الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحب والعاصفة 3

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2012 / 2 / 21
الادب والفن


وصلت الى البيت والساعة تشرف على العاشرة مساءً. اتّجهت الى غرفة الجلوس فلم أجد فيها أحدا. "ولـيد!" ناديت، ولكن لم أسمع ردًا. لم يكن هناك أحد أيضا في المطبخ. دخلت الى غرفتي المشتركة مع أختي الصغيرة فادية لأجدها على سريرها تقرأ كتابا تهيّؤًا للنوم.
"أين وليد؟" سألتها وأنا أضع حقيبتي على المنضدة الصغيرة القريبة من سريري.
"في الحديقة."
"معه أحد؟"
"لا. ولكن عمي كان هنا."
خرجت الى الحديقة الصغيرة التي يؤدي اليها باب زجاجي كبير في الطرف البعيد من غرفة الضيوف، تلك الحديقة المحبّبة لدينا بهدوئها اللطيف، وجوها الجميل الذي يعبق برائحة النعناع النفّاذة. رأيته جالسا هناك على الأرجوحة الخشبية الواسعة يتأمل نجوم السّماء في عتمة الليل الجميل. اقتربت منه قائلة: "مساء الخير."
فانتبه اليّ وابتسم ابتسامته العذبة التي تبعث الراحة في النفس. "هنادي!" قال. "كيف كانت الحفلة."
جلست بجانبه وأنا أجيبه: "كانت جميلة جدا. أكلنا وشربنا ورقصنا... مثل أية حفلة."
ثم سأل بصوت يتأرجح بين الجد والمزاح: "ومن كان هناك في الحفلة؟"
"ما بك يا وليد؟" قلت متذمّرة. "ألا تثق بي؟"
فضحك وطوّقني بذراعه. "هنادي، يا هنادي... طبعا أثق بك. ولكن قولي لي أنت، لماذا تغضبين بهذه السّرعة؟"
"لست غاضبة. ولكن كلامك يجعلني أفكّر أحيانا أنك لا تثق بي. أنت تعرفني أكثر من أي شخص آخر."
"طبعا أعرفك... وأثق بك. والآن، هيا، ابتسمي لي."
تنهّدت قليلا ثم استنفضت ابتسامة صغيرة وأرسلتها نحوه. فكّرت بيني وبين نفسي أن مثل هذا الكلام لم يكن يثير غضبي من قبل، فأنا أعلم أنه بذلك يلعب دور الأب الذي يخشى على بناته من كل شاردة وواردة، ذلك الأب الذي فقدناه منذ عشر سنوات. فلِم غضبت اليوم؟ احترت في أمري.
نظرت اليه، فرأيته يرمقني بعينيه وكأنه يتأكّد من راحتي النفسية، ثم قال برقة: "والآن، وبعد أن ابتسمت من جديد، هل بإمكاني أن أسألك شيئا؟"
"طبعا، تفضّل."
زفر نفسا طويلا، وقال: "الى متى؟"
"ماذا تقصد؟"
"أقصد رامز. عمّك كان هنا قبل دقائق وتحدّث إليّ مرةً أخرى."
تأفّفت بصوت مسموع وقلت باستياء بالغ: "وليد، لقد تحدّثنا كثيرا في هذا الأمر."
"أنا لم أعُد أعرف ماذا أقول لعمّك. بتّ أخجل منه. أرجوك يا هنادي، فكّري في الأمر جيّدا."
"أفكّر في ماذا؟ ظننت أننا اتّفقنا أن دراستي هي الأهمّ الآن. لا أريد التفكير بأي شيء من شأنه أن يعيق دراستي."
"ولكن ذلك لن يعيق دراستك، وأنت تعلمين كم يهمّني أن تكملي دراستك. لقد اتّفقت مع عمّك أن تتمّ الخطبة الآن، ثم بعد سنتين، بعد أن تتخرّجي أنت من الجامعة ويكون هو قد جهّز البيت واستقرّ في عمله، يتمّ الزواج."
"هكذا؟! تتّفق معه دون علمي؟"
"ها أنا أخبرك."
"تخبرني؟ بعد أن اتّفقتما أنتما الإثنان على كل التفاصيل! ماذا بقي لي؟ أليس لي رأي في الموضوع؟"
"عزيزتي، أنت كل الرأي!"
"وأنا لست موافقة! لست جاهزة الآن."
تنهّد وليد تنهيدة فيها يأس، ثم قال بصوت هادئ تلوح منه الخيبة: "حسنا، كما تشائين."
أطبق علينا صمت واجم. حاولت التحرّر من انفعالي الشديد الذي يصيبني به ذكر هذا الموضوع في كل مرة. فأنا لم أكن أطيق ابن عمي رامز منذ الصّغر. كنت أتقزّز من فظاظته وخبثه وسماجته. كنت أمقته! ولكني لم أكن أجرؤ على رفضه. فقد وعد والدي أباه قبل وفاته بأن يزوّجني لابنه. ثم بعد وفاته ساعدنا عمي كثيرا. وكان الجميع دوما يعاملني وكأنني موعودة لرامز، حتى أن رامز نفسه كان يتصّرف وكأنني ملك له. وكان ذلك يزيد من تقزّزي ومقتي له.
التفتّ الى وليد. رأيته جالسا دون حركة، عيناه محملقتان في اللاشيء. قلت له وأنا أضع يدي في يده: "أنا آسفة يا وليد. أعلم أنك تريد إرضاء عمي. ولكن هذا الموضوع حسّاس ويتعلّق بمستقبلي ومصيري ولا يمكنني التفريط فيه."
قال بنبرة من الشجن: "أنا أفعل كل ما أفعله من أجلك أنت وأختك. منذ أن فقدنا أبانا أعيش فقط لأجلكما أنتما الإثنتين. أريد أن أطمئنّ عليكما وأرضي أباك في قبره."
"وقد قمت بواجبك على أكمل وجه وأكثر، وأنا متأكدة أن أبي راضٍ عنك حيثما كان."
لم نضِف شيئا على الموضوع. جلسنا في مكاننا يدا بيد، هدوء الليل يلفّنا، ونصغي الى همهمات الريح الباردة، اللينة. بقينا كذلك دقائق وأنا أحسست بمحبتي لأخي تزيد يوما بعد يوم، ولم أعرف إن كنت قد أحببت أبي يوما ما بقدر ما أحببت أخي في تلك اللحظة.
ثم وجدتني أقول دون تفكير: "أتعلم أن سامر قد عاد من أميركا؟"
"من سامر؟"
"سامر أبو جودة."
"ابن سميح؟"
"نعم."
ثم سألني بحيرة وتعجّب: "وكيف أنت عرفت بالأمر؟"
"إنه يتعلم معي في الجامعة."
لم يعلّق بشيء، وبعد لحظة... سأل: "هل يعني ذلك أنهم عادوا الى البلاد؟"
"هذا ما يبدو."
"وأنت رأيتِه؟"
"نعم."
"تحدّثت معه؟"
"قليلا. لقد رآني في الحفلة فجاء ليكلّمني."
"وماذا قال؟"
"يعني... كلام عادي. قال إنهم عادوا من أميركا منذ حوالى أسبوعين وأنه يتعلّم في الجامعة."
أطرق وليد رأسه مفكّرا. "حسن،" قال بعد لحظات بصوت هادئ متّشح بالصّرامة. "ولكن لا تكلّميه مرةً ثانية بعد اليوم."
"لماذا؟" سألت في عجب.
شحذني بنظرة حادّة، ثم قال: "لماذا؟! هذا سؤال لا يُسأل!"
ثم قام دون قول شيء وعاد الى الداخل.
يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس