الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شطحات صوفية في -طيف نبي- للشاعرة المغربية فاطمة الزهراء بنيس مصطفى لغتيري

مصطفى لغتيري

2012 / 2 / 22
الادب والفن



الكتابة حرفة نتقنها بالإصرار و المثابرة ، و لا يتأتى هذا الإتقان سلسا منقادا إلا للغاوين المكتوين بلوعة الحرف ، أولئك الذين أبدا لا يكتفون باندلاق الكلمات عفو الخاطر ، بل يسعون جاهدين إلى نحت العبارة تلو العبارة بإزميل الخلق الإبداعي الأثير ، فتخرج النصوص من بين أيديهم كقطعة فنية ، تمتع البصر ، و تبهج النفس ، و تثير الذهن و الوجدان.
مناسبة هذه الديباجة التقديمية اطلاعي على الديوان الجديد للشاعرة المغربية فاطمة الزهراء بنيس "طيف نبي " الصادر حديثا عن دار الغاوون ، و الذي اشعرني بأن الشاعرة حققت طفرة نوعية في مسارها الشعري ، شكلا و مضمونا ، خاصة و أنني اطلعت سالفا على ديوانيها السابقين و كانت لي وقفة تأملية مع كل منهما على حدة.
و إن كنت في هذه القراءة المتواضعة للديوان سأتوقف عند ثيمة من ثيمات القصائد التي استوقفتني كثيرا ، فلابد من الإشارة قبل ذلك إلى أن هذا التحول الشعري لدى فاطمة الزهراء بنيس قد طال الشكل كذلك ، فاعتمادها على الشذرة الشعرية أتاح لها التحكم أكثر في فن القول الجميل ، إذ يلمس المتلقي ذلك الانشغال الكبير و الموفق ببناء النص ، بحيث جاءت المقاطع الشعرية دالة بذاتها و في علاقتها بباقي المقاطع ، و قد تستحق مستقبلا وقفة متأنية تتلمس تكنيك الكتابة لدى الشاعرة.
أما على مستوى المضامين ، غاية هذا المقال، فقد أعلنت الشاعرة فاطمة الزهراء بنيس بجلاء عما لامسته باستحياء في ديوانيها السابقين ، و أقصد تحديدا الملمح الصوفي في الكتابة الشعرية ، و لعل هذا الانطباع يفرض نفسه على القارئ انطلاقا من عنوان الديوان " طيف نبي" ، فهذا العنوان غني بالدلالات العميقة الضاربة بجذورها في تربة المتخيل الصوفي ، فمن يا ترى يكون طيف نبي غير أولئك الشيوخ المتولهين بالعشق في أسمى معانيه ، إنهم دراويش العشق و سادة المعاني الكامنة في الصدور ، و التي تتخذ العشق و الحلول سبيلا إلى المعرفة و الذوبان في الذات الإلهية ، حتى يصبح العاشق و المعشوق ذاتا واحدة لا تنفصل عراها ،و لا تتباعد مكوناتها و أطرافها إلا لتنسحق في بعضها البعض ، و قد صدق الحلاج حينما قال " ما في الجبة إلا هو".
هذا الحضور الصوفي يبدو طاغيا على قصائد الديوان ، يتخللها ببهاء ، مما يعني أن الشاعرة فاطمة الزهراء بنيس عمدت إلى ذلك عمدا ، لا يخفى و لا يستكين ، تقول الشاعرة في الصفحة 7
أي انتشاء
نذرتني
يا جنوح الروح
ها هي الروح و ليس الجسد نبراس للقول الشعري و بوصلته ، التي لاتخطئ طريق من اتخذها دليله ، ليهيم في ملكوت الشعر ، و يتفيأ تحت ظلال المعاني المتولدة من عمق العبارة ، و يحلق عاليا في سماء العشق الصوفي ، تقول الشاعرة في الصفحة 10
فقط
من بلاغة التحليق
أسكر
أي سكر هذا ، إن لم يكن انتشاء بالعبارة الشعرية الرقيقة ، و الرصينة ، الوالغة في عمقها الدلالي ، لتشكل بها الشاعرة أثرا فنيا بديعا؟ ، ، تقول الشاعرة في الصفحة 11
بثمالة جائعة
أنحت بقاياي
لوحة
تشطح معانيها.
و لا تني الشاعرة فاطمة الزهراء بنيس تذكرنا بعمق شعرها الصوفي ، من خلال استثمارها لمعجم دلالي يتمثل هذا البعد و ينسحق فيه ، محيلة بذلك على أسلافها المتصوفة كالحلاج المصلوب ، فتقول في الصفحة 12
مصلوبة في جناني
بلا خطو أسير
خاشعة
حيال رؤياي.
و إذا كان الصوفية قد راهنوا على المعرفة الوجدانية ، فإن الحدس كان أهم طرقهم لاكتناه هذه المعرفة ، فبالحدس تبطل باقي السبل ، لأن هذه الأخيرة ، أقصد المعرفة الصوفية، نور رباني يجود به المعشوق لمن يستحقه من عشاقه المخلصين ، تقول الشاعرة في الصفحة 29
ليس الحدس
طيش الشغاف
و اجتذاب الحواس
نحو اللامرئي.
و إذا كان الحلاج قد أعلنها صرخة صادحة ، فاتنة و قوية ، لا تخطئ شغاف القلب ، حين قال "ليس في الجبة إلا هو" ، فإن شاعرتنا تعلن بما تمتلكه من حساسية شعرية مفرطة و شفافة، قائلة في الصفحة 39
ها أنا
غير أناي
أي سواي
صرته؟
و مما يثير القارئ لدى شيوخ التصوف انسحاقهم في الرموز ، إذ يصبح كل شيء لديهم دالا على العشق المتسامي ، و لم تسلم من ذلك حتى حروف الأبجدية ، و سيرا على ديدنهم ، تخوض الشاعرة فاطمة الزهراء بنيس نفس التجربة ، فتقول في الصفحة 45
داخت حناياي
بذكر الألف
والباء
أبدعت اجتراري.
هل يكفي هذا ؟ أبدا ، فشاعرتنا مصرة على عشقها للحرف النوراني حد الغواية ، تقول في الصفحة 52
أرتل غوايتي
آية ..آية
أم تروني في كل حرف أهيم.
هذا التماهي مع أجواء الصوفية لا يبلغ أعلى مراقيه إلا بإعلان الشاعرة اندماجها حد الانسحاق في هذا العالم السادر في فتنته ، تقول في الصفحة 63
إني أندثر بخفق
سرمدي
تنحته أنخاب العمى
في ملكوت الوجد.
ربما يكفي ما تقدم في هذا المقال لإعطاء صورة تقريبية عن الأجواء التي يسبح في خضمها ديوان "طيف نبي "للشاعرة فاطمة الزهراء بنيس ، هذه الشاعرة التي استطاعت أن تتفوق على نفسها شكلا و مضمونا ، لتكرس نفسها كشاعرة تتجاوز أفقها المغربي لتكتسح باستحقاق آفاقا أوسع و أرحب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي