الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الزعامة السياسية في سورية

بدر الدين شنن

2005 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


إن إحدى تجليات الأزمة السورية الشاملة ، الأكثر تعقيداً ، هي فراغ دور الزعامة السياسية المحورية القادرة على ا ستقطاب كل أو معظم القوى المعنية بالتغيير الديمقراطي في البلاد . والمقصود هنا ليس دور الزعيم الفرد التقليدي تحديداً ، وإنما الدور القيادي .. الزعيم المعاصر ، في معركة عنيدة مكلفة التضحيات والدماء مع نظام ديكتاتوري شمولي ، الدور الذي يتطلب زعامة قوية مؤسساتية علمية تحالفية ، في ظروف القرن الواحد والعشرين ، التي تزداد تعقيداً وتنوعاً وأبعاداً

وقد تأتى هذا الفراغ بفعل عوامل عديدة لعل أهمها
أولـها
أزمة الثمانينات المستمرة تداعياتها من القرن الماضي حتى الآن ، ما أدى إلى قحط سياسي شامل ، وانحسار في الوعي ، وتيبس في المبادرات ، إن على مستوى أهل
النظام أو على مستوى خارج النظام . إذ جعل النظام ، ممن هم دون القمة في هرمه السلطوي من القيادات والكوادر السياسية ، إما جلادين ولغوا بدماء الشعب وباتوا يخافون المساءلة والحساب ، وإما تابعين منتفعين أو مشاركين في عمليات النصب والإحتيال والفساد، وهذا ما وضعهم في حالة منفرة مضادة أمام الأكثرية الساحقة من أبناء الشعب . ومارس تجاه قيادات وكوادر الآخر المعارض التصفيات السياسية والجسدية بالسجون والقبور والمنافي ، وإذا كان لاغنى عن ذكر الإفراجات التي تمت في السنوات الأخيرة تحت ضغط الخارج ، فإن القيادات التي خرجت من السجون المديدة إلى الحياة العامة ، هي إما أنها عليلة تكابد العاهات والأمراض ، وإما أنها قد بلغت من العمر عتياً. وجميعها تقريباً تعيش حالة اغتراب عن الجيل الذي ولد وترعرع في ظروف الاستبداد وتشكلت مفاهيمه وعقده وهمومه وطموحاته تحت سقف القمع

ثانيهـا

فوات زمن الزعيم الفرد ، الذي عرفته السياسة السورية في أواسط القرن الماضي ، والذي كان ا سمه شاغل الناس ويشار إليه بالبنان أنـّا توجه وتكلم ، وتتحرك الجماهير على إيقاع حركته وطلباته ، وتعتبر خطبه وتصريحاته برامج سياسية ، وممارساته ونزعاته ومناوراته مثال يحتذى . وتبدل الظروف العالمية التي ا ستحدثت مناخات وا ستحقاقات فكرية وسياسية واجتماعية باتت تتطلب بحق زعامة من نوع آخر هي أكبر من حجم الفرد مهما امتلك من المؤهلات والصفات النبيلة ، زعامة
مركبة مبنية على العمل الجماعي ( دمقراطياً ) وعلى المؤسسات والمعلومات والبرامج ( علمياً ) وعلى القدرة على مواكبة التطورات المعقدة المتقاطعة وطنياً ودولياً ( ساسياً )

ثالثهـا

تشوش الخيار السياسي الإجتماعي ، وتكرار الوقوع في خطأ الإستبدالات السياسية مرة أخرى ، بفصل الديمقراطية عن المسألة الإجتماعية ، وتقديم طروحات فكرية وسياسية تحلق في فضاءات غير مطابقة للواقع وللمصالح السياسية والإجتماعية والمطلبية الشعبية ، والإكتفاء بالحراك السياسي وسط النخب الثقافية والسياسية ، والإنعزال عن القوى الشعبية ، التي تشكل قوى التغيير الفعلية والرحم التي تولد منها الزعامات و تكبر في كنفها والجدار الصلب الذي تستند إليه في أداء دورها التاريخي

وعليه ، فإنه من نافل القول ، أن يخطر ببال أن يتم ملئ فراغ الدور القيادي .. الزعيم .. من قبل أهل النظام ، سيما وأن أكثريتهم الساحقة برسم المساءلة . كما أنه من نافل القول أيضاً أن يتم ملئ هذا الفراغ بالزعيم الفرد من جهة المعارضة ، لفوات مثل هذا الأنموذج ، الأمر الذي يطرح جدياً العمل على ملئ الفراغ بصيغة جديدة ، بحيث يكون أكثر مشروعية ومصداقية ، هي صيغة الزعامة المؤسسة القائمة ، على الفكر الذي يحدد السمت الإستراتيجي للفعل السيلسي المنفتح على حقائق وضرورات الحياة المتجددة ، على البرنامج السياسي المعبر بشفافية عن متطلبات وا ستحقاقات الحاضر والمستقبل شعبياً ووطنياً ودولياً ، وعلى التنظيم القادر على تحقيق مهامه في مختلف الظروف ، وعلى قيادة تجسد الدديمقراطية في حركتها وتلتزم في إبداعها ومبادراتها بما يضيئه الفكر المرجعي وبما يحدده البرنامج السياسي

والسؤال المنطقي الراهن ، هل يمكن للقوى السياسية الفاعلة في سورية الإنتقال من أنموذج " الزعاموية " أي الزعيم الفرد التقليدي إلى أنموذج زعامة مؤسساتي علمي معاصر ؟
من اللافت أن بعض هذه القوى قد بدأ المحاولة بعدد من الخطوات الهامة ، وخاصة القراءة الجديدة للمرجعيات الفكرية ، وطرح مشاريع برامج أو برامج سياسية ، بيد أنها ماتزال مجرد رؤى ومشاريع خاضعة للقراءة النقدية ولامتحان الزمن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دمار في -مجمع سيد الشهداء- بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنان


.. انفجارات تهز بيروت مع تصاعد الغارات الإسرائيلية على الضاحية




.. عسكريا.. ماذا تحقق إسرائيل من قصف ضاحية بيروت الجنوبية؟


.. الدويري: إسرائيل تحاول فصل البقاع عن الليطاني لإجبار حزب الل




.. نيران وكرات لهب تتصاعد في السماء بعد غارات عنيفة استهدفت الض