الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورات الوطنية التحررية ... وقواها المحركة في التأريخ المعاصر – 5 – الأخيرة

حميد غني جعفر

2012 / 2 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تلك هي حقائق العصر وبداية التأريخ المعاصر الذي ابتدأ بثورة أكتوبر الاشتراكية الأولى في التأريخ التي قصمت ظهر الغرب الاستعماري وتجار الحروب وتحولت الحرب الاستعمارية ضد مصالح الشعوب إلى انتصار حاسم لصالح الشعوب بانتصار الثورة البلشفية ثورة العمال والفلاحين والجنود التي غيرت مجرى التأريخ البشري وأصبحت منارا هاديا لكل الشعوب المضطهدة المقهورة والمستعبدة فكانت العامل الأساس الملهم والحافز لنضال الشعوب واستنهاضها إلى التحرر من الظلم والاستعباد والقهر الاستعماري ،وتحققت للشعوب انتصارات كبرى في الهجوم على قلاع الغرب الاستعماري بثورات وطنية تحررية ديمقراطية لتعصف بأنظمة الاستبداد والظلم والقهر والاستغلال الطبقي فكان نهوض حركة التحرر الوطني العالمية كقوة فاعلة ومؤثرة على الساحة الدولية بفضل دعم وإسناد المعسكر الاشتراكي – السابق – وهذا مؤشر يؤكد بوضوح مدى الترابط العضوي والمتين بين مجموع حركة التحرر الوطني العالمية وبين مصالح وتوجهات قوى السلم والتحرر – المعسكر الاشتراكي – في تحرير الشعوب من قبضة الهيمنة الاستعمارية من أجل الحرية والتحرر ولبناء مستقبلها في تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والرفاهية لشعوبها كان هذا حتى أواخر القرن العشرين .
أما اليوم في القرن الحادي والعشرين – بعد انهيار المنظومة الاشتراكية –ونكوص مجمل حركة التحرر الوطني وتراجعها في الكثير من البلدان – وانحسار نفوذ الحركة الشيوعية العالمية وتشتت مواقفها – وضعف اليسار العربي بكل قواه الديمقراطية والشيوعية - كانت عودة عالم القطب الواحد والعولمة المتوحشة وبات لابد للغرب من صنع – عجينة خاصة جديدة وبخميرة متميزة – سريعة الفوران – وطرية بأكثر ليونة من – صناعة الخمسينات – تتماشى وتتوافق مع مستجدات العصر وبالصيغ والآليات الجديدة – حرية ديمقراطية – عدالة اجتماعية – حقوق إنسان وهي كانت إلى الأمس القريب أشد أعداء هذه الشعارات – يوم كانت حقيقة أكيدة وواقعة على الأرض فعلا وكانت تحاربها وتتآمر عليها لكنها اليوم صارت الحامية والراعية لها ولكن وفق شراكة دولية وبهذه الصيغ والشعارات الرنانة التي دغدغت بها عواطف الناس البسطاء والمحرومين البؤساء الجياع ولما كان قد بلغ السيل الزبى انتفضت الشعوب على حكامها الطغاة المستبدين الذين زرعوا لها البؤس والشقاء ، وبما أن هؤلاء الحكام قد شاخوا وهرموا فلابد من استبدالهم ، كي يأتي دور العجينة الجديدة - والجاهزة – سلفا لتتولى مقاليد الأمور ،فوجدت هذه القوى – الجديدة – نفسها على أنها هي صانعة المعجزات وأنها ستنشر الأرض قسطا وعدلا ، ووفق هذه الشعارات – المخادعة والمضللة – جرى الالتفاف على الثورات الشعبية في بلداننا العربية والتي أطلق عليها – ثورات الربيع العربي – ومع أن هذه الثورات هي فعلا ثورات شعبية ضد الطغيان والاستبداد قدمت فيها الشعوب العربية التضحيات الجسام من دماء أبناءها الغيارى الشرفاء للخلاص من سطوة حكامها الظالمين الطغاة وهي تعبير ورد فعل على حالة المعاناة القاسية المريرة التي عاشتها الشعوب – من فقر وبؤس وبطالة وجوع وكبت مريع لعقود من الزمن حتى طفح الكيل فانتفضت الشعوب ضد حكامها الطغاة البغاة وفي حالة شبه عفوية – وبلا قيادات وطنية منظمة – بفعل القمع البوليسي والبطش وتغييب قياداتها الوطنية والتقدمية عن الساحة – وواقع الحال لم يكن الشاب التونسي البائس – البو عزيزي – مثلا من الإسلاميين كما لم يكن شباب مصر أو اليمن أو ليبيا وكل الثورات العاصفة في منطقتنا العربية اليوم ليست ذات فكر أو توجهات إسلامية ولم تكن قياداتها إسلامية ، لكن الدين بات اليوم موجة جديدة – على ما يبدو - فحتى الرئيس الأمريكي السابق – بوش – أعلن بعد غزوه للعراق مبررا عملية الغزو بأنه كان بأمر من الكتاب المقدس وكذالك الرئيس الحالي – أوباما – قال بأنه يقضي معظم أوقاته في الصلاة لحل مشكلات العالم وهويردد الآية القرآنية الكريمة – وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا – وبهذا الدجل والنفاق تحاول الرأسمالية العالمية المتوحشة تضليل الشعوب لإخفاء حقيقة جوهر الصراع الطبقي بين الشعوب وحركتها الوطنية التحررية وبين النظام الرأسمالي العالمي القائم على الظلم والاستعباد والاستغلال الطبقي وسلب ونهب خيرات وثروات الشعوب والتحكم بمصائرها من خلال ركوب موجة الدين كما ركب في خمسينات القرن الماضي موجة القومية حتى تكشفت البراقع عن تلك الوجوه الكالحة وادعاءاتها الزائفة باسم القومية والعروبة وألحقت بشعوبها الويلات والكوارث والحروب والدماء ، وهكذا اليوم وجدت في الدين الوسيلة المناسبة لبلوغ غايتها ونواياها اللصوصية وما حصل في العراق منذ عام - 2003 – من نهب وسلب وتزوير واختلاس وفساد بكل أشكاله وفي كل مفاصل الدولة ،أحد المؤشرات القاطعة على ذالك ، وهذا ما يجري اليوم في ثورات – ما يسمى الربيع العربي – حيث الالتفاف على الثورات الشعبية في مصر وتونس وليبيا واليمن باسم الدين ، بهدف إخفاء جوهر وحقيقة الصراع – كما أسلفنا – وإشغال الشعوب عن قضاياها الوطنية بصراعات ثانوية وجانبية – دينية وطائفية وقومية – بهدف إضعاف وتشتيت وحدة الشعب لتسهيل بسط هيمنتها البغيضة على الشعوب وما فوز – الأخوان المسلمين – اليوم في مصر إلا تأكيد على التفاف هذه القوى ، فقد عمد المجلس العسكري المصري إلى أساليب مرنة تتسم بالتحايل - وعبر عام تقريبا – في محاولة لتخدير يقظة الشعب المصري وامتصاص نقمته وغضبه على نظام – مبارك – وبالتالي تهيأة الأرضية الخصبة والمناخ الملائم لفوز الأخوان المسلمين ، ولكن لا بد أن يأتي اليوم - وهو آت لاريب فيه - أن تعي الشعوب حقيقة أن القومية والدين لا صلة لهما بجوهر الصراع فإن جوهر الصراع الأزلي بين الشعوب وقياداتها الوطنية التقدمية وبين الرأسمالية المتوحشة سارقة ثرواتها وخيراتها وسالبة لإرادتها وكرامتها الوطنية والإنسانية ولابد أن تنهض من جديد في ثورات عارمة ثورات ربيع عربي فعلي وحقيقي تستعيد الشعوب حريتها وإرادتها المسلوبة وتكون فيها الشعوب مصدر السلطات وبإرادتها الحرة تبني مستقبلها الأفضل في ظل حرية وديمقراطية حقيقية وعدالة اجتماعية وحياة كريمة وعيش رغيد وفي وحدة وتماسك الشعب كله ضد كل أشكال الظلم والقهر والاستعباد الاستعماري ، وعند ذاك فقط تكون ثورات ربيع بصدق .
إذن من هنا فإن هذه القوى من – ساسة اليوم – تدعي بما ليس لها فهي تتماشى وتتوافق بتوجهاتها وسياستها مع سياسة وتوجهات الغرب فهي تسعى لربط هذه الدول وشعوبها بعجلة النظام الرأسمالي العالمي ووفق اتفاقيات سرية – خلف الكواليس – مع ركائز النظام الرأسمالي العالمي الثلاث – البنك الدولي – صندوق النقد الدولي – منظمة التجارة العالمية – وهذا ما يتجلى في الدعوات إلى الخصخصة .


ملاحظة :هذه المقالة ذات صلة – كما أسلفنا – بمقالة سابقة – لا تبخسوا الناس أشياءهم – نشرت على موقع الحوار المتمدن في – 15 – 1 – 2012 - .



حميد غني جعفر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء ومصابون بقصف إسرائيلي استهدف مباني في مخيم جباليا ومدي


.. أبرز ما تناولته وسائل الإعلام الإسرائيلية في الساعات الأخيرة




.. لا معابر تعمل لتربط غزة مع الحياة.. ومأزق الجوع يحاصر السكان


.. فرق الإنقاذ تبحث عن المنكوبين جرّاء الفيضانات في البرازيل




.. جامعة برشلونة تقطع علاقتها مع المؤسسات الإسرائيلية