الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السباحة في الماء بلا بلل..!!

حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)

2012 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


لا أعرف دور أو حجم الأخوان المسلمين في الثورة السورية، ولا استبعد فوزهم في الانتخابات بعد الإطاحة بالنظام، على غرار ما حدث في مصر وتونس. بيد أن ذلك لا يعني الاصطفاف إلى جانب نظام آل الأسد، وتجاهل حقيقة أن النظام يشن حرباً على شعبه، ويزعم، كاذباً، الدفاع عن قيم علمانية وتقدمية وقومية تبرر ما ارتكب من جرائم، وما داس من حريات.
أسوأ أنواع المعادلات أن نجد أنفسنا في موضع المفاضلة بين الإخوان المسلمين وأنظمة الطغاة. وهذا ناجم عن اختزال الواقع في ثنائية لا ترى ما فيه من ظلال بقدر ما تسعى للتدليل على وجود لونين هما الأبيض والأسود. وهذه الثنائية هي الخلاصة الموضوعية لموقف الشاعر السوري أدونيس من الثورة السورية. المشكلة ليست في اتهامه للإخوان المسلمين بالفاشية، بل في ميوعة موقفه من نظام آل الأسد.
ولا أعني بالنظام، هنا، الجيش والمخابرات وشبكات القربى التي تملك الدولة والشعب، فقط، بل المنظومة الأخلاقية والسياسية والثقافية القائمة على رفع الكلفة بين الحقيقة والكذب إلى حد جعل من سورية جمهورية على الورق وملكية على الأرض، تقدمية على الورق وطائفية على الأرض. والمشكلة، هنا، سياسية بامتياز، بقدر ما تكون السياسة فعلا ثقافياً، وتكون الثقافة ممارسة سياسية. وفي هذه المعادلة، بالذات، يتجلى دور المثقف المنشق أو المستقل الذي يملك ما يمكنه من العثور على الثقافي في السياسي والعكس صحيح.
وقد كان أدونيس مثقفاً منشقاً، أو هذا ما أراد الإيحاء به، على مدار سيرته الطويلة. بيد أن الميوعة تبرر التشكيك في ذلك الدور. وإذا كان من الممكن العثور على ما يكفي من الشواهد لتبرير التشكيك في هذا الدور، إلا أن الوقوف عند هذه النقطة يُفقر التحليل، فمشكلة أدونيس ليست شخصية أو فردية، بل مشكلة جيل من المثقفين العرب كان مفتوناً بالقضايا الكبرى والجموع إلى حد يبرر غض الطرف عن حقيقة أن اختبار صدقية الكبير والجمعي لا يتأتى دون العثور على ما يبررها في الصغير والفردي. لذا، خذلته الأيديولوجيات التي اعتنقها، والأنظمة التي عانقها. وفي زمن فورة وثروة النفط، وتحوّل الأنظمة "التقدمية والقومية والعلمانية" إلى دكتاتوريات سافرة أصبح غض الطرف جزءاً من منظومة رفع الكلفة بين الكذب والحقيقة، بكل ما ينطوي عليه الأمر من ضرورات تكاد تكون يومية، تقريباً، للقيام بتسويات ومفاوضات وحسابات تمكّن هذا العامل في الحقل الثقافي أو ذاك من الخوض في الماء دون أن يبتل.
وطالما نحن في سيرة الماء والبلل، فلنفكر في أحد المواقف التي أراد لها صاحبها أن تكون مناسبة للنيل من ثقافة بعينها عن طريق التنكيل بأحد ممثليها. والكلام، هنا، عن الناقد السعودي عبد الله الغذامي، الذي استفتته مؤسسة إعلامية سعودية بشأن موقف أدونيس من الثورة السورية. اتهم الغذامي أدونيس بالعمى الثقافي وفي هذا الصدد يقول: "صاحب العمى الثقافي هو شخص يرى العالم وفق معياره هو، وإذا تغيّر العالم إلى معيار آخر أو سلوك آخر مختلف عن سلوك الذات المثقفة تبدأ هذه الذات بالسحق والمحق والتقليل من شأن الطرف الآخر". يا سلام.
الغذامي يتكلّم في النقد الأدبي ويحلل النصوص وأشياء من هذا القبيل، وطالما كان الأمر كذلك، فربما من المفيد تذكيره بحقائق من نوع أن لا أحد في الكون يرى العالم إلا من خلال معياره هو، وأن المشكلة ليست في الشخص بل في المعيار، فثمة من المعايير ما يقبل بالتعددية سواء تعددية المعايير نفسها، أو التباين في إطارها، وثمة من لا يقبل بها إلى حد يبرر فرض معيار واحد على جماعات بأكملها من بني البشر، وممارسة السحق والمحق والتقليل من شأن الطرف الآخر.
وبما أن الغذامي يعيش في ظل منظومة سياسية وثقافية تعتبر من التجليات الأركيولوجية لعصر ما قبل الدولة الحديثة، فمن المدهش، حقاً، فشله في اكتشاف أوجه الشبه بين المطاوعة بالمعنى الديني والسياسي والثقافي في بلاده، الذين يمارسون السحق والمحق والتقليل من شـأن الآخر، وبين مثقفي نظام آل الأسد (ولا أصنّف أدونيس بينهم رغم وضاعة موقفه من الثورة السورية) وغيره من أنظمة الطغاة.
بيد أن الفشل لم ينجم عن السهو بل عن سابق إصرار وترّصد، وهذا ما تؤكده العبارة التالية في سياق الفتوى نفسها يقول الغذامي عن أدونيس وأمثاله (لاحظوا أمثاله): "الكون من حولهم تغيّر، ولم يتغيّر ما لديهم هم كقادة للتفكير والتغيير، وهو عاجز أن ينظر إلى هذا المتغيّر، ولم يدرك أن الرأي العام الجماهيري هو المتشكل الآن".
وإذا أعدنا تركيب هذا العبارة نكتشف أن الحكم للمثقف أو عليه يستمد مرجعيته من الاحتكام إلى الرأي العام الجماهيري "المُتشكل الآن". وبقدر ما يعنينا الأمر فإن تعبير الرأي العام الجماهيري "المُتشكل الآن" مُفخخ أو ملتبس في أفضل الحالات. هل في الكلام عن الرأي العام الجماهيري "المُتشكل الآن" إحالة إلى فوز الإسلام السياسي في الانتخابات أم إلى مفاهيم مثل الاحتكام إلى صندوق الاقتراع، وتداول السلطة، وتكوين الأحزاب السياسية، وحرية الاعتقاد والتفكير والتعبير؟
تُجيب على هذا الغموض عبارة أخيرة في كلام الغذامي يقول عن أدونيس "إنه يمثل الحداثة الرجعية، وهو يمثلها فعلاً، والآن يتكلم باسمها، ويريد العودة إلى زمن مضى به مسيطر، إما مسيطر سياسي أو طاغية ثقافي".
اللعب بالألفاظ في هذا المقام غير مفيد، ويُفضل التعامل مع عبارة من نوع "الحداثة الرجعية" كنوع من الكلام الفارغ، إلا إذا اعتبرنا أنها تندرج في باب نقد الحداثة. وقد خصص شخص في السعودية، قبل سنوات، أطروحة من بضعة آلاف من الصفحات لنقدها، وتحوّلت في العقود الأخيرة إلى أحد الموضوعات المفضّلة لدى ممثلي الإسلام السياسي للتدليل على رفض الجسد العربي مرفوعاً على ساعد هوية إسلامية لا تزول ولا تدول لأيديولوجيات ومفاهيم غربية غازية.
نقيض الحداثة الرجعية (اقرأ العلمانية)، إذاً، حداثة لا يسيطر فيها السياسي والطاغية الثقافي، وإذا كان الغذامي عاجزاً عن إدراك أو حتى إبداء تحفظات بشأن فوز الإسلاميين في الانتخابات، بعد ثورات لم ترفع شعاراتهم، واحتمال ألا يكون زمن الطغيان السياسي والثقافي قد مضى وانقضى، يكون قد سبح كثيرا وبعيداً ولم يبتل. هللويا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق المشاهد الأولى لحطام طائرة الرئيس الإيراني


.. ما الأثر الذي سيتركه غياب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزي




.. جو بايدن يواجه احتجاجات من خريجي كلية مورهاوس في أمريكا


.. رجل سياسة ودين وقضاء.. تعرف على الرئيس الإيراني الراحل إبراه




.. ”السائق نزل وحضني“.. رد فعل مصريين مع فلسطيني من غزة يستقل ح