الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السبب الرئيس في تعثُّر ثورات الربيع العربي يرتكز على خلل في العقل الجمعي للأُمّة

سامي بن بلعيد

2012 / 2 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


في حال ان نركّز الانظار على الوضع العام للأُمّة العربية لتبيّن لنا وكأنها تنحدر نحو التدهور التدريجي منذ زمن طويل للاسف وكلما لاحظنا حركة العالم التي تتقدم بصورة مُذهلة من حولنا وقارناه بالجمود والتراجع الذي تعيشه امتنا لادركنا الهوّة الكبيرة بيننا وبين شعوب العالم المتمدن وكل ذلك اوقعنا تحت سيطرة ألآخر وسيطرة حكامنا المستبدين الموجهين من قبل قوى العالم المسيطر ... ولكننا نستطيع القول ان ذلك كان نتيجة وسببها الرئيسي نحن لان اسباب نكبتها هي في كينونتها في ذاتها في اهلها حكاماً ومحكومين ونخب مثقفة .... الخ .. لقد أصاب الخلل حلقات الوعي العام للأمُّة (العقل الجمعي ) الذي يحمل المفاهيم الانسانية الجامعة لمصالح الامة ومركز ادارة علاقاتها العامة مع ذاتها ومع غيرها .
فمنذ قرون عدّة انحرف الفكر الانساني للأُمّة الذي كان يهتم بالانسان عقلاً وروح وذهب بأتجاه تجسيد العقلية الشيئية بقصدٍ وبغير قصد حتى اصبحت المادة هي من يقود الانسان وليس العكس وهذا الامر ظاهر على العقل السياسي العربي في عصرنا الراهن الذي يمكننا رؤيته في واقع الحكومات العربية الريعية ... وقد ساعدت عدت عوامل على تجسيد تلك الشخصية ومنها الموجات الاستعمارية المتلاحقة على الوطن العربي منذ زمن وحكام الاستبداد العرب التي اثبتت الايام انهم اشد ضراوة من الاستعمار الخارجي .
فكل ذلك ساهم في تنشيط وتشكيل العقل الباطني الانفعالي وطرح العقل الواعي في دائرة الجمود فأصبح العربي غير قادر على رؤية او تغيير نفسه لان النفس (العقل الباطن المنفعل ) هو من يدير الاشياء فأصبحت ادارة الحياة تقوم على الرغبات والاماني الغالب عليها عنصر العاطفة وازيح دور العقل المحايد القادر على رؤية الاشياء كما هي عليه في الواقع والقادر على صناعة الافكار والحلول فأُصيب العقل الواعي بالجمود وصار عاجزاً عن التحليل او انتاج المعرفة واصبح ما لدينا من افكار هي عبارة عن معلومات ننقلها عن تأريخنا وثقافتنا عن طريق الحفظ والتلقين او افكار ننقلها عن الآخر عن طريق النقل بدون تبيئة او تنقية او تمحيص للافكار اي ان مداركنا اصبحت مثل الاطباق تنقل المفاهيم عن طريق الحفظ او التقليد اي ان ثقافتنا اصبحت استهلاكية مثلها مثل اقتصادنا .
وثورات الربيع العربي رغم وضوح اهدافها التي اتت من اجل بناء الانسان وتعزيز قدراته والارتقاء به الى مرتبةً يستطيع ان يرى بها الحياة من زاويةٌ بصريةٌ جليةٌ بدون الوان ولا اضواء فيصبح مالك القدرة على التغيير والبناء , كما ان هذه الثورات اتت من اجل اصلاح ذلك الخلل الحضاري في كينونة الانسان العربي الذي افقده الرؤية الحقيقية للاشياء من حوله وطريقة التعاطي معها بقدرة فائقة تمنحه الدراية الكافية في ادارت الازمات واستقراء لغة العصر ومتغيراته ... ولكن للاسف ولدت ثورات الربيع العربي من رحم واقع المعاناة الى واقع المعاناة ذاته ... فعندما بدء الزخم الكبير لتلك الثورات الشعبية وما عملته من هزّه لاركان الفساد الحاكم انطلقت الاعمال الاجرامية في محاولة تصفية تلك الثورات في مهدها واشتركت قوى خارجية الى جانب قوى الداخل المتخلّف ووقفت بكل ما لديها من قوّة تجاه الثورات ... ولكن ذلك الامر لم يشكل السبب الرئيس الذي ادى الى تعثُّر الثورات واعاقتها من الوصول الى الهدف ... فالسبب الرئيسي يتمثل في ذهنية من يقود الثورات وقصور فهمهم في ادارتها نظراً لحداثتها والاهم من ذلك هي تلك الجماهير الغفيرة المشاركة منها والمتفرّجة والتي لم تسعفها مفاهيمها لادراك اهمية الثورة والالتفاف حولها وحمايتها ... فقد استطاع الحكام ان يخترق تلك الجماهير فمنها من حيدها بالترهيب والترغيب ومنها ما اشتراها بالمال نظراً لعقليتها المادية كما اشرنا سابقاً .
فالمعروف ان الشعوب العربية دُفعت نحو التسطيح في ثقافتها ووعيها على مدى زمن طويل اتسم بالتجهيل والاستبداد وتم خلاله تقطيع الحلقات الاساسية التي يُبنى عليها الوعي العام للأمة فقد ترى الكثير من الافراد او الشرائح الاجتماعية العربية تمتلك القدر الكبير من الذكاء على مختلف اطياف المجتمع ولكن ذلك الذكاء لم يتوّج بعقلية مجتمعية شاملة تقرأ مصالح الامّة على ابعاد واتجاهات مختلفه ونظراً لما تقوم به شبكة الترابط بين الحكومات العربية والقوى الخارجية المهيمنة والتي تقوم بالتسويق والترويج للديمقراطية الزائفة التي انتجت صراع الاضداد حتى انهكت شعوبنا بالصراعات والحروب البينية التي اصبحت سمة لثقافة التآكُل الداخلي ... فضاع امر التكامل وتصارعة النُّخب فيما بينها ومع نفسها واصبحت كل نخبة ترى نفسها بالمؤهل الوحيد لادارت الحياة وان الوطن لا تقوم له قائمة إلاّ اذا حكمت هي واتباعها وهكذا كان التفكير العام لمختلف اطياف النخب التي دفعت الاوطان العربية الى مزيد من التبعية والضياع .
والجدير ذكره ان المستبدين يقاتلون وسيقاتلون بكل قوّة من اجل عروشهم والاهم من ذلك ان القوى الصهيونية تحرص على ابقاء العربي داخل دائرة الصراع ولا تسمح له بالخروج منها الى منهج السلمية لان منهج السلمية يعني الاستقرار وقبول الآخر والبناء والتنمية اي ان العقل سيكون البديل للعنف والصراع وبذلك سيصبح العرب شركاء في هذا العالم وسيكونوا اصحاب الحق بثروتهم وهذا لا يرضي قوى الاستغلال وعصابات المال ... ولكن ومع كل ذلك فحجم مصيبتنا بأنفسنا وجهلنا لما تقتضيه مصالح الشعوب سيعمل بنا الكثير من الخراب الذي لا يستطع ان يعمله عدونا بنا .... فإن بقينا على سجية التخلُّف والصراع الموروث قد نندفع خارج اطار التأريخ ونضمحل _ لا سمح الله _ وان ادركنا الصواب وناصرنا ثورات التغيير سنستطيع ان نغير المعادلة لان ثورات التغيير هي الوحيدة القادرة على صنع الفارق وايصال الانسان العربي او بالاصح انقاذه من السقوط الذي لا نرجوه ..... لان تلك الثورات هي بمثابة المصفاة الحقيقية للعقول والافئدة ... وهي التي ستدفعها نحو الاستقرار والجوانب المشرقة من الحياة ولعلنا نأخذ من تأريخ الآخرين درساً ونتذكر تلك الايام العصيبة في اوروبا وامريكا وما فعلته الحروب الاهلية الطاحنة ولن تطلع تلك الشعوب من محنتها إلاّ بعد ان اهتدت الى السلمية والتغيير ... ونحن نتذكّر المقولة الشهيرة لجيمس وليام الذي قال ( ان افضل منجز للبشرية هو انها تستطيع تغيير حياتها بتغيير مافي ذاتها )
وفي الختام نطرح السؤال للجميع ؛ هل سيستطع الاسلاميون ادارت الحكم لوحدهم ؟ وهل سيستطع ان يعمل ذلك الاشتراكيون او الليبراليون ؟
هل سيتحقق نجاح من خلال اقصاء الآخر؟
انا ارى ان الجميع يجب ان يهيئ دائرة افكاره لما يخدم الشعوب ولا يهيئ الشعوب لخدمة افكاره ... لان التكامل اصبح من شعارات ثورات الربيع العربي ففي التكامل تم تعريف الاضداد وبذلك اوجد طريقةٌ سلميةٌ للوصول الى من تختلف معه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا