الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صادقون مع شعبهم ..صادقون مع أنفسهم!

سنان أحمد حقّي

2012 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


كتبت الأستاذة الشاعرة والكاتبة بلقيس حميد حسن مقالا مؤثّرا عن سادة النزاهة في العراق..وأستاذتنا العزيزة لم تجانب الحقيقة أبدا بالرغم وجود حالات استثنائيّة إعترضت مسيرتهم بين الحين والآخر كما يحدث دائما وفي كل الحركات السياسيّة عريضة التنظيم والتي تعرّضت لاضطهاد متواصل لمدّة طويلة من الزمن
وأنا أستميح القارئ الكريم في أن أسترسل قليلا في بعض جوانب الإخلاص والنزاهة التي تمتّع بها كثير من الشيوعيين منذ أن سمعنا بهم في أول عهدنا بالشأن العام ..
سمعت أحد العراقيين يتحدّث عنهم في إذاعة (BBC )في الأيام الأولى بعد الإحتلال عام 2003 وكان من أبناء الديانة الموسويّة( اليهود) قال: كنت ـ هو ـ قد انتميت للحزب الشيوعي العراقي حديثا وفي يوم من الأيام كان الإجتماع ثقافيا ولم يكن استعدادي جيدا وربما استهنت قليلا بالحاضرين بسبب أن أغلبهم من أرباب الحرف البسيطة وظننت أنني أوسع منهم معرفة ( لأنه كان خرّيج إعداديّة)حتّى سأل مسؤول الخليّة سؤالا موجّها لي فأجبت بإيجاز وسذاجة وهنا إنبرى أحد الرفاق وكان إسكافيا ما زالت أحدى أصابعه المتورّمة ماثلة أمامي ليجيب إجابةً وافية ومفصّلة إستغرقت حوالي خمسة دقائق كاملة إستشهد فيها ببعض المصادر والكراريس والمنشورات الحزبيّة فدّهشتُ دهشةً كبيرة كان من شأنها أن تجعلني لا أحضر إجتماعا إلاّ وقد حضّرتُ له تحضيرا عميقا
هؤلاء كانوا هم الشيوعين وكانوا يتلقّون أعظم الدروس في مدرستهم تلك التي لم تكن سوى معهدا ثقافيا وسياسيا ومدرسة للشعب
إنني وشأني شأن كثير من الناس من أبناء شعبنا قد لا نتّفق مع بعض سياسات الحزب وقد تكون لنا وجهات نظر مختلفة وأظنّ أن عددا من أعضاءه كذلك أيضا ولكننا نحترم جدا الجهود التي بذلوها في سبيل تربية مساحة عريضة من أبناء شعبنا ثقافيا وسياسيا وأخلاقيا ولا سيما في أمر النزاهة والحرص على التحلّي بمثل ومبادئ راسخة وثابتة وأنهم عندما يُكلّفون بمهام وطنيّة فإنهم يؤدّونها بإخلاص وتفاني لا مثيل له.
ومن ناحية أخرى فإن سياسة الحزب دائما تصحبها برامج تثقيفيّة مفصّلة يُلزم الكادر الحزبي برمّته بدراستها على مدى فصل كامل هذا عدا البرنامج الثقافي الذي يضعه عدد من أعلى الكوادر المركزيّة ولهذا لا تجد عضوا خارج التنظيم أو داخله إلاّ ويتحدّث وفق منهاج ورأي الحزب أمّا رأيه الشخصي فيحتفظ به لنفسه أو يطرحه داخل التنظيم لكي يتيح الفرصة لمناقشته أو رفعه للمستويات الأعلى
كل هذه الدقّة في التنظيم جعلت من كوادره يشعرون أن هناك حزب بأكمله يتابعهم ويتابع آراءهم وأقوالهم وأنهم لا ينفلتون في الغالب للتصريح بآراء كيفما اتّفق .
كم تمنّيت الآن لو اتّبعت كل الأحزاب السياسيّة الحاليّة هذا الأسلوب في التنظيم والتثقيف حيث يتم تثقيف جميع الكوادر بكل ما هو مطروح على الساحة السياسيّة وكذلك بالشعارات الوطنيّة والتي تتطلبها المرحلة الوطنيّة .
إنهم يتعلمون أن العمل السياسي ليس لعبة أو مغامرة بل هو مسؤوليّة وله قواعد وأسس كما أن للسياسة علوم وعلوم أخرى مرتبطة معها كالإقتصاد السياسي والفكر الفلسفي كمنج للتفكير السليم ولهذا فكلما مضى على الأعضاء فترة أطول كلما تجانس أعضاء الحزب تنظيميا وثقافيا وأخلاقيا.
وبالرغم من أن معظم الشيوعيين لا يعتبرون أنفسهم معنيين بالإيمان ولا أقول جميعهم لأنني عرفت منهم من كان مؤمنا أو قوميا لا يفرّط بدينه أو قوميّته رغم ماركسيّته أقول رغم ذلك فإن الغالبيّة منهم يتمتّعون بأخلاق عالية وعفّة وتجرّد ويتحلّون بأعلى أشكال (النزاهة) والإخلاص ولا أقول كلّهم لأن ظروف العمل السرّي تُفرز حالات شاذ ّة.
حتّى أولئك الذين تركوا التنظيم أو بدّلوا أفكارهم أو مبادئهم فلقد تجد بينهم كثيرٌ ممن احتفظوا بتلك الدروس الأساسيّة التي تلقّوها عند ارتباطهم بالحزب الشيوعي ، وبذلك أسدى الحزب خدمة كبيرة للحركة الوطنيّة وأصبح مدرسةً بالغة التأثير في الوسط الجماهيري وكم حاولت قوى كثيرة أن تتماهى مع أسلوب الحزب سواءً في العمل السياسي أو الثقافي فضلا عن العلاقات الرفاقيّة التي تفوق علاقات رفقة السلاح إخلاصا ووفاءً .
ونحن اليوم أحوج ما نكون لكي نسترجع تلك الدروس التي جعلت من أبناء أكثر طبقات الشعب حرمانا يتقدّمون إجتماعيا على سواهم ثقافيا وسياسيا ويحوزون على ثقة الشعب وكم خرج علينا من بين تلك الحشود المحرومة رجال ونساءُ تقدّموا الصفوف وأصبحوا قادةً مخلصين أوفياء جديرين جدا بالمواقع التي شغلوها وباحترام شعبهم لهم
نعم ست بلقيس ، إن ما قلته هو عين الصواب ولكننا نحتاج وبشكل ملحّ أن تقتبس حركتنا الوطنيّة تلك الدروس وتلك الجهود وتطبقها بإبداع في كل فصيل وطني مهما كانت رؤيته السياسيّة لأنها هي نفسها مبادئ الوطنيّة التي يجب أن يرضعها كل مواطن عراقي وهي المنهج الذي يستطيع وحده أن يُخرجنا من التناحر والأنانيّة إلى المحبّة ونكران الذات ..فقد حان الوقت لبناء المواطن والوطن وتنزيهه من حب الذات والأنانيّة وبذر الكراهية ولنا في تراث وطننا الغالي عناصر كثيرة يمكن الرجوع إليها لنستلهم الدروس البليغة.
أشكرك يا سيّدة النزاهة يا شاعرتنا وكاتبتنا الرائعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا قال النائب الفرنسي الذي رفع العلم الفلسطيني في الجمعية


.. لا التحذيرات ولا القرارات ولا الاحتجاجات قادرة على وقف الهجو




.. تحديات وأمواج عاتية وأضرار.. شاهد ما حل بالرصيف العائم في غز


.. لجنة التاريخ والذاكرة الجزائرية الفرنسية تعقد اجتماعها الخام




.. إياد الفرا: الاعتبارات السياسية حاضرة في اجتياح رفح