الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللامركزية في العراق

نبيل جعفر عبد الرضا

2012 / 2 / 19
الادارة و الاقتصاد




المقدمة :
أن المركزية واللامركزية كلاهما لايعدان هدفاً بحد ذاته بل إنهما فلسفة وإدارة ووسيلة لإتخاذ القرارات، وتكمن الصعوبة في كيفية الاختيار بينهما وعدم القدرة على تغليب أحدهما على الآخر فكل منهما يحقق مزايا لا تتوافر في الآخر ..
إن الواقع العملي يقول: إنه ليس هناك مركزية و لا مركزية مطلقة ، بل ان الواقع هو مزيج بينهما بنسب متفاوتة والسبب هو لارتباطهما بتخويل الصلاحيات وان تخويل الصلاحيات هذا يعد أمراً نسبياً يعبر عن مدى أو درجة التخويل أي ان الإدارة العليا أو السلطة المركزية لا تستطيع تخويل جميع صلاحياتها (لامركزية مطلقة) وإلا كانت النتيجة توقفها عن ممارسة أعمالها، كذلك فان عدم تخويل الصلاحيات وتركيزها في الإدارة العليا (مركزية مطلقة) لا يؤدي فقط إلى إلغاء دور الإدارة الدنيا أو الإدارة المحلية بل إلى إلغاء الهيكل التنظيمي للمنظمة أو الدولة بالكامل. فكل منهما له مزايا و له عيوب أيضا .. لكن المواءمة بينهما هي أجدى الأساليب حتى يظهر العمل في أفضل صورة .
مفهوم اللامركزية
تعرف اللامركزية بأنها (درجة عدم تركيز السلطة، أي تشتت السلطة وتوزيعها بين الأشخاص والمستويات الإدارية المختلفة في المنظمة أو على مستوى الدولة).
وتعرف أيضا بأنها نقل السلطة إلى هيآت جغرافية تتمتع بدرجة من الاستقلال المالي والإداري المحدود والمحسوب تحت رقابة السلطة المركزية .
إن مصطلح اللامركزية يرتبط ارتباطاً مباشراً بالمركزية، وان كلا المفهومين يوضح درجة التفويض، ويمكن تصور هذين المصطلحين على إنهما نهايتين متعاكستين لمحور التفويض حيث يشير إلى إن اللامركزية تدل على أقصى تفويض للأنشطة الوظيفية ومن صلاحية اتخاذ القرار للمرؤوسين، في حين تدل المركزية على عدم وجود التفويض.
أنواع اللامركزية
1- اللامركزية الجغرافية : وتتمثل في عملية توزيع السلطة بين أقاليم ومحافظات ومناطق البلد الواحد التي تتمتع بشخصية معنوية تناط بمجلس محلي ينتخب جميع أو بعض أعضاءه من قبل مواطني الإقليم ويكون له صلاحية وضع ميزانية مستقلة واتخاذ القرارات الإدارية المتعلقة بإدارة المشروعات والمرافق العامة في حدود ذلك الإقليم أو المحافظة، ويطلق البعض على هذا النوع من اللامركزية الإدارية بالإدارة المحلية أو إدارة الأقاليم والمحافظات.
2- اللامركزية الوظيفية : وتتمثل في عملية توزيع السلطات والصلاحيات فقط على المستويات الهرمية وبين الأقسام المتخصصة داخل المنظمة أو الوزارة الواحدة، وتبرز الحاجة إلى هذا النمط الإداري كلما اتسعت مهام المستويات العليا وزادت أعمالها وضاق وقتها عن تسيير الأمور بكفاءة وفعالية.
3- اللامركزية السياسية: وهي عملية قانونية يتم بموجبها توزيع الوظائف الحكومية المختلفة – التشريعية والتنفيذية والقضائية– بين الحكومة الموجودة في مركز البلد والسلطات الموجودة في المراكز الأخرى التابعة لهذا البلد نفسه وينتج عن هذا التوزيع نوع من نظام الحكم يسمى (بالاتحاد الفدرالي) فالاتحاد الفدرالي يتكون من عدة حكومات مركبة تشكل بمجموعها اتحاداً واحداً، فلكل ولاية حكومة، ولكل حكومة سلطات ثلاثة: تشريعية وتنفيذية وقضائية وغالباً ما نلاحظ هذا النمط من الحكم في الدول المركبة من ولايات كالولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا والأرجنتين والبرازيل والمكسيك والاتحاد السوفيتي السابق ويوغسلافيا وأستراليا والهند وإندونيسيا وغيرها.
]مزايا وعيوب اللامركزية
مزايا اللامركزية :
1- مزايا اللامركزية من الناحية السياسية :
• تعيق الانفراد والاستئثار في السلطة.
• تزيد من فرص المشاركة السياسية في المجتمع.
• تجعل مطابقة القرارات التي تتخذها الأقاليم لمصالحها السياسية أمراً ميسوراً.
• تساهم في تعزيز الوحدة الوطنية في الدول المتكونة من شرائح قومية أو دينية متنوعة.
2- مزايا اللامركزية من الناحية الاجتماعية :
• تزيد من الوعي لدى شعوب وسكان الأقاليم بأهميتهم وأهمية الأدوار التي يقومون بها.
• مساهمة سكان الأقاليم في مشاريع التنمية نتيجة الرغبة القومية إلى التقدم والمنافسة.
• تحمل سكان الأقاليم مسؤولية مواجهة المشاكل المحلية والعمل على حلها بصورة سريعة.
3- مزايا اللامركزية من الناحية الإدارية :
• التخفيف من العبء عن الإدارات في الحكومة المركزية.
• السرعة في انجاز المهام وتحقيق الكفاءة في العمل الإداري.
• تحفيز العاملين من خلال إتاحة الفرصة لهم بالمشاركة في عمليات اتخاذ القرار.
• تدريب المدراء في الأقاليم والمحافظات من خلال تفويض الصلاحية لهم وبذلك تفتح المجال لزيادة خبرتهم والتعلم من خلال العمل.
عيوب اللامركزية
• إضعاف السلطة المركزية، الأمر الذي سيؤدي إلى إضعاف التنسيق بين المركز والأقاليم، وبين الأقاليم نفسها، والتي هي من مسؤولية الإدارة المركزية.
• تجاوز سلطات الأقاليم والإدارات المحلية على الخطط الموضوعة في المركز مما ينعكس في إضعاف تنفيذ السياسات العامة للدولة.
• زيادة الأعباء المالية بسبب تكرار بعض الوحدات كالشؤون القانونية والإدارية على المستوى المحلي.
• الحاجة إلى تشديد الرقابة على أنشطة الوحدات المحلية.
• الميل إلى الاستقلال وخاصة إذا رافق اللامركزية مشاعر العداء القومي أو الديني أو العرقي.
• قد يحدث تشتت للهدف
• تناقض أو عدم تناسق القرارات المتخذة وازدواج الخدمات التي تستلزمها الادارات المختلفة وزيادة التكاليف
• صعوبة الرقابة
• خطورة النظرة الجزئية

• العوامل المؤثرة في اللامركزية
يتأثر النظام الإداري في الدولة بالعوامل السياسية باعتباره جزء من النظام السياسي العام للدولة، إضافة إلى العوامل الاجتماعية والثقافية والسكانية والجغرافية والتي يمكن إيجازها بالنقاط الآتية:
1- الفلسفة التي تؤمن بها الإدارة أو الدولة، فالسلطات القائمة على أيدلوجية دكتاتورية لا تحبذ اللامركزية، بينما تميل السلطات القائمة على أيديولوجية منفتحة على الشعب والتي تعتمد مبدأ المشاركة الشعبية إلى اللامركزية.
2- حاجة الأمة، فالأمة التي تتكون من شرائح قومية وعرقية متنوعة تكون بحاجة إلى اللامركزية لأنها تحقق بواسطتها وحدتها الوطنية وتعد أفضل وسيلة لمواجهة أخطار الإنفصال والتقسيم.
3- وعي الأمة، فكلما زاد الوعي السياسي ازدادت الرغبة لدى الشعب بالمشاركة السياسية، واللامركزية هي إحدى وسائل المشاركة السياسية في الحكم.
4- تعدد العوامل الثقافية كاللغة والمعتقدات الدينية والمذهبية، يدعو إلى استخدام النظام اللامركزي للإفادة منه كوعاء يضم هذه التعددية ويساهم في ضمان مشاركة الجميع في برامج التنمية.
5- التشتت الجغرافي يدعو إلى تطبيق النظام اللامركزي لإدارة أمور هذه الأقاليم .
6- عدد القرارات التي يتخذها المسؤولون في المستويات الدنيا ومدى تكرارها، إذ كلما زاد عدد هذه القرارات ازدادت درجة اللامركزية.
7- أهمية القرارات، إذ كلما كانت القرارات التي تتخذ في المستويات الدنيا على جانب كبير من الأهمية، أمكن القول ان النظام يتجه نحو اللامركزية.
8- تعدد المهام، إذ كلما تعددت المهام أو العمليات التي تتأثر بالقرارات التي يتخذها المسؤولون في المستويات الإدارية الدنيا، كان النظام أقرب إلى اللامركزية.
9- مدى الرقابة التي تفرضها المستويات العليا على القرارات التي تتخذها المستويات الأدنى، فكلما قلت هذه الرقابة، كان النظام أقرب إلى اللامركزية.
أيهما أفضل: المركزية أم اللامركزية ؟
* بالنسبة للأقليات فأن النظام اللامركزي هو الأفضل لأنه يحافظ على هوية الأقليات و لغتهم وعاداتهم أكثر من النظام المركزي.
* في البلدان التي يدفع فيها الشعب ضرائب باهظة يكون النظام اللامركزي هو الأفضل : لأنه يضمن للمواطن أن ضريبته المدفوعة ستعود إليه بالنفع
*في العديد من الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا يكون النظام اللامركزي هو المفضل لأنه أفضل طريقة لعمل الحكومة بشكل فعال وإنتاجي واقتصادي
*إن الإصلاح الإداري غالبا ما يرتبط باللامركزية
دور اللامركزية في تحقيق التنمية المحلية
اللامركزية الإدارية تتمثل في تفعيل دور السلطات الإقليمية والمحلية، وذلك بإسناد مهام إدارية وتنموية لها تزيد من فاعليتها، وتعزز دورها في تحمل مسؤولياتها وصلاحياتها بالشكل الذي يعمل على دمج السكان المحليين في عمليات التنمية المحلية ويؤدي في النهاية إلى نجاحها .تأسيسا على ما سبق يمكن إيجاز دور اللامركزية في التنمية المحلية بما يلي :
1- الحد من البيروقراطية الإدارية وتسريع وتسهيل عملية صنع القرار الإداري والتنموي، مما يساهم في إيجاد توزيع عادل نسبياً لسلطة صنع القرار والاستثمارات والموارد داخل الدولة .
2- تنازل هيئات الحكم المركزية عن جزء من صلاحيتها لصالح هيئات الحكم المحلية، هذه الهيئات التي تتعايش مع مشكلات السكان المحليين بشكل مستمر وتدرك أسبابها وأبعادها، وهذا الوضع يمنح هذه الهيئات القدرة على ربط برامج ومشاريع التنمية بالحاجات المتعددة والمتناقضة للمناطق والأقاليم والشرائح السكانية المختلفة، وبالتالي يضمن تحقيق أهداف خطط التنمية الوطنية بصورة فاعلة وإيجابية.
3- إيجاد الاتصال المباشر والمستمر بين هيئات التخطيط التنموي والسكان، وهذا يُمكّن القائمين على التخطيط من الحصول على بيانات أكثر دقة حول أوضاع مناطقهم، ويساعد على إعداد وتنفيذ خطط تنموية واقعية وفعالة ومؤثرة.
4- إيجاد توزيع عادل لمكاسب التنمية، وتحسين المستوى التنموي والخدمي في جميع مناطق البلد؛ من خلال وصول الموارد والاستثمارات إلى جميع مناطق وأقاليم الدولة، وهذا يقلل من حدة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية الإقليمية.
5- تخفيف العبء الإداري والتنموي عن مؤسسات وهيئات الحكومة المركزية؛ إذ تخلصها من العديد من المهمات والصلاحيات بإسنادها إلى هيئات إقليمية ومحلية، وهذا الوضع يمكن هيئات التخطيط المركزية من أخذ الوقت الكافي في الإشراف بشكل فعلي وعملي على متابعة خطط التنمية المختلفة.
6- ترسيخ مبدأ الديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار التنموي على المستوى المحلي، وذلك على اعتبار أن اللامركزية هي شكل من أشكال وأسس العملية الديمقراطية.

اللامركزية في الدستور العراقي
يعتمد الدستور العراقي مبدأ اللامركزية في الادارة الحكومية في خطوة شكلت نقلة نوعية في تطور النظام السياسي للبلاد. فقد كفل الدستور للأقاليم وللمحافظات التي لا تنتظم في إقليم استقلالية كبيرة وصلاحيات واسعة لم تشهدها العهود السابقة.
وتستند هذه الاستقلالية بالدرجة الأولى الى أن حكومة الاقليم ومجالس المحافظات لا تعين من قبل المركز، بل تأتي عبر انتخابات مباشرة وبالتالي فإنها مسؤولة مباشرة أمام الناخبين. ومن دون شك فإن الاستحقاق الانتخابي يمنح السلطات المحلية القوة القانونية والمعنوية التي تمكنها من الوقوف أمام السلطات المركزية موقف الند للند ويدفعها على المدى الطويل للاهتمام بشكل أكبر بمصالح سكان المنطقة وتنميتها. وفي مايلي بعض الفقرات من الدستور العراقي التي تعرضت لاختصاصات السلطات الاتحادية وسلطات الاقليم
المادة (108):
تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الاتية:
اولا: رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية.
ثانيا: وضع سياسة الأمن الوطني وتنفيذها، بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادارتها لتأمين حماية وضمان امن حدود العراق، والدفاع عنه.
ثالثا: رسم السياسة المالية والجمركية واصدار العملة وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق ووضع الميزانية العامة للدولة ورسم السياسة النقدية وانشاء بنك مركزي وادارته.
رابعا: تنظيم امور المقاييس والمكاييل والاوزان.
خامسا: تنظيم امور الجنسية والتجنس والاقامة وحق اللجوء السياسي.
سادسا: تنظيم سياسة الترددات البثية والبريد.
سابعا: وضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية.
ثامنا: تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق وضمان مناسيب تدفق المياه الى العراق، وفق القوانين والاعراف الدولية.
تاسعا: الاحصاء والتعداد العام للسكان.
المادة (109):
النفط والغاز هما ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات.
المادة (110):
اولا: تقوم الحكومة الاتحادية بادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقليم والمحافظات المنتجة على ان توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد، مع تحديد حصة لفترة محددة للاقاليم المتضررة والتي حرمت منه بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون.
ثانيا: تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق اعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة احدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار.
المادة (111):
تكون الاختصاصات الاتية مشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطات الاقاليم: اولا: ادارة الجمارك بالتنسيق مع حكومات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم، وينظم ذلك بقانون. ثانيا: تنظيم مصادر الطاقة الكهربائية الرئيسية وتوزيعها. ثالثا: رسم السياسة البيئية لضمان حماية البيئة من التلوث والمحافظة على نظافتها بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم. رابعا: رسم سياسات التنمية والتخطيط العام. خامسا: رسم السياسة الصحية العامة بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم. سادسا: رسم السياسة التعليمية والتربوية العامة بالتشاور مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم.
سابعاً رسم سياسة الموارد المائية الرئيسية وتنظيمها بما يضمن توزيعاً عادلاً وينظم ذلك بقانون.
المادة (112):
كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية تكون من صلاحيات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، والصلاحية الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم تكون الاولية لقانون الاقليم في حالة الخلاف بينهما..
الباب الخامس: سلطات الاقاليم
الفصل الاول: (الاقاليم)
المادة (113): يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة واقاليم ومحافظات لامركزية وادارات محلية.

بيد أن هذه الاستقلالية الادارية المثبتة دستوريا تصطدم بمعارضة قوية من مختلف القوى التي لا تزال تحبذ تعزيز صلاحيات الحكومة المركزية على حساب الأطراف. ومن البديهي أن الاستقلالية الادارية للسلطات المحلية لن تترسخ على أرض الواقع دون استنادها إلى أساس مالي متين.
صحيح أن الدستور منح سلطات الإقليم والمحافظات الحق في زيادة إيراداتها بشكل مستقل، ولكن الواقع يبين أن السلطات المحلية لا تزال تعتمد في تمويل الحصة الأكبر من نفقاتها على ميزانية الدولة الاتحادية. وهي حقيقة تعطي لوزارة المالية في بغداد، وبغض النظر عن النوايا، سلطة فعلية لممارسة النفوذ والتأثير والتي يمكن استغلالها في ظل ظروف سياسية معينة.
وكل ذلك يؤكد أهمية إيجاد نظام واضح لتوزيع الموارد المالية. وهو جانب أكد عليه الدستور العراقي الذي ينص على تخصيص حصةٌ عادلة من الايرادات المحصلة اتحادياً للاقاليم والمحافظات وبما يكفيها للقيام بأعبائها ومسؤولياتها، مع الاخذ بعين الاعتبار نسبة السكان فيها.
ومع ذلك تظهر الكثير من الخلافات بهذا الشأن، كما هو الحال في الضجة التي تُثار كل عام حول حصة كردستان في الميزانية العراقية. ويعود ذلك أساسا إلى عدم وجود قواعد قانونية واضحة وتفصيلية تحدد كيفية توزيع الموارد المالية بين السلطات المختلفة.
يجب التفكير بتطوير النظام المالي للبلاد بحيث تصبح للسلطات المحلية أيضا ميزانية مستقلة تعتمد بالأساس على مصادرها الذاتية وبما يؤدي في نهاية المطاف إلى تقليص التبعية المالية السائدة حاليا بين الأطراف والمركز، وبما يضمن تعزيز مبدأ اللامركزية.
من جانب آخر يتطلب تطوير الاستقلالية المالية للسلطات المحلية قبل كل شيء التوصل الى تفاهمات حول توزيع عائدات النفط .حتى الآن تكاد هذه الموارد تذهب بالكامل لصالح المركز في بغداد، بينما لا تحصل المناطق المنتجة للنفط إلا على الفتات .
كما أن إصرار وزارة المالية في بغداد على مبدأ (الرقابة السابقة ) تعيق كثيرا عملية تنفيذ المشاريع المدرجة في خطة تنمية الاقليم . اذ تتبع وزارة المالية نهجين مختلفين الاول مع إقليم كردستان وفيه تطلق وزارة المالية حصة إقليم كردستان البالغة (17%) بمجرد مصادقة البرلمان العراقي على الموازنة العامة ، أما النهج الثاني المغاير تماما للنهج الأول وفيه تمتنع وزارة المالية عن إطلاق الأموال المخصصة للمحافظات المخصصة لتنمية الأقاليم إلا بعد الانتهاء من إعداد قوائم نهائية للمشاريع المزمع اقامتها في المحافظات تتضمن دراسات معقدة تستغرق وقتا طويلا وهو ما يعد أحد الأسباب المهمة لعدم تنفيذ التخصيصات الاستثمارية في المحافظات لاسيما وان الموازنات العامة في العراق عادة ما يجري إقرارها بعد أكثر من شهرين أو ثلاث أشهرمن بدء السنة . لذا يتطلب الأمر إعطاء المحافظات صلاحيات تنفيذ مشاريع تنمية الأقاليم من خلال إطلاق الأموال المخصصة لها ثم مطالبتها في نهاية السنة بالمشاريع المنفذة فيها .
لم تؤخذ السلطات المحلية رأي المحافظات المنتجة عند توقيع العقود النفطية والغازية من خلال جولات التراخيص الثلاث التي عقدتها وزارة النفط الاتحادية دون علم المحافظات المنتجة وهو مايتقاطع مع المادة (110) من الدستور العراقي . كما ان الاختصاصات السبع المشتركة بين السلطات الاتحادية والمحافظات المثبتة في المادة (111) من الدستور العراقي لم تنفذ وانفرد المركز في بغداد بتحديدها ورسم اتجاهاتها العامة وادوات تنفيذها .
ومع انعدام الرقابة قد يشكل هذا التركيز المفرط للموارد أساسا اقتصاديا وماليا لنشوء الديكتاتورية. ولتلافي ذلك لا بد من الاتفاق على تقاسم عادل للثروة يساهم أيضا في تهدئة المخاوف من استئثار المناطق المنتجة بكل "الكعكة" النفطية.
وقد حاول الدستور العراقي حل هذه المشكلة عبر منح الحكومة الاتحادية حق إدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية، مع التأكيد على ضرورة توزيع العائدات بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد. في المقابل بقيت صلاحية استثمار الحقول الجديدة غير واضحة تماما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 08 مايو 2024


.. الرئيس الصيني في ضيافة الإيليزيه.. وسط توترات جيوسياسية واق




.. البنك المركزى: ارتفاع احتياطى النقد الأجنبى لـ41 مليار دولار


.. سعر جرام الذهب الآن فى مصر يسجل 3100 جنيه لعيار 21




.. -ذا تليجراف-: قاعدة سرية في إيران لإنتاج المسيرات وتدريب عنا