الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استشراف مستقبل سوريا ما بعد الأسد..!

نادية عيلبوني

2012 / 2 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ربما كان من المبكر استشراف حقبة ما بعد نظام الأسد في سوريا بجلاء كامل في هذه اللحظة، وخصوصا ، أن نزيف الدم السوري لا زال مستمرا، بل ان استمراره بهذا الشكل المروع والمنفلت من أي عقال، سيكون له أبلغ الأثر على مستقبل سوريا السياسي برمته.
ما هو مؤكد أن تدمير القاعدة المادية لأهم ما تملكه المجتمعات الحديثة لبناء دولها، ليس هو الشيء الوحيد الذي يدعو إلى التشاؤم في الحالة السورية.بل لعل الأخطر يتجلى في تدمير أهم القيم المحفزة للنهوض والتقدم، التي بدونها لا يمكن الحديث عن دولة المواطنة والحريات.
النظام يقوض قيمةالتسامح :
ما من شك أن وجود فضيلة التسامح في أي مجتمع هي التي تجعل منه مجتمعا محصنا من داخله ضد العنف،ووجود هذه القيمة تكفل بحد ذاتها إيجاد فرصة للانتقال الهادىء نحو بناء دولة ديمقراطية مغايرة لسابقتها دون الوقوع في فخ ما يعيق النهوض الكلي والشامل للدولة والمجتمع على أسس جديدة وعصرية. في الحالة السورية يبدو أنه من الصعب تجاوز هذا القطوع دون إراقة المزيد من الدماء ،ودون اللجوء للعنف من قبل الأطراف التي تضررت بشكل رئيس من سياسة الفرز الطائفي التي اتبعها النظام طيلة أكثر من 40 عاما، ونحن هنا لا نتحدث عن سياسة التمييز فقط بمعناها السياسي والمجتمعي المتعارف عليه ، بل نود أن نشير بدقة أكبر إلى هذا الإضرار جاء ممهورا بختم الدم ليستهدف مكونا رئيسا من مكونات الشعب السوري دون غيره بالمذابح .ربما كان بالإمكان تجاوز مشاهد ما جرى في مدينة حماة من مذابح أودت بحياة الآلاف من أبنائها في عام 1982، بمحاكمة ومحاسبة من قام بها لو قيض للثورة السورية النجاح سلما ، ولو أن النظام استجاب للمطالب الشعبية التي طالبته بالرحيل منذ البداية، ولكن النظام لم يفعل، بل اتجه أكثر فأكثر لاستخدام الحل الأمني بشكله الأكثر دموية . بحيث فاقت نتائجه المروعة ما حصل في مدينة حماة التي تعممت لتشمل بقية المدن والمناطق السورية التي تسكنها الغالبية السنية خصوصا، في درعا حمص والرستن وريف دمشق وحماة وغيرها. الأمر الذي يشي أن النظام كان مصرا على تعميق الشروخ وإضافة المزيد من الجروح القابلة للاتساع، والكفيلة بإعاقة وتأخير الوصول إلى الهدف المنشود الذي انطلقت من أجله الثورة السورية . نحن هنا لا نتحدث عن التسامح كقيمة من القيم الاجتماعية العليا من باب الترف أو الحزلقة السياسية ، بقدر ما نتحدث عن أداة أساسية من أدوات بناء الدولة، ونتحدث عن رافعة أساسية مهمة تحمي المجتمع والدولة في آن معا.
في الواقع ليس هناك ضمانات أكيدة في أن المجتمع السوري مرشح لتضميد جراحاته الكثيرة بالسرعة المطلوبة ، ودون أن لجوء الجسد المتضرر للانتقام مستقبلا. ومما يجعلنا نميل إلى التشاؤم بهذا الصدد ، هو أن القوى التي قامت بالثورة هي قوى شعبية مهمشة ومسحوقة وتفتقر إلى النخب المسلحة برؤى سياسية متقدمة قادرة على انتشال المجتمع من الوقوع في مستنقع الحرب الأهلية التي بدأنا نشهد بعض فصولها الدموية ، في الانتقام والانتقام المتبادل الذي تشهده بعض مدن وبلدان الشمال والوسط السوري.لقد نجح النظام في إضعاف أسس الحماية الحقيقية للمجتمع ليوقع الجميع في فخ خيار عنفي قاتل.ولعل أخطر ما في الأمر والحال هذه ،هو غياب النخب السياسية المدينية القادرة على قيادة المجتمع نحو الأهداف المبتغاة، ليس فقط ،لأن النظام قام بعملية تدمير منظمة على مدى أكثر من أربعين عاما للطبقة المتوسطة المدينية التي عادة ما تظهر منها النخب السياسية.وليس فقط لأنه قام على نحو مماثل بالقضاء على كافة مظاهر الحياة السياسية في سوريا، بل أيضا لأن ممارساته الإجرامية أدت إلى هجرة تلك النخب القليلة المتبقية ، في محاولة منها لاتقاء بطش النظام والعمل من الخارج، الأمر الذي يشي بأن الثورة السورية الآن هي تحت قيادة قوى مسحوقة ومهمشة لا تحمل رؤى وبرامج محددة للمستقبل. وتفتقد في معظمها للتعبيرات السياسية والحزبية وإلى الرؤى المتعلقة بكيفية بناء الدولة ومؤسساتها.

لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، يقول البعض.!وهذا صحيح .فالشعب السوري بقيامه بالثورة على نظام الاستبداد برغم تكلفتها الباهظة،لا يجب بكل الأحوال لومه ،ولا كان من المنطقي نصحه بالتريث، لأن التريث في الحقيقة هو غير ذو جدوى ، لأن النظام ليس مستعدا بسبب تركيبيته الفاشية أن يفسح في المجال لبروز قوى سياسية قادرة على مقارعته بالوسائل السياسية. بيد أنه من المهم التذكير، أن الخلاص من النظام هو في الحقيقة خطوة مهمة ،فالنظام لا يزال يمثل الحائط الحديدي الذي يقف عائقا في الوصول الى منطقة الخراب لتنظيفها من الركام الهائل الذي خلفته أكثر من أربعة عقود من حقبة الاستبداد. ولكن هذا ليس كل شيء،بل علينا أن نتذكر ،أن العراق وبرغم مرور تسع سنوات على اسقاط نظامه الفاشي لم يستطع حتى اللحظة أن يتخلص من جروح الماضي الطائفية والعنصرية التي زرعها الديكتاتور في جسد المجتمع العراقي .وهذا المجتمع لا يزال حتى هذه اللحظة ،غير قادر على تجاوز جروح الحقبة الماضية، وهو لا يزال يئن من وجود حكومات استغلت تلك الجروح لتمارس بدورها اللعبة الطائفية ذاتها، ولكن معكوسة.
كل ما نأمله هو أن يستفيد الشعب السوري من تجارب الشعوب الأخرى ، وأن يتجاوز وبأقل الخسائر الممكنة مرحلة الخراب التي خلقها حكم البعث.
ولكن السؤال الممض يبقى ليطل برأسه متحديا: إلى أي مدى نستطيع أن نأمل بقدرة الشعب السوري في مرحلة ما بعد إسقاط النظام على تضميد جراحاته الكثيرة والنظر بأمل باتجاه المستقبل، ودون الوقوع في الفخاخ الكثيرة التي زرعها النظام لإعاقة ولادة الدولة السورية العصرية القادرة على توحيد كل أطياف لون قزح لمجتمعها؟ هذا بالتأكيد ما ستجيب عليها مرحلة ما بعد سقوط النظام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في