الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آفاق وإشكاليات الثورة السورية على ضوء الدلالات في الواقع السياسي العراقي والعربي عموما...!

محسن صابط الجيلاوي

2012 / 2 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


- الجزء الأول -
من المؤكد أن سوريا دخلت مرحلة جديدة ، لم تعد سوريا كما كانت قبل شهور، فكل الترقيعات لن تنفع أمام قوة التغيرات القادمة سواء كانت سلبا أو إيجابا ، فالشعوب والإنسانية جمعاء تكره الركود والخمول والعيش على حافة التاريخ عبر محاولة فرض أساليب استبداد تنتهك كرامة الجماعة في صنع وصياغة المستقبل ...لقد تراكمت لعقود طويلة عقلية اقصائية لحزب إيديولوجي استهتر بكامل منظومة القيم المتعارف عليها بين البشر وحول الوطن السوري بالنهاية إلى مزرعة تقلصت من حزب إلى عائلة كما حدث في العراق تماما أيام شقيقه ( حزب صدام )....إن ما نراه اليوم هو تراكم عقود طويلة من الضيم الجماعي للشعب وهذا القهر المفرط يولد دائما انفجارات اجتماعية كبرى من الصعب ضبط إيقاعها أو مسارها خصوصا في ظل غياب منظومة طبقة سياسية رائدة ونخب متماسكة وقاعدة اجتماعية ذات وعي نوعي ونزعة متصالحة مع قيم الديمقراطية والتحضر والحداثة في العالم ...!

من الدهاء السياسي للبعث في البلدان التي حكمها هو السعي والتفكير الجاد لإفراغ البلد من أي معارضة حقيقية ونظيفة . ولعل الأبرز في مسعاه هو جعلها شبيهة له حد التطابق في الأداء وفي العقلية وفي السيرة التاريخية للأشخاص المتنفذين فيها وبهذا يتم توسيخ كل الطرق وتعكير كل نقيض يهدف للحرية والحياة..فهذا الحزب يمتلك دهاء عجيب في تخريب كل شيء وخصوصا اللعب على عقلية البشر ..لهذا إن وجدت معارضة ( سورية ) فهي شبيهة بالمعارضة العراقية التي أفسدها النظام وحياة الخارج والمنافي وجعلها تجثم على جماهيرها لعقود طويلة لتتحول إلى أحزاب عوائل ومشايخ ومخابرات وطوائف وملل ترتهن لكل دافع سمين ، فتشابه هذه المعارضات في احتقار الوطنية الجامعة عبر احتمائها الكاذب خلف الدين أو الطائفة أو القومية هو أكبر خطر يهدد احتمال بديل أفضل وصحي في هذه البلدان...!

فبالقدر الذي اندفعت السلطة السورية للحل الأمني ضمن منهج البعث في شكل التعامل مع همس أي معارضة فكيف إذا جاءت قوية وفعالة ومفاجئة في زخمها وسعتها هذه المرة، هذا الحل القائم على القمع المنفلت توازى بحقيقة لا تستحقها عبر اندفاع المعارضة الهشة ( التي تعيش في الخارج ) لتتصدر الواجهة وقدمت نفسها على انها هي التي تدير هذا الحراك المتدفق واندفعت بقوة المرتاح في تنقلاتها لكل العواصم الدافعة اعتقادا منها أن تقاسم الكعكة بات ماثلا وأن أيام النظام قليلة وأن المجتمع الدولي سيزيل حكامنا واحدا واحدا كما في التجربة الليبية وبهذا سيعودون ليكونوا حكاما محل الأسد وعصابته ، هي نفس نشوة ما يسمى المعارضة العراقية قبل الاحتلال في ذيليتها وتسارعها لنهب البلد مع أول خطوة تزامنت مع سقوط النظام ، لهذا سارع البعض هنا إلى عسكرة الانتفاضة ، وبالغ الآخر بالنصر ودك معاقل كل من لم يشترك بهذه الثورة بالتخويف وبحلكة الأيام القادمة ، وانطلقت الشعارات الحماسية والخطابات عبر دعم غير محدود من طائفية حكام الخليج وعبر خلط الأوراق في تسويد صفحة إيران ( وهي سوداء بحق ) لكن أن يكون كل ذلك على أرض سوريا هو محط سؤال سيبقى مفتوحا على كل الأجندة القذرة التي تحيط بشوق الشعب السوري للحرية بأقل الخسائر والتضحيات، وبهذا وفي سياسة رعناء وضع هؤلاء بقصد أو غير قصد البعث وعائلة الأسد كما انها كل الطائفة العلوية ، بل تعدى ذلك إلى استخدام لغة لا تحترم التنوع السوري الشديد التعقيد ، هي نفس اللغة الطائفية لبعض شيعة العراق من أصحاب النفوذ الجديد التي كنست كل تضحيات الطائفة السنية ابان النظام عندما وضعتهم جميعا على أنهم النظام بعينه وبهذا تخندق البعض في زاوية الكراهية الداخلية للنظام السابق ومحاصرة العدو الماثل الأشد فتكا في راهنية المنتصر الجديد الذي جاء مع المحتل وبهذا تضافرت كل الخيوط الشريرة في هذا العالم وكل الأجندة والكراهيات الإقليمية والدولية والداخلية على محاولة مسخ الهوية العراقية وليدخلوا الوطن في مرض فتاك من الصعب الشفاء منه ، وما نراه اليوم في عراق ممزق ومنهوب ومريض لا يحتاج إلى تفسير..!

تلك الحماقات المتشابهة في كلا البلدين هي نتاج لغياب معارضة متحضرة ووطنية تؤمن بالقيم العميقة للإنسان بغض النظر عن كل التسميات ،لهذا برزت الشعارات الطائفية والقومية وحتى العشائرية والمناطقية ..غياب قيادة حقيقية وانطلاق المظاهرات في المناطق الأقل حضرية جعلت كل مغمور أن يصبح بطلا على هذه الفضائية أو تلك وخصوصا فضائيات النفط الخليجي السموم ، وكل هذا الشحن لم يكن في أغلبه دعم بريء للشعب السوري بل تصفية حسابات بعضها ذات طابع حتى شخصي وإلا السؤال إي حياة يعيشها الإنسان السعودي المحروم من أبسط مقومات الحياة الاجتماعية دع عنك السياسية لكي ينتصر للديمقراطية السورية ؟ والأغرب أن بلدان عبودية ملايين من البشر في حكم العوائل والمخانيث أصبحت بين ليلة وضحاها تخاطب المجتمع الدولي بلغة الحرية ( المغيبة داخليا لديها بشكل بشع وخطير ) في سائر البلدان التي تنز بالنفط والمشايخ والانحطاط والقذارة...!

إن الانتصار لشباب الثورة لا يلغي أبدا حقيقة تدفق عناصر متطرفة وراديكالية ستحاول تنفيذ أجندتها بسفح دم الناس يمينا وشمالا في محاولة صب الزيت على النار وهو بالضبط ما فعلته القاعدة والوهابية السعودية والمنظمات التابعة لهما في العراق ، فالفوضى هو مكان خصب لتواجد ونمو هذه العصابات ومعها تصدير الأجندة الإقليمية إلى دول رخوة الأوضاع ثمنها دماء شعوب أخرى بعبثية ماجنة ...!

فالشعب السوري لا يستحق هكذا نظام ولا فقر هذه المعارضة الراكضة يمينا وشمالا بلا رؤية سياسية عميقة وبلا هدف ينصر انشغال الناس في محاولة الصمود والتصدي بصدور عارية لرصاص السلطة الذي لا يرحم...ِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِوأعتقد جازما أن توريط زوار تركيا لبعض المناضلين في الداخل من تكوين بؤرة تشبه ( بنغازي ) الليبية عبر التسلح اعتقادا أن حال تكوينها سيأتي المجتمع الدولي ليفعل نفس السيناريو..أعتقد إن هذا التحليل والتقدير الغير صائب هو الذي جعل الثورة السورية تندفع للأمام حيث وجدت نفسها بلا غطاء يحميها وبهذا ارتفعت وسترتفع فاتورة التضحيات ومعها تحطيم البنى التحتية في بلد شحيح الموارد أصلا وإدخال البلاد في فوضى حقيقية ومعها أصبح واقع الحرب الأهلية أمرا حتميا وخيارا وحيدا لكل الأطراف سواء سلطة أو معارضة ، فقد فات الأوان على التراجع والتفكير بأشكال نضالية أخرى وأصبحت لغة القتل المتبادلة هي اللغة الوحيدة ، لكن من الصعب إدانة السلطة وهؤلاء الفتية الشجعان حتى ولو دفعتهم الظروف وضعف القراءة السياسة لهذا الخيار على نفس المستوى ، هذا ظلم حقيقي ، فالسلطة وحكم البعث هو الذي يتحمل وحده النتائج الكارثية التي حلت بسوريا ...!

المستوى الحضاري ومستوى التعليم يساعد بشكل كبير في تقليل الخسائر عبر ثورات شاملة يهمها إعادة وصياغة وعي الأمة بشكل جديد وأكثر حداثة ..فثورات الربيع الأوربي في البلدان الاشتراكية السابقة لم نشهد فيها دماء وتخوين وإقصاء إلا بحدود ضيقة ، لقد كانت الحركات البديلة ديمقراطية وعابرة للتناقضات القومية والدينية والطائفية والجهوية وبهذا تم إعادة صياغة هذه الأمم ودولها بفترة قياسية..وأعتقد أن المستوى الحضاري والثقافي والتربوي المتقدم للشعب التونسي أعطى نموذجا أفضل يقترب من ربيع تلك البلدان...والمؤسف أن الثورة السورية انطلقت وتفاعلت بالمناطق الأقل حضرية وبهذا هي مفتوحة أمام كل أنواع التطرف والتقديرات الغير متوازنة في بعدها السياسي وفي قراءاتها للسياسة ولمفاهيم الوطنية واحترام الأخر وبناء أمّة ودولة حديثة..!

إن تحطيم مؤسسات الدولة بشكل عبثي وغير مدروس في تكتيكات سياسية فاشلة يعني فتح الأبواب أمام الفوضى والتخريب المنفلت وهذا ما يشتغل عليه النظام وقوى خارجية ومعارضة غير واعية وغير موحدة ، حتى وصل التخوين لشخصيات وطنية لم نكن نعرف غيرها لعقود طويلة في مقارعة الدكتاتورية حيث تعرضت للسجون والتشريد والتعذيب لسبب وحيد كونها تريد أن تفكر بعمق وبروية في سائر الصورة الماثلة وهي بلا شك صورة معقدة في وضع إقليمي ودولي شائك يحتاج إلى دهاء وحنكة سياسية لإنقاذ سوريا من مستقبل مجهول حقا...!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض