الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السخرية

حميد المصباحي

2012 / 2 / 19
الادب والفن


السخرية
السخرية فعل بشري,فالإنسان يتقاسم اللعب مع الحيوانات,لكنه وحده القادر على السخرية والضحك,وقد عرف أحد الفلاسفة اليونانيين الإنسان أنه حيوان ضاحك,فهو وحده القادر على الضحك,فالسخرية لاترتبط بالعواطف كما وضح برغسون في كتابه الضحك,فالأمم الساخرة أكثر تقدما من التي لاتسخر من بعضها وغيرها,ذلك أن القدرة على الإيلام والإحزان أكثر من الإضحاك,وهذه الحقيقة يدركها الكوميديون في المسرح والرواية وحتى القصة القصيرة,إن السخرية فعل جبار,لايجيده كل الناس,إنه فن راق وعميق الأبعاد,فكيف يتسنى للفنان والكاتب إثارة الضحك لدى الغير؟
إن الفنان يكشف عن غرائية السلوك المعتاد,لأنه وحده يرى مالا يراه الغير,كما الروائي الذي يتناول حدثا تاريخيا,عندما يكتبه المؤرخ لاتستطيع إتمامه,وعندما يكتب عنه الروائي تشعر أنك تعايش الحدث وتشتاق إتمامه,فالروائي له طريقته الخاصة للحكي,تختلف عن المؤرخ وحتى الداعية,هنا يكون الفنان مدركا لعادات التقي فيقلبها فنيا,ويغوص فيها ليكشف عن تناقضاتها الحقيقية أو المفتعلة,كما أن الفنان أو الأديب,يمكنه تحويل المبكي إلى مضحك في الوقت نفسه,تخيل وأنت تشاهد لقطة قتل,ينتابك الرعب,فتتعاطف مع الضحية,وتكره في الوقت نفسه القاتل,فجأة يقف المقتول ويصرخ في وجه قاتله,أيها الوغد,لم نتفق على قتلي بالسكين,أرجوك أعده إلى زوجتي بالبيت,فلن تعد العشاء إذا لم تجده بالمطبخ,هنا يهتز المشاهد ساخرا من القاتل والقتيل معا,وربما حتى من نفسه مصفقا للمخرج والممثل,وهناك آليات أخرى في الكتابات الروائية والقصصية,لكن السخرية أيضا يست فعلا فرديا معزولا عن الجماعة,فكل حضارة لها كيفيات السخرية الخاصة بها,وهذا الفعل لا يتحقق إلا داخل تجمعات بشرية,فما يضحك هذه قد لايضحك الأخرى بالضرورة,بل ربما يحزنها,أو يثير غضبها,كما أن الأمم التي لايكون فيها العقل احتل وجودها,ورسخ بعض قيم التسامح والمرح,وفن الإنصات للغير,لايمكنها تقدير السخرية,واحترامها,ليس لأنها أمة بئيسة أو حزينة,بل إن العقل فيها لم يصل بعد إلى مرحلة الإحاءات المضمرة التي تتطلبها السخرية,التي تحتاج إلى تكثيف عميق للرمزية,بما هي تحويل لمعنى العبارة إلى أقصى الحدود الفنية,وهي آلية مهمة في التلقي وإنتاجها يتطلب عمقا أكثر,وفي عالمنا العربي,عرف عن بعض الشعراء,سخريتهم اللآدعة,والتي جرت عليهم الكثير من الويلات,لكنهم ادعوا الحمق والجنون تجنبا لعقاب الخلفاء والأمراء,فأبوا نواس له من الحكايات مع الخلفاء العباسيين ما يثير حيرة المؤرخين,الذين لم يصدقوا تلك الجرأة التي تعامل بها أبونواس مع أمراء المؤمنين,وهناك من شكك فيها جملة وتفصيلا,لكن العالم العربي لم يؤسس لسخريته إلا بأعمال قليلة في المجالات الأدبية,لكنه في القصة القصيرة أدرك مبكرا أهمية السخرية,التي تطورت كثيرا مع تجربة دريد لحام,وتعمقت مع عادل إمام في المسرح والسينما,وبدأت الكثير من الدول العربية تنفتح على هذا النمط من الفنون الذي يستند على السخرية,شعرا وقصة ومسرحا وسينما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سخرت من اجل نفسي ..
اسماء .. ( 2012 / 2 / 24 - 23:18 )

..السخرية تسخر من نفسها..وممن حولها
الغريب في كل شئ تجد السخرية حتى الحزن يسخر بالالم..

اخر الافلام

.. شخصية أسماء جلال بين الحقيقة والتمثيل


.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت




.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو


.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??




.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده