الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتفاق الدوحة بلا أفق

يعقوب بن افرات

2012 / 2 / 18
القضية الفلسطينية





المصالحة تسبب انشقاقا داخل حماس وتثير الغرب ضد ابو مازن؛ الشارع الفلسطيني يتظاهر ضد رفع الضرائب وغزة تعيش في الظلام وتحمل فتح وحماس مسؤولية معاناتها. الربيع الفلسطيني مرهون برحيل سلطة فتح وحماس أولا، كمقدمة لرحيل الاحتلال

يمر الفلسطينيون اليوم بحالة من الإرباك وهم يحاولون أن يفسروا لأنفسهم قبل غيرهم معاني اتفاق المصالحة بين أبو مازن وخالد مشعل برعاية الأمير القطري: هل نحن أمام اتفاق حقيقي قابل للتنفيذ، أم هي مجرد مسرحية إعلامية لنفخ هيبة الزعيم القطري؟ ولهذه التساؤلات ما يبرّرها. فلم يمض سوى عام ونيّف، منذ يناير 2011، على الحملة الإعلامية الشرسة التي شنّتها قناة الجزيرة التابعة لقطر، على الرئيس الفلسطيني، فضحت خلالها وثائق سرية تثبت حسب ادعاءاتها انه باع فلسطين والقدس للإسرائيليين وخان القضية الفلسطينية. وما كان من أبو مازن إلا أن رد على الحملة بمقاطعة الجزيرة.

تأتي مفاجأة المصالحة الجديدة، بعد فشل مساعي فتح وحماس في تنفيذ اتفاق المصالحة السابق الذي تم توقيعه في القاهرة في أيار 2011، على أثر الخلاف الشديد حول تسمية رئيس للحكومة المؤقتة التي من المفترض أن تشرف على الانتخابات التشريعية المقبلة. وازداد توتر الأجواء، على أثر مهاجمة حماس لأبو مازن إثر توجهه للأمم المتحدة بطلب انتزاع اعتراف دولي بفلسطين دولة مستقلة، ثم انتقالها لمهاجمته علنا بعد استئناف المفاوضات مع حكومة نتانياهو برعاية الأردن.

وها نحن نشهد تحولا ب180 درجة، اذ تم استبدال القاهرة بالدوحة، ووافق مشعل على تقليد أبو مازن منصب رئاسة الحكومة، فيخالف بنفسه القانون الأساسي الذي يمنع تولي رئيس السلطة منصب رئاسة الحكومة. فللتذكير نشير أن هذا القانون كان سُنّ بضغط من الأمريكان الذين أرادوا تقييد صلاحيات الرئيس الراحل ياسر عرفات إبان الانتفاضة الثانية، وجرى حينها تعيين أبو مازن لرئاسة الحكومة، لمعارضته الشديدة للانتفاضة المسلحة وللمسلك الذي انتهجه عرفات حينها.

المستور في هذا الشأن يفوق المعلوم، لذا نضطر للتكهن في محاولة لفك اللغز الفلسطيني الجديد. واضح ان قطر غيرت مسارها ونشرت شراعها باتجاه الرياح العربية الجديدة، بعد ان تبين ان ال90% من المشاهدين الذين صوتوا دعما للمقاومة في استطلاعات الرأي في برنامج "الاتجاه المعاكس"، قد أدركوا أخيرا زيف هذه المقاومة التي استغلتها الأنظمة لقمعهم وحرمانهم من حرياتهم الأساسية. خالد مشعل فهم أنه فقد حليفه الأسد وأن الأنظمة التي ارتكنت إليها حماس فقدت مصداقيتها في نظر الشعوب، وكذلك وجد أبو مازن نفسه يتيما بعد رحيل مبارك وبعد أن أدار له الأمريكان ظهورهم ودفعوه للتفاوض العبثي مع نتانياهو وهم يعرفون موقفه الرافض لأية تسوية مع الفلسطينيين.

ولكن يبدو أن حماس غزة ترفض الاعتراف بأن العالم حولها قد تغير. وسارع محمود الزهار، وزير خارجية الحكومة المقالة في غزة، لانتقاد مشعل والتشكيك في صلاحيته التوقيع على اتفاق المصالحة. وما زاد الفرقة والإرباك كانت زيارة رئيس الحكومة اسماعيل هنية إلى طهران، رغم أنف قطر ومشعل اللذين طلبا منه إلغاء الزيارة. وفي طهران استمع هنية إلى تصريحات المرشد الأعلى الايراني، علي خامنئي، وهو يتهجم على عرفات ويقول انه "مات منبوذا" بسبب انحرافه عن المقاومة، ما أثار رد فعل عنيف من قبل حركة فتح التي أدانت صمت هنية حيال تصريحات خامنئي.

ما كاد اتفاق الدوحة الجديد ينطلق حتى ارتطم بصخرة الواقع. فقد أحدث انشقاقا داخل حماس بين جناح غزة المستمر في سياسته الرفضوية لكل اتفاق مع اسرائيل والمتشبّث بما تبقى من محور الممانعة الذي يدعم النظام السوري وفقد مصداقيته في نظر الشعوب العربية، وبين جناح الخارج الذي يجس نبض المواطن العربي الذي اختار التغيير الديمقراطي والإصلاح الداخلي ويدرك أن عليه تعديل سياسته واستبدال المقاومة المسلحة بالنضال السلمي الذي أثبت قدرته على حشد الرأي العام العربي والعالمي.

كما جلب الاتفاق انتقادات شديدة من قبل الامريكان لأبو مازن، بادعاء انه وقع اتفاقا مع حماس التي ترفض الاعتراف بمبادئ الرباعية وعلى رأسها الاعتراف بإسرائيل والاتفاقات السابقة ونبذ العنف. وهناك تهديد بتجميد الدعم المالي للسلطة.

إذا وضعنا جانبا كل هذه الاعتبارات السياسية الضيقة التي لا تبشر بنجاح المصالحة، يبقى السؤال الأهم هو ما البرنامج الذي ستعتمده هذه الحكومة الانتقالية وما هو المغزى السياسي لاتفاق الدوحة؟ هل سيكون البرنامج قائما على المقاومة أم سيكون ضدها، هل هو مع المفاوضات مع إسرائيل أم ضدها، هل هو مع التحالف مع الدول المانحة والاستمرار في تسلم الاموال من الخارج، وهل هو مع استمرار العلاقة الامنية مع اسرائيل أم ضدها. هذه اسئلة حقيقية لا بد من الجواب عليها إذا شئنا ألا تنضم هذه المصالحة أيضا لمصير سابقاتها.

الشعب بواد وقياداته بواد

تماما كما يحدث في سائر الدول العربية الثائرة، كذلك في الأراضي الفلسطينية تدور المناورات السياسية بعيدا عن هموم وحاجات الناس. فقد خرجت في الآونة الأخيرة مظاهرات احتجاجية ضد حكومة سلام فياض بالضفة الغربية، ضد نيته رفع الضرائب في وقت يعاني فيه المواطن من ضائقة اقتصادية. المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية لا يثق بقيادته التي تتبع سياسة توظيف ذوي القربى، ولا يرى في المصالحة بين فتح وحماس سوى محاولة جديدة لتقاسم غنائم السلطة بينهما.

أما غزة فتعيش في الظلام منذ أوقفت مصر إمداد محطات توليد الكهرباء بالوقود. وقد أفاد موقع "دار الحياة" في 15 فبراير بأن "كثيرا من المواطنين أبدوا خشيتهم من انفجار الوضع في القطاع الذي يشبه «طنجرة ضغط» فوق نار حامية ولا يوجد فيها «صفارة» لتخفيف الضغط". وكال المواطنون الاتهامات للرئيس محمود عباس وحكومته برئاسة سلام فياض وحركة «حماس» وحكومتها في غزة، وحملوهم جميعاً المسؤولية عن الأزمات التي يعيشونها في القطاع، خصوصاً أزمة التيار الكهربائي.
واتهم كثير من المواطنين في أحاديث لـ»الحياة» الطرفين بـ»اهمال» أهالي القطاع وعدم الاكتراث لمعاناتهم وعذاباتهم، والتفرغ فقط لـ»الكراسي» (السلطة والحكومة) وجبي الضرائب والرسوم فقط، وتوزيع «الغنائم» على الموالين لهما".

المثير في هذا التقرير الصحافي هو أن المواطن لا يرى أي فرق بين فتح وحماس، ويفهم أن الخلاف السياسي يخدم الطرفين لفرض سيطرتهما واستغلال السلطة لصالح "الموالين لهما". ومن هنا، فهذه المصالحة، إن تحققت وهذا مستعبد، فقد جاءت متأخرة وبعد ان اكتشف المواطن الفلسطيني عدم قدرة كلا الطرفين على مواجهة الاحتلال سواء بالمفاوضات العبثية أو بالمقاومة المسلحة، والأهم ان المواطن اكتشف عجز الطرفين عن بناء مجتمع ديمقراطي يراعي مشاكل المواطن ويعمل لضمان العدالة الاجتماعية. إن الشعب الفلسطيني بحاجة إلى برنامج ثالث بعيد عن فتح وحماس يبدأ من تأمين مصالح المواطن الفلسطيني وينتهي بمواجهة الاحتلال.

ان المستفيد من الوضع الفلسطيني إنما هو الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، التي تستغل ضعف المجتمع الفلسطيني والفجوة السحيقة بين الشعب والقيادة، لإدامة احتلالها البغيض. إن الطريقة الوحيدة لسحب البساط من تحت أقدام الاحتلال تكون بإحداث تغيير بنيوي اجتماعي وبلورة قيادة جديدة وبرنامج جديد.

ان السلطة الفلسطينية كمؤسسة لا تخدم المواطن الفلسطيني، لا في الضفة الغربية ولا في غزة، لذا آن أوان رحيلها، فهي تخدم في نهاية المطاف الاحتلال والاستيطان. ليست هذه مهمة سهلة، ولكنها واحدة من المهمات الأساسية ليدخل المجتمع الفلسطيني ربيعه الخاص، أسوة بالربيع العربي. لا شك ان مراحل هذا التغيير ستكون شاقة، ولكنها ستنجح في إدخال الشعوب العربية إلى مسار التاريخ، وستمنح للشعب الفلسطيني حقه في بناء دولته المستقلة الحرة الديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد