الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المصالحة الوطنية أو الانتحار الجماعي !
العفيف الأخضر
2012 / 2 / 19مواضيع وابحاث سياسية
رسائل تونسية:
المصالحة الوطنية أو الانتحار الجماعي !
نصحت قومي... فلم يستبينوا النُّصح إلا ضُحى الغد !
شاعر جاهلي
المشهد السّياسي التّونسي أزمات متزامنة: أزمة مع المؤسسة الأمنية، ، أزمة مع المؤسّسة الجامعية، أزمة مع المؤسّسة الإعلامية، أزمة مع المؤسّسة القضائية، أزمة مع المؤسسة الإدارية، أزمة مع المجتمع السياسي ،أزمة مع المجتمع المدني خاصة مع مؤسّستيه الحاسمتين: نقابتي العمال وأرباب العمل و أخيراً، لا آخراً، أزمة كامنة مع المؤسسة العسكرية...
تتضافر المؤشرات على أن حكومة "النهضة" عاجزة عن صنع القرار الصّائب، - الذي لا يصنعه إلا العلم و الكمبيوتر و ليس صلاة الاستخارة-، و تالياً عاجزة عن ملاحقة حَشْد الأزمات بالحلول. فحدث ما كان يجب أن يحدث: الأزمات هي الّتي تلاحقها و تتحدّاها فتتراكم بعضها فوق بعض، في انتظار التحول إلى كتلة حرِجة Masse critique لن ينجو من انفجارها احد لا داخل "النهضة" ولا خارجها !
من أين أتت هذه الأزمات ؟ من عام 2011 الذي غذَّى بقوّة اللايقين و خاصة انعدام الثقة بين جميع النخب و أيضا بين جميع المواطنين كتعبير مأساوي عن تفكّك الرّابط الاجتماعي Le lien social الذي هو الاسمنت الضّروري للحد الأدنى من تماسك المجتمع: يقتحم العاطلون أماكن العمل ليقولوا لعمالها: "نحن نخدم، انتم أيضاً تخدمون... نحن عاطلون أنتم أيضاً عاطلون". هكذا، و لأول مرة في التاريخ، يبرر العاطلون تحويل العاملين إلى عاطلين مثلهم... ليكون الجميع في الشقاء سواء !
إنّها الأنانية في أكثر تجلّياتها سادية وعدمية "إذا متُّ ظمآنا فلا نزل القَطُر" ! إنها الدرجة الصفر من التضامن الطبقي،بل حتى من مجرد التآخي البشري!
ما العمل؟
البداية الصحيحة هي المصالحة الوطنية الشّاملة و الفورية. لماذا ؟ لأنها ستكون صدمة صحّية،و فرحة عارمة كفيلة بإعادة الثّقة المفقودة و ترميم الرّابط الاجتماعي الذي تفكّك حتى آخر خيط.
المصالحة الوطنية الشّاملة و الفورية هي المطلب الأكثر إلحاحا اليوم. إذ أن حرباً إجرامية و كارثية هي منذ الآن ممكنة بل محتملة، ربما في الربيع القادم ، بين إسرائيل و إيران ، أو بين أمريكا و إيران ، أُولى عواقبها الوخيمة: رفع جميع المخاطر الإقليمية و الدّولية إلى احتمالاتها القصوى. و منها ارتفاع سعر برميل النفط إلى معدلات خيالية ، فضلا عن احتمالات حرب إقليمية أو عالمية نووية، كما توقع ذلك جنرالان أمريكيان متقاعدان، قد تختزل البشرية إلى مليار أو مليارين ! كما توقع جنرال إسرائيلي: "أن الأزمة الدولية الحالية قد تؤدي إلى غابة نووية عالمية" éLe canard enchain (الأسبوعية الفرنسية 16.02.2012)
الوحدة الوطنية، التي تمر حتما بالمصالحة الوطنية الشاملة و الفورية، هي في هذه الأوقات الحرجة قضية حياة أو موت لاقتصادنا و أيضاً لبلادنا. فكلما تأخرت هذه الوحدة استفحل الانفلات الأمني و اللّا استقرار و اللّا يقين و الخوف من المستقبل و القرارات الهاذية ، من الجميع، كردّ عليها !
حرّروا جميع السّجناء السّياسيين، أوقفوا الملاحقات القضائية و شكّلوا حكومة مصالحة وطنية تضم جميع الطّيف السّياسي من "التّجمع الدّستوري الدّيموقراطي" إلى "النّهضة" مروراً بجميع أحزاب المعارضة و ممثلين عن جمعيات المجتمع المدني و الشّخصيات المستقلة بما فيها الهاشمي الحامدي.
إذا حدث و انتصر مجانين "النّهضة" على عقلائها... رافضين صدرية النجاة الجماعية هذه،فعلى عقلاء "التّكتل" و "المؤتمر" أن يتحرّروا من رِبْقَة تحالفهم الشّكلي مع غُلاة"النّهضة" ليتركوهم يواجهون الأزمات، و الفشل في حلها، وحدهم.
أمّا إذا حدث العكس و انتصر العقل على الجنون في"النّهضة"، فستشهد تونس المنكوبة بداية واعدة بتغيير ذهنية المواطن من عدم الّثقة المتبادل إلى الثّقة المعمّمة.
المصالحة الوطنية الشّاملة و الفورية ضرورية وممكنة. عائقها الوحيد هو عقلية الثأر العشائري التي عبر عنها احد قادة أقصى اليمين الإسلامي عندما قال مسفّهاً اقتراح المصالحة الوطنية: "هل ستعيد المصالحة الوطنية الصّحة لمن شُلَّت رجلاه أو ستعيد الزوج للأرملة التي فقدته إلى الأبد؟! ".إنه منطق الثأر التّعجيزي الذي واجه به المهلهل المصالحة الّتي اقترحها عليه جسّاس لوضع حد لحرب التّفاني المتبادل بين قبيلتي تغلب و بكر في حرب البسوس:"أصالحك، قال المهلهل، بشرط أن تملا بُرْدَيَّ من نجوم السّماء و أن تعيد كُليبا [=أخاه]حياً " !
على عقلاء تونس حيثما كانوا أن يقولوا: لا لهذا الجنون الثّأري الانتحاري.
تونس ما بعد 14 يناير 2011، استيقظت فيها جميع الأنانيات الفردية و الجماعية، الحزبية و الجهوية، الدينية و الدنيوية ،فلم يعد بمستطاع نخبة واحدة أو حتى مجموعة من النّخب أن تحتكر السّلطة و الثّروة و تُقْصي باقي النخب. فجزاؤها عندئذ سيكون الاحتراب ثم السّقوط (أَنظر: العفيف الأخضر. "توسيع دائرة النّظام أم توسيع دائرة العنف " ،الحوار المتمدّن 11.04.2011).
لا مفرّ في القرن ال 21 من توسيع دائرة كل نظام اجتماعي – سياسي ليشمل جميع النّخب و الطّبقات و الجهات بلا أدنى استثناء بإشراكها في السّلطة و الثّروة تفادياً لحرب الجميع على الجميع.
هل تستطيع جميع النّخب من جميع المشارب الدينية و الدنيوية أن تفك حبل المشنقة الذي بدأ يلتف حول أعناقها قبل فوات الأوان؟ ممكن، إذا تحلّت ببعد النظر و تخلّت عن مشاعر الثأر البدائية التي أعمتها عن رؤية أن المصالحة الوطنية، الشّاملة و الفورية ، هي حبل النجاة للإفلات من حبل المشنقة الموعود !
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - نظره سوداويه
نزار الحافي
(
2012 / 2 / 20 - 21:43
)
سيدي العفيف انا دائما استمتع بكتاباتك نتفق نختلف هذا شأن آخر ولكن الا تظن انك تمعن في التشاؤم الى درجة الافراط انا اتفق معاك وضد حكم الاسلاميين واكره التطرف بجميع اشكاله ديني اوغير ديني ولكن الا تتفق معي ان حكم الاسلاميين لاول حكومه بعد بن علي هي فرصه لاحراقهم واخراجهم من اللعبه السياسيه باكرا او يثبتوا انهم جديرين بالحكم في حال حققوا النمو والعداله اين الظير سيدي العفيف الحق والامانه انني اعزك واجلك ككاتب قدير ومتمكن
.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت
.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا
.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و
.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن
.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا