الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الحزب القائد إلى الدين القائد

بدر الدين شنن

2012 / 2 / 20
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


لم يأت مشروع الدستور الجديد في مناخ سياسي يسوده الاستقرار وحرية الرأي عبر المنابر السياسية والثقافية . ولم يأت في ظروف تتيح للقوى الطبقية الاجتماعية أن تعبر عن مصالحها عبر منظمات ومؤسسات نقابية ، بل جاء في غمرة أزمة سياسية عنفية شاملة تم اختراقها إقليمياً ودولياً وإرهابياً ، قد تنقل البلاد إلى الأسوا .. إلى حال يفقد السوريون فيها قدرتهم على السيطرة على سير الأحداث وعلى الحفاظ على وطنهم وتقرير مصيرهم .

ولهذا ، فإن مشروع الدستور ، قد جاء بالمجمل ، توافقياً ، بين القوى السياسية والاجتماعية القابضة على الحكم أو المنتفعة به ، حيث عزز في نصوصه وما بين نصوصه من ا ستدامة مصالح هذه القوى ومن بقائها في الحكم ، وجاء متلاقياً نسبياً مع قوى معارضة تعمل على تحقيق برنامجها الوطني الديمقراطي حيث ا ستجاب لمطالبها ، وخاصة ، في إنهاء امتيازات " الحزب القائد " الذي كان يتمتع به حزب البعث في قيادة الدولة والمجتمع ، وفي إحياء التعددية الحزبية السياسية وآليات التعبير الحرة المتعددة عن الرأي ، وفي تحديد سقف زمني لولاية رئيس الدولة . كما جاء محافظاً على عدد من المكاسب الاجتماعية التي تحققت في المراحل السابقة ، لاسيما ، أن يكون نصف مقاعد مجلس الشعب للعمال والفلاحين ، وأن تتكفل الدولة بمجانية التعليم والخدمات الصحية وغيرها .

لكن مشروع الدستور هذا ، لم يستطع التجاوب الحاسم مع متطلبات الواقع الاجتماعي المتردي على كل الأصعدة وأبرزها .. العمل .. السكن .. وانخفاض القدرة الشرائية للرواتب والأجور في أوساط الطبقات الشعبية . فقد اكتفى بتوسيع مفهوم الحد الأدنى العام للأجور ، والتأكيد على دور القطاعين العام والخاص في تحقيق النمو الاقتصادي ، الذي عليه أن يتوخى العدالة الاجتماعية ، تاركاً هذا الحسم وتحديد مضامين العدالة الاجتماعية للقوى ، التي ستفرزها العملية السياسية تحت سقف الدستور الجديد ولبرامجها السياسية الاجتماعية .

وإذا كان هناك الكثير من الملاحظات على مضامين مشروع الدستور الجديد ، فإن هناك ثلاثة مسائل مثيرة للإنتباه ، حول طريقة إعداده وطرحه على الاستفتاء ، وحول الثقة أو الضمانات لإلتزام النظام القائم بما جاء فيه ، وحول دين رئيس الدولة وتحديد الفقه الاسلامي مصدراً رئيسياً للتشريع .

من البديهي في غمرة الأحداث وتداعياتها الخطيرة أن يتم اللجوء إلى تشكيل لجنة لإعداد صيغة مشروع لدستور جديد ، وقد كان من الأفضل في ظروف أخرى يسودها الاستقرار والحرية ، أن توكل هذه المهمة إلى برلمان منتخب ديمقراطياً ، وبما أن اللجنة قد أدت مهمتها وسلمت مشروعها الدستوري للرئيس ، فقد كان من الأجدر قبل طرحه على الاستفتاء أن يطرح على الرأي العام لإبداء الرأي في نصوصه ومضامينه ، ومن ثم تعاد صياغته على ضوء الآراء السديدة حوله . وبعد ذلك يطرح على الاستفتاء لإقراره .

على أية حال ، فإن مشروع الدستور الذي سيتحول بعد الاستفتاء يوم الأحد القادم ، من مشروع إلى دستور ستعمل الدولة السورية بمقتضاه ، أو هكذا يجب أن يكون ، يطرح السؤال ، إذا سلمنا جدلاً بواقع ، أن مشروع الدستور رغم ما يحمله بنظر البعض هنا أو هناك من سلبيات قد جعله الاستفتاء نافذاً ، فما هي الضمانات أن يلتزم النظام بما جاء فيه من إيجابيات ، لاسيما المتعلقة بالحريات العامة ، والتعددية الفعلية الحزبية ، وكفالة الدولة للتعليم المجاني والخدمات الصحية ، ومفاهيما الحد الأدنى العام للأجور ، والعدالة الاجتماعية ؟

لاشك أن ارتقاء السياسة في سوريا من نظام أحادي إلى نظام تعددي ، يشكل افتراقاً هاماً بين مرحلتين سياسيتين . وحسب درجة هذا الافتراق التي سيحددها ميزان القوى السياسي الداخلي والإقليمي والدولي ، سيكون الحكم الايجابي أو السلبي الحاصل ، وسيكون الحكم على مدى التزام النظام الحاكم بما اقترحه وعمل من أجله " من إصلاحات " .. وكما أعتقد أن عامل الضمان الأساس هو الشعب .. هو مجموع القوى والتعبيرات الشعبية التي ناضلت طويلاً للحصول على الحرية ، والتي تقع عليها مهمة تكريس الافتراق الحقيقي بين المرحلتين المذكورتين .. وأكاد أعتقد جازماً ، أن حلفاء النظام على المستويين الإقليمي والدولي وفي مقدمتهم روسيا والصين ، لايمكن أن يتابعوا دعمهم للوضع السوري إن لم تتحقق الإجراءات المنوط بها إشاعة مناخ سياسي ديمقراطي جديد التي يعد بها النظام .

إنها مسألة كبيرة جداً أن يسترد الشعب السوري حريته وحياته السياسية دون حزب قائد يستدعي مصادرة السياسة وقمع الرأي وحق الاختلاف والإبداع . لكن من المؤلم أن تأتي دسترة حرية الشعب ناقصة ، عبر تكريس الطائفية في قيادة الدولة والمجتمع . فقد حدد مشروع الدستور دين رئيس الدولة وربط المصدر الرئيس للتشريع بفقه شريعة دين رئيس الولة . وانتقلنا بذلك من " الحزب القائد " إلى " الدين القائد " . بمعنى أن مشروع الدستور قد ’حمل موروثات عهود الحكم المتخلفة المتعاقبة منذ مئات السنين ، وتجاوز الحاجة الملحة وطنياً وأخلاقياً وحضارياً إلى فصل الدين عن الدولة كخطوة لابد منها.. للحرص على مكانة الدين الإيمانية والأخلاقية والثقافية والإنسانية ، ولانطلاقة الدولة كآلية ، للتحرر من إرث متخلف في ممارسة السلطة ، وفي بناء العقل و حركة الثقافة من خلال ا ستغلال الدين والمؤمنين .

ربما ، بل من المؤكد أن النصوص المتعلقة بدين رئيس الدولة ومصدر التشريع ، لم توضع عفوياً أو جزافاً ، بل هناك اعتبارات موازين ومصالح القوى السياسية والاجتماعية المتصارعة في الأزمة السورية الراهنة الداخلية والإقليمية ، خاصة وأن المعارضة بجل تلاوينها وخلفياتها لاتجرؤ على التصدي لاستحقاقات علمنة الدولة ، بل تراهن على القوى الدينية لاكتساب دعمها في حراكها لاستلام السلطة . وإذا عدنا إلى مكونات " المجلس الوطني " في استانبول لوجدنا قواه الأساسية من القوى الدينية والأخوان المسلمين . وكذلك الأمر بالنسبة لهيئة التنسيق للتغيير الديمقراطي التي يغمرها الهوى الإسلامي وتتجنب طرح ما يمس علاقة الدين بالدولة . وهذا يدخل في عداد النتائج الكارثية الوطنية والسياسية للصراع اللاديمقراطي واللاعقلاني على السلطة .

وفي هذا المقام لابد من مقاربة بعض الحقائق على الأرض .. هل من العدل ، أن يمنح الانتماء الديني المرأ امتيازاً على غيره في ديانات أخرى ، في الحرية ، والسيادة ، والكرامة .. ويمنحه شرف الزعامة والرئاسة ؟ . إذا كان الأمر كذلك .. كيف لنا أن نفضل عبد الحليم خدام المسلم الذي يدعو حلف الأطلسي الاستعماري لغزو بلده على المطران هزيم أو المطران كبودجي ..اللذين يدافعان عن الوطن والوحدة الوطنية ؟ .. كيف لنا أن نفضل الملك عبد الله آل سعود خادم الحرمين الشريفين الذي اصطف ويصطف علناً مع الدول الاستعمارية وإسرائيل ضد المقاومة وضد ليبيا وسوريا على المطران عطا الله حنا الصامد دفاعاً عن القدس والمقاومة والعروبة ؟ وكيف لنا أن نقيم أنظمة مفوتة في الخليج تزعم أنها تطبق الشريعة الاسلامية وملوكها وأمراؤها عريقون في نهب المال العام ، وحب تعدد الزوجات ، واللعب في البورصات المالية تحت الهيمنة المالية الصهيونية ، ويستمتعون بالولاء للغرب الاستعماري لحماية عروشهم .

من هنا ، فإن لم ’يلغ النص الطائفي في الدستور ، فلن تكون هناك ديمقراطية حقيقة .. ولاحرية حقيقية . إنه من العار أن يظل ’يمارس في سوريا ، التي يمتد تاريخ حضاراتها ، كما يقال ، إلى آلاف السنين ، الطائفية في الحكم بأي شكل كان . إنه لمن المخجل على أي سوري معارض أو من أهل الحكم أن يقبل بقاء النص الطائفي في الدستور .. المساواة في الحقوق تعني المساواة في حرية المعتقد وفي حقوق المواطنة .. ومثلما الكرامة لاتتجزأ .. فإن الديمقراطية والحرية لا تتجزأ ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - غفوة
خلدون ( 2012 / 2 / 20 - 18:28 )
حين يطالع احد ما هذا المقال ربما يستطيع ان يستشف المحرك الرئيسي للعقل اليساري التقدمي ( الشيوعي ) العلماني
السيد المؤلف وضع هذا المقال و تناول اكثر من مسأله لكن المسألة الرئيسية التي تقلق السيد شنن في الحقيقة هي دين رئيس الدولة و مصدر التشريع فقط
نستنتج أن العلمانية المحركة لفكر السيد شنن تختزل في محاربة الدين وكل أمر أخر يطرحة ما هو إلا ديكور اضافي للتمويه أحيانا و للزينه أحيانا اخرى
من الجلي أن السيد شنن تغاضى عن مسألة فصل السلطات التي لم يحققها الدستور و التي هي أساس الديمقراطيه ، بل ذهب ابعد من ذلك حين حرف الدستور الجديد بأن غير التسميه من ( أعراب) إلى (تعبير) في ما يخص حرية الرأي و اعتبر كما يعتبر الاغلبيه أن الامر سيان
من هنا كما ذكرت يمكننا ان نستشف أن الهدف الحقيقي للعلمانية هو تحييد الدين عن اي مشهد مهما كان ، وان اي وضع سياسي يحقق ذلك يعتبر مقبول وأن اي شكل من اشكال ربط الدين بسياسة الدولة مهما كان ثانويا أو صوريا حتى غير مقبول و محرم
بهذا تسقط العلمانية القناع الذي ترتديه دوما وهو ( حرية الدين و المعتقد في ظل الديمقراطيه )
هل من الديمقراطية أن يفرض الاغلبيه عقيدة حاكمهم ؟

اخر الافلام

.. نجل الزعيم جمال عبد الناصر: بشكر الشعب المصري الحريص على الا


.. مقابلة مع وليد جنبلاط الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي




.. فى ذكرى وفاته.. منزل عبد الناصر بأسيوط شاهد على زيارة الضباط


.. فى ذكرى رحيله.. هنا أصول الزعيم جمال عبد الناصر قرية بنى مر




.. شرطة نيويورك تعتدي على متظاهرين داعمين لفلسطين وتعتقل عددا م