الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين السياسة ألإٌسرائيلية والأيدولوجية اليهودية

فايز صلاح أبو شمالة

2005 / 1 / 11
القضية الفلسطينية


يكمن نجاح أبي مازن وفشله
ما أبهج الفوز بمكانة الرجل الأول، وما أعذب طعمه في حلق المنتصر! وكأن أشجار الطريق ترش عطر الفرح على صلد الصخر، وكأن السماء تندف ثلجاً أبيضاً على رام الله يحرك مفاصل المسنين للرقص، وكأن شهيق البشارة وزفير الصعداء يتماوج تردداً في نبرات الصوت الحالم!.
وما أشق المهمة على حاملها! وما أدق حبل السيرك الذي سيتدلى منه لاعب بهلوان يحاول أن يقطف بعض ثمر حديقته المحاصر!! لتنوء من هول محاولته الجبال في هذه المرحلة التي تتصارع فيها المصالح الإسرائيلية بين السياسة الآنية القائمة على تدارس الواقع، وبين الرؤيا الإستراتيجية للدولة اليهودية القائمة على الأيدولوجيا.
لقد كان شارون سباقاً في تبني الرؤية اليهودية العقائدية القائلة بعدم جواز التنازل عن شبر من أرض إسرائيل الكاملة، ووقف بصلابة ضد إخلاء مستوطنة (ياميت) شمال سيناء، تلك المستوطنة التي لا تحمل المكانة الروحية لمستوطنات قطاع غزة، وبعض مستوطنات شمال الضفة الغربية التي يدعو شارون بإلحاح إلى إخلائها، لم تتغير مواقف شارون الفكرية، بينما الذي تغير هو موقع شارون الوظيفي، وتقديراته المسئولة لمصالح إسرائيل السياسية، وذلك وفق ما يرد إليه من تقارير عن مستوى الانحطاط الأخلاقي الذي وصلت إليه إسرائيل في أوروبا، ومدى التحرج الأمريكي من بقاء سياسة الاحتلال، وحجم المعلومات العسكري الخطير الذي توفره إليه الأجهزة الأمنية، والتي تشير بمجملها إلى أن البديل عن الانسحاب الإسرائيلي السياسي المنظم مدفوع الأجر مقدماً؛ هو الإكراه على ذلك دون مقابل.
في مقابل شارون السياسي يتخندق خلف الأيدولوجيا اليهودية قطاع عريض من الحاخامين العقائديين الذين ما زالوا يؤثرون التاريخ اليهودي على الواقع السياسي، وما زالوا يرون بالحلم واجب التحقق، وبالتالي فهم يعارضون إلى حد المواجهة، والتصدي بقوة الجسد والمال كل محاولة للمس بالحلم اليهودي المعتق، وحثوا قادة اليهود أينما كانوا وفي مقدمتهم الحاخامين في إسرائيل على الإعراب عن معارضتهم للإخلاء بصوت عال تصل أصداؤه كل ناحية في العالم، وذلك في ضوء "التصرف الشرير الذي تنتهجه حكومة إسرائيل ومن يقف على رأسها". ودعوا كل يهودي إلى تقديم العون بجسده وأمواله وروحه لنصرة أبناء إسرائيل.
هؤلاء الحاخامون يصفون قرار الحكومة الإسرائيلية التي يتزعمها شارون بإخلاء بعض المستوطنات "بأنه فضيحة وعار بحسب التوراة وبحسب أي معيار أخلاقي آخر، واعتبروا تنفيذ خطة الإخلاء أمرًا محظورًا وذلك "لأن أرض إسرائيل عطية من الله ولأنها ستحفز القتلة على حد قولهم، وتعرض جميع سكان الدولة للخطر، ويرى الحاخامون أنه يُحظر منح ممتلكات أرض إسرائيل للأغيار، وأنه من المؤسف أننا نضطر إلى تحميل حكومة إسرائيل ومن يقف على رأسها بشكل مباشر المسئولية"
لقد وجد هذا الفكر الأيدلوجي اليهودي صداه الميداني، إذ عبر عدد من ضباط الاحتياط الإسرائيليين عن نيتهم رفض الأوامر العسكرية المتعلقة بإخلاء مستوطنات، في إطار "خطة الانفصال"، ولم يعدلوا عن رأيهم الذي عبروا عنه برسالة بعثوا بها إلى قائد لواء بنيامين، العقيد ميكي إيدلشتاين.
مثل هذه الظاهرة أثارت قيادة الجيش، وحركت وزير الدفاع شاؤول موفاز إلى القول في لقاء عقده مع جنود إسرائيليين في شمال الضفة الغربية أنه "يطلب من الجنود تطبيق القانون والنظام ويجب في ضوء ذلك التنديد بظاهرة رفض تنفيذ الأوامر بكل شدة لأنها تخلخل أسس الديمقراطية، وأوضح للجميع بأن كل قرار تتخذه حكومة إسرائيل والكنيست يرفرف فوقه علم إسرائيل". ولعل من البديهي هنا التأكيد أن لجوء موفاز إلى علم إسرائيل للاحتماء به ليس دليل قوة بقدر ما هو دليل فشل وخوف من موقف المعارضين المستند إلى رؤيا دينية، ودليل عودة موفاز نفسه إلى الأيدولوجيا اليهودية يوظفها لدعم مواقفه.
وهذا ما أكد عليه رئيس الأركان (يعلون) عندما قال: إنه يحظر على أي شخص استغلال منصبه ورتبته لتحقيق غايات سياسية، وأكد أنه إذا لم يعدل الضباط عن عريضتهم بشكل كامل سيتم طردهم من صفوف الجيش، مضيفًا أن الجيش الإسرائيلي ينشط في دولة ديمقراطية وينفذ المهام الملقاة عليه.
لقد اختصر شارون الصراع بين الإسرائيلي والأيدلوجي في خطابه الشهير في مؤتمر هرتسيليا عندما أعلن شارون: أن العام 2005 سيكون عام حسم، أو ستكون سنة 2005 سنة تفويت الفرصة الكبري.
فأين طاقة رئيس السلطة الفلسطينية الجديد ( أبو مازن)من هذا الصراع الإسرائيلي اليهودي؟ ماذا يمتلك من وسائل الضغط على الإسرائيليين ليعجلوا من خطوات الفصل؟ وماذا يمتلك من مواقف تجبر العقائديين منهم إلى إعادة الحساب بالبقاء نفسه على حسبة التمدد؟
إن مجرد التفكير في تطورات الخريطة السياسية في إسرائيل بعد ستة أشهر من الآن، ومدى استمرار التحالف القائم حتى تنفيذ خطة الفصل، ومستوى ردة فعل المستوطنين ومن خلفهم حاخامو اليهود، ورجال متعصبون، في حالة الشروع في تنفيذ الإخلاء، وما سيحدثه أي تطور من ردة فعل داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، وكيفية انعكاس هذا التطور على حزب الليكود ذي الأصول العقائدية، إن تخيل التطورات على الساحة الإسرائيلية كفيل بأن يحيل فرح الفوز برئاسة السلطة الفلسطينية إلى نتوء الترقب وملح الانتظار.
فكيف لو وقع المحظور، وعمل الرئيس الفلسطيني الجديد على تكميم أفواه ما تبقى من بنادق وقذائف ما زالت تتردد أصداؤها، كضمان لنصب أي طاولة تفاوض قد تقام في المستقبل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفق ما يطالب به الإسرائيليون؟
إن في تعجيل الخطوات الداخلية الفلسطينية نقل للصراع الأيدلوجي من الساحة الإسرائيلية المتأججة، إلى الساحة الفلسطينية الهادئة، وفيه إعفاء للمجتمع الإسرائيلي من مواجهة استحقاق المرحلة السياسية، إنما في تريث الرئيس الجديد في تنفيذ خطوات عدم عسكرة الانتفاضة كما أطلق عليها، إلى ما بعد تنفيذ الخطوة الإسرائيلية الأولى من أخلاء مستوطنات، فيه من الانتظار المريح للرئيس الجديد، وفيه فرصة لجلاء قوة السياسي الإسرائيلي، واختبار لمدى صلابة وتعنت موقف الأيدلوجي اليهودي.
د. فايز صلاح أبو شمالة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة الاختراق الأمني الإسرائيلي للجزائر؟| المسائية


.. 5 ا?شكال غريبة للتسول ستجدها على تيك توك ?????? مع بدر صالح




.. الجيش الإسرائيلي يشن غارات على رفح ويعيد فتح معبر كرم أبو سا


.. دعما لغزة.. أبرز محطات الحركة الاحتجاجية الطلابية في الجامعا




.. كيف يبدو الوضع في شمال إسرائيل.. وبالتحديد في عرب العرامشة؟