الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلطان العلماء وفقهاء السلاطين

إكرام يوسف

2012 / 2 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في الستينيات من القرن الماضي، حيث الروح الوطنية يلهبها إعلام يلح على تأجيج حلم قومي، تحطم مع هزيمة يونيو 67، كنت في المرحلة الابتدائية، من الجيل الذي أنشد في سنوات طفولته الأولى "والحصار، الاقتصادي برضه ماذلش بلادي"، ولم يكن تعدى سنوات الطفولة بعد إلا ووجد نفسه يغني "وبلدنا عالترعة بتغسل شعرها.. جانا نهار ماقدرش يدفع مهرها"!
وفي الخامسة الابتدائية، عشت انكسار قلوب الكبار وذقت مرارة طعم القهر الذي تجرعوه من الهزيمة، وعرف القلب الطفل للمرة الأولى خيبة الأمل.. لكنني أذكر كيف انطلق الجميع بعد ذلك محاولا لملمة بقايا الحلم، وتجاوب البسطاء مع دعوات "تبرعوا للمجهود الحربي"، وإقبال سيدات العائلة على التبرع بكافة حليهن، ولا أنس كيف لم يطاوع إحداهن قلبها على خلع "دبلة "الزواج كأخواتها، فطالبنها ألا تحمل نفسها فوق ما لاتحتمل.
وبمرور الوقت، أضيف إلى الوعي مفردات مثل "شد الأحزمة على البطون"، بحجة تدبير اقتصاد الحرب من أجل تحرير الأرض. وفي البداية تجاوب المصريون مع الدعوة، ثم بدأت ثقة المصريين في النظام الحاكم تتآكل مع اكتشاف أن الفقراء وحدهم يشدون الأحزمة على بطون خاوية أصلا، بينما بدأت علامات البذخ المستفز تظهر على طبقة الرأسماليين الجدد من محاسيب النظام وفسدة الجهاز الحكومي، فيما سمي وقتها بسياسة الانفتاح ورموزه "القطط السمان". وبمرور الوقت تصاعد السخط الشعبي، و تفجر عفويا في انتفاضة يناير الشعبية 1977. وكانت ظاهرة "علماء السلاطين" قد استشرت في ظل نظام اختار "دولة العمل والإيمان" لافتة له و"الرئيس المؤمن" لقبا لرئيسه. فأفتى واحد من علماء السلطان بتطبيق حد "الحرابة" على من لفقت لهم تهمة تنظيم "انتفاضة الحرامية" كما أسماها السلطان!
وقبل اغتيال السادات بعام، في سبتمبر 1980 قرر وقف ذبح اللحوم الحمراء شهرا والاكتفاء بلحوم الدواجن، بحجة مواجهة جشع التجار. وتناقل الناس أن إنتاج مزارع صهره من الدواجن كانت المستفيد الأكبر من هذه المقاطعة الإجبارية. فضلا عن أن قطاعًا كبيرًا من الناس كان قد بدأ ينسى طعم اللحوم أصلا، ولم تعد ضمن اهتماماته مع استشراء سياسة الانفتاح واتساع الهوة الطبقية. ولم يعدم السلطان علماء يفتون للناس بمزايا الزهد، وأطباء أيضا يتفانون في إظهار عبقرية الغذاء النباتي وخطورة أكل اللحم الأحمر؛ فرد عليهم شاعر الشعب أحمد فؤاد نجم بصوت مغني الشعب الشيخ إمام وعوده: "انتو سيبونا نموت باللحمة وانتو تعيشوا وتاكلوا الفول"!
وفي عهد المخلوع، يحكي ابني عندما كان ورفاقه يجهزون قوافل الإغاثة للفلسطينيين، كان إقبال المصريين البسطاء مؤثرا، لثقتهم في صدق القضية ونزاهة القائمين على تجهيز القوافل؛ حتى أن سيدة فقيرة جاءته يوما ومعها ذكر بطر قالت له إنها لا تملك غيره (بيعوه وادوا حقه للفلسطينيين"!). ولكن عندما توحش الفساد العائلي الذي يقصر الاحتكارات على عائلات تربطها المصالح بأسرة المخلوع؛ فقد الشعب الثقة في نظام بدأ عهده بحملة "تبرعوا لسداد ديون مصر" لم يعرف أحد أين ذهبت حصيلتها من جيوب الفقراء والموظفين الحكوميين الذين فرض عليهم التبرع، والعاملين في شركات قرر أصحابها مجاملة السلطان من جيوب مستخدميهم. فضلا عن غموض مصير القروض والمعونات الخارجية. وما عرف عن تربح ابنه الذي كان يعده للوراثة من شراء ديون مصر. واستغلال ولدي المخلوع نفوذه وفرض نفسيهما شريكين في العديد من الشركات الاستثمارية، حتى يضمن أصحابها تسهيل أمورهم! ناهيك عن سيطرة المخلوعة على جمعيات تتلقى تبرعات هائلة من الخارج، لم يعرف حتى الآن فيم كانت تنفق هذه التبرعات.. وهذا غيض من فيض تقارير، يتم التحايل لطمسها أو إخفائها، والاكتفاء بمحاسبة المخلوع على ثلاث فيلات تقاضاها رشوة من شريك له!
ومع إحباط شعب فاض به الكيل على فساد هبط بنحو أربعين في المائة من أبنائه لما دون مستوى الفقر، وجعل التعليم، والعلاج السليم، والسكن الإنساني، والوظيفة الشريفة حلما لا يخامر خيال الفقراء. ولاحت بوادر ثورة جياع في الأفق؛ غير أن شباب الطبقة المتوسطة استبقوا الأحداث بإطلاق ثورة حضارية أبهرت الدنيا. فإذا بمن يتولون أمور البلاد يحتالون لإجهاضها، والتنكيل بالثوار، والمماطلة في استعادة ثروات البلاد ومحاسبة ناهبيها. ويخرج علينا علماء السلاطين مرة أخرى يهاجمون الثوار لاستكمال الثورة، ويبلغ الفجر بأحدهم حد اتهام من لا يزالون قابضين على جمر الثورة بأن "قتيلهم ليس شهيد ثورة، ومصابهم ليس مصاب ثورة"!.
ثم تتوالى محاولات ترويع المواطنين، من انفلات أمني ينطلق بقدر، وفي موعد محسوب، ويتوقف عند اللزوم ـ يتناسى محركوه أن السحر غالبا ينقلب على الساحر، وأن البلطجية الذين يمكنهم التحكم في حركتهم حتى الآن، سرعان ما سيعملون لحسابهم الشخصي ـ إلى الترهيب من تدهور الأحوال الاقتصادية، واقتراب البلاد من الخراب. وسرعان ما يجدون أيضا من يطمحون للعب دور فقهاء السلاطين، يطالبون الفقراء بتحمل فاتورة الفاسدين بحجة الاستغناء عن معونات استعمارية. وهي قولة حق يراد بها باطل، فلطالما حذرشرفاء الوطن من معونات مغمسة بدماء الفقراء، تتضخم معها جيوب الحكام الفاسدين، ويصرف جلها على بدلات الولاء، ويذهب بقيتها إلى المانحين: فوائد هائلة تجبى من سيادة الوطن وعرق كادحيه.
فلماذا لا يعمل هؤلاء بفتوى سلطان العلماء العز بن عبد السلام للملك الناصر: " جاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا ما لكم من الحوائص المذهبة والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا". ولماذا لا يطالبون المسئولون وقادة المجلس العسكري وكبار أثرياء الوطن، أن "يتساووا هم والعامة" ولا يأخذون أموال العامة مع بقايا في أيديهم من الأموال والآلات الفاخرة والشاليات والعمارات والأطيان والسيارات والاستثمارات....إلخ.
وعندما أراد السلطان قطز الاقتراض من التجار من أجل تجهيز الجيش لقتال التتار ـ مع قلة ما في بيت المال ـ قال له: " إذا أحضرت ما عندك وعند حريمك، وأحضر الأمراء ما عندهم من الحلي الحرام وضربته سكة ونقدًا، وفرقته في الجيش، ولم يقُم بكفايتهم، ذلك الوقت أطلب القرض، أما قبل ذلك فلا".
فكان قطز أول من طبق الفتوى على نفسه وباع كل أملاكه وتبعه الأمراء وحريمهم، لذلك كان النصر حليفه. وهكذا ينتصر القادة الحقيقيون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سلطان العلماء وعلماء السلطان
ابواحمد1 ( 2012 / 2 / 21 - 09:20 )
تحيتي للسيدة اكرام
هذه الامة التي انجبت العز بن عبد السلام والكثيرين امثاله للاسف انجبت كذلك كما كبيرا من علماء السلاطين الذين باعوا دينهم بتراب من الارض افسدوا به دين الناس ودنياهم وفتحوا الباب على مصاريعه لضرب ثقة الناس في العلماء خاصة في هذا الزمان الرديء


2 - اناخائف
يماني يؤمن بالحوار ( 2012 / 2 / 22 - 06:02 )
والله ياسيدتي انا خائف ان تنجب الامة عالما كالعز بن عبدالسلام سلطان العلماء
لانه سيفتي باقامة حدة الردة علي وعليك لانك لاتحتشمين وتخالطي الرجال
الله يعينكم على الحنين الى منهج السلف الصالح

اخر الافلام

.. متداول.. أجزاء من الرصيف الأميركي العائم تصل شاطئا في تل أبي


.. قطاع الطاقة الأوكراني.. هدف بديل تسعى روسيا لتكثيف استهدافه




.. أجزاء من الرصيف الأمريكي الذي نُصب قبالة غزة تظهر على شاطئ ت


.. حاملة طائرات أمريكية تصل إلى كوريا الجنوبية للمشاركة في تدري




.. طلاب فرنسيون يحتجون من أجل غزة بمتحف اللوفر في فرنسا