب يتم التدخل في حالتين اما وجود حالة حرب بين دولتين ذات سيادة او حالة وجود انتهاكات لحقوق الانسان في دولة معينة .
ولكن السؤال هنا هو مدى جسامة هذه الانتهاكات لكي نكون امام حالة من شأنها ان تعرض الامن والسلم الدوليين للخطر ؟
لقد تطور الاهتمام الدولي بحقوق الانسان بتطور العلاقات الدولية والمصالح المشتركة بين الدول وتعاونها فيما بينها من خلال عقد اتفاقيات او معاهدات ثنائية او جماعية لرعاية هذه المصالح المتبادلة مما قد تتأثر هذه المصالح الدولية عند حصول انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان او قد تؤدي الى التأثير او المساس بالسلم والامن العالمي ، كما ان صدور العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تخص مسائل حقوق الانسان مثل الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقيات عدم التمييز العنصري وغيرها وانشاء المحاكم الجنائية الدولية او المحاكم الوطنية المختصة التي تعاقب على الجرائم التي ترتكب ضد الانسانية او جرائم الابادة الجماعية ، كلها تدل على مدى الاهتمام الدولي بحقوق الانسان بحيث قد تعدى هذه الحقوق مسألة الاختصاص الداخلي للدولة واصبحت قواعد قانونية آمرة وملزمة في القانون الدولي العام .
اذن وعلى ضوء ما ذكر اعلاه فان ما يحدث في سوري اليوم يعتبر انتهاكا جسيما وفاضحا لحقوق الانسان بل ويرتقي الى مرتبة الجرائم ضد الانسانية او جرائم الابادة الجماعية وحسب قواعد القانون الدولي العام مما يتطلب بل ويتحتم على المجتمع الدولي التدخل لوقف تلك الانتهاكات ، وهذا ما بادرت به جامعة الدول العربية وارسال المراقبين الدوليين الى سوريا للاطلاع على الاوضاع هناك ومدى جسامة الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق الانسان في سوريا وكذلك مطالبتها للنظام السوري بوقف كل اعمال العنف والقتل ضد ابناء شعبه ، الا انه وامام تعنت النظام السوري وانتهاكاته المستمرة لحقوق الانسان وقتله لابناء شعيه وقيام اغلب الدول العربية بسحب مراقبيها على اثر ذلك فقد اضطرت جامعة الدول العربية الى رفع او تحويل القضية الى مجلس الامن الدولي لاتخاذ الاجراء او القرار المناسب من اجل وقف نزيف الدم في سوريا على مدى ما يقارب من سنة كاملة ، الا ان الارادة الروسية والصينية كانت بالمرصاد في وجه اول محاولة دولية لوقف هذه الانتهاكات على حساب مصالحها الشخصية ، ومن يتابع الوضع السياسي الدولي او الحراك السياسي بين الدول وخاصة الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الاوروبيون من جهة ورورسيا والصين ومن معهم من جهة اخرى ، كان واضحا بان أي قرار تتبناه جامعة الدول العربية وبتحريك ودور فاعل من قبل الولايات المتحدة سوف تجابه بحق النقض ( الفيتو ) من قبل الدول المعارضة لاي تدخل دولي في سوريا ومنذ بدأ الثورة السورية وهي روسيا والصين وذلك لعدة عوامل من اهمها ، لقد جاءت معارضتهم للقرار بذريعة ان ذلك يعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية لسوريا اضافة الى ان الحالة لاتشكل تهديدا للسلم والامن الدوليين وضرورة ايجاد حل لها داخليا وعن طريق الحوار بعيدا عن التدخل الدولي واضعة على طاولتها التجربة الليبية وتدخل الناتو لسقوط نظام القذافي ، الا انه في الواقع ان هذه الدول وخاصة روسيا تريد ان تبين للعالم بانه لم يعد بالامكان قبول فكرة القطبية الواحدة وتفرد الولايات المتحدة الامريكية بقيادة العالم ضمن مايسمى بالنظام العالم الجديد الذي بدأ بانهيار المعسكر الاشتراكي في اوروبا الشرقية بتفكك الاتحاد السوفياتي السابق وانهاء حلف وارسو في مطلع التسعينات من القرن الماضي وانها لاتزال تحافظ على هيبتها وقوتها الاقتصادية والسياسية وقدرتها على التأثير على التوازنات والمعادلات السياسية في العالم ، كما انها تريد ان تبين وتؤكد بانها ليست من السهولة التخلي عن اصدقائها ومصالحها في المنطقة ( كما فعلت الولايات المتحدة الامريكية عند تخليها عن نظام حسني مبارك في مصر ) وانها سبق وان اكدت برفضها لأي تدخل خارجي من جانب واحد في سوريا بل وانها مستعدة للدفاع عن مصالحها في هذه المنطقة .
وفي المقابل فان الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الاوروبيون واصدقائهم من العرب يعملون وبكل قوتهم وبأقل الخسائر (بالنسبة لهم ) على اسقاط نظام الاسد في سوريا واقامة نظام ديمقراطي بديل في هذه المنطقة الحيوية والحساسة والتي تلتقي وتتعارض فيها مصالح الكثير من الدول مثل امريكا واسرائيل من جهة وروسيا وايران المرشحة لسقوط نظامها الديني بعد سوريا من جهة اخرى ، مما قد تلجأ الولايات المتحدة والدول الاوروربية الى فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والتجارية على الشعب السوري اضافة الى مقاطعته سياسيا وهذا ما بادر اليه ايضا مجلس وزراء الخارجية العرب بمقاطعة النظام السوري دبلوماسيا مما قد يؤدي بالتالي الى محاصرته في زاوية ضيقة يستحيل عليه الخروج منها سالما متعافى .
في هذه اللعبة السياسية والتي ادت الى فشل القانون الدولي في ايجاد حل للازمة في سوريا ، فان الخاسر الاكبر فيها هو الشعب السوري المغلوب على امره والذي يدفع ثمن هذه اللعبة يوميا بالقتل والابادة الجماعية لمختلف شرائح المجتمع السوري ، مما يفرض على النظام السوري قبل الشعب ان يلجأ الى منطق العقل والحكمة والتصرف بما يتطلبه مصلحة الشعب السوري وعليه الاستفادة من التجارب المماثلة كما حصل في العراق سابقا بسقوط نظام صدام حسين والنهاية الغير سعيدة للنظام الليبي وفرار الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وتنحي الرئيس المصري حسني مبارك على اثر العاصفة الربيعية التي اجتاحت الانظمة الدكتاتورية العربية والتي قد لاتقف ايضا بسقوط النظام في سوريا ، وعلى الشعب السوري ايضا الموالين للنظام قبل المعارضين وخاصة قادة الجيش ان يضعوا مصلحة سوريا ( كدولة وشعب ) في كفة ومصلحة النظام في كفة اخرى والتصرف على اساس المصلحة العليا التي تخدم سوريا وشعبها وانقاذها من الازمة التي تمر بها على غرار ما قام به الجيش المصري ودوره المشرف في معالجة الموقف وانقاذ مصر وشعبها من مزيد من القتل والدمار ، كما حان الوقت للموالين للنظام من أن يقولوا كلمتهم الفصل والوقوف الى جانب اغلبية الشعب المعارضين للنظام الدكتاتوري الذي يحكم سوريا على مدى اكثر من اربعة عقود من اجل انهاء دوامة القتل والعنف ونزيف الدم في سوريا على مدى ما يقارب من سنة كاملة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي