الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحتفاء بالتفاصيل في المجموعة القصصية -مملكة القطار- للقاص المغربي حسن الرموتي

مصطفى لغتيري

2012 / 2 / 23
الادب والفن


.
تكتسب القصة القصيرة قوتها و جماليتها من اهتمام كتابها المفرط بتكنيك الكتابة ، الذي يتميز بكثير من الدقة ، إذ لا مجال لدى كاتبها للمخاتلة و التحايل ، فالقصة القصيرة فن فاضح سرعان ما يكشف صاحبه على رؤوس الأشهاد ، فالقاص الفنان هو ذلك الذي يتحكم في عدته التقنية ، و يحسن توظيفها ، لتخرج القصة من بين يديه محكمة الصنعة ، متقنة ، صقيلة ، لا تشوبها شائبة .و يبقى الاهتمام بالتفاصيل الملموسة من أبرز هذه التقنيات ، التي تميز القاص البارع عن سواه ، خاص إذا استطاع صياغتها بلغة تناسب هذه التفاصيل بما يتلاءم مع طبيعة القصة القصيرة ، التي تميل نحو توظيف جمل قصيرة ، برقية ، متوترة ، و سردية بامتياز.
إن المطلع على المجموعة القصصية "مملكة القطار " للقاص المغربي حسن الرموتي سيفتتن -لا محالة- بقدرة القاص الفائقة على التقاط تفاصيل الحياة الملموسة ،ليدبج بها قصصة ، و كأني به يعي جيدا دور التفاصيل و الاشتغال على الملموس من خلال تجسيد الأحداث في إعطاء قيمة مضافة لقصصه ، فقد عمد الرموتي إلى عينه الخبيرة و الذكية لالتقاط التفاصيل ، التي تبدو للوهلة الأولى غير ذات أهمية ، لكن ما إن تقترن بغيرها حتى تصبح ذات معنى عميق ، يكسب القصة بعدا جماليا و دلاليا لا غبار عليهما ، يقول السارد في قصة "الحرب" تقدم عباس نحو الرجل ثم همس له في أذنه بشيء ، يبدو أنه لا يعرفه غيرهما، وضع الرجل إصبعه على فمه مشيرا لعباس ألا يتكلم ، ثم انقض عليه و عانقه طويلا . تبعه رجال القرية ، و جاء دور النساء و الاطفال ، الحوذي يتأمل المشهد ، و يبدو أنه لم يفهم شيئا . الكلب الوحيد الحاضر يتبول ، و قد أحدث حفرة في الأرض ، هر ثم اقعى على مؤخرته و انتصبت أذنيه مستسلما..".
و يصل هذا الاهتمام بالتفاصيل ذروته في قصة "المشهد " التي برع القاص في صيوغها مما يحيط به في عالمه الخارجي ، حيث تتجاور مشاهد متنافرة مشكلا كرنفالا يصيب المتأمل فيه بالحيرة ، لكن القاص جمع هذه الفسيفساء غير المتناغمة و خلق منها أثرا جميلا ، يقول السارد " رجال و اطفال و نساء ينتظرون ، منهم من أعياه الانتظار ، بعضهم يجلس على كراس خشبية قديمة ، لم تتغير منذ سنوات ، رجل يقترب من امرأة حتى ليكاد يلتصق بها ، بما زوجته ، لا أستطيع الجزم ..الباص لم يصل بعد.... على الرصيف رجل اصلع ذو لحية بيضاء ، الارتخاء يدب في أوصاله ، قصير القامة ، يرتدي سروالا قصيرا صيفيا... شرطي المرور البدين أعياه الوقوف في ملتقى الطرق ، أنف كبير و يبدو دون رقبة ".
في قصة" المحارب و المحطة" نلمس نفس التوق بالتفاصيل الملموسة مما يمنح القصة بعدا بصريا و تجسيديا محمودا ، يقول السارد " على الكرسي الممتد في المحطة ، كان المحارب قد استسلم لنوم عميق ، الناس ما يزالون يدخلون و يخرجون... القطارات تمر ، تتوقف قليلا ، ثم تمضي ، و اللوحة الالكترونية ما زالت تغير مواعيدها و أسماءها ، و نادل المقهى ينتقل بين الكراسي بفرح طفولي واضح.. و ابتسامته لا تتغير".
و تمضي قصص المجموعة على نفس المنوال تلتقط التفاصيل ، و تنتقي منها ما يخدم هدف القصة و القاص و هذا ما أهل القصص لتبرز قدرتها على التجسيد ، و نأى بها عن التجريد ، الذي يعيب الفن القصصي و يسيء إليه.
و مما يثير الانتباه في هذه المجموعة القصصية الجمبيلة عدم ارتكان القاص إلى وتيرة واحدة في السرد بل كان يعمد إلى التنويع ، لذا كان الحوار يتخلل جل النصوص ، و هو حوار فعال و وظيفي ، يساهم في تطوير الأحداث ، دون أن يتنازل على الوظيفة التجسيدية التي ارتضاها القاص لنفسه في كتابة قصصه ، يقول السارد
قال الآخر
انظر إلى وجه الرجل ، يشبه الطبل من أثر التخمة ، ثم أضاف ساخرا
-إنها نعمة الكادحين التي لم تصل إليهم.
و في قصة أخرى
قال أحدهم
- ملامحه تغيرت كثيرا ، يبدو أنه ليس عباسا الذي نعرفه.
و هكذا تتحالف كل مكونات القص و عناصره من وصف و سرد و حوار و غيرها لتخلق أثرا قصصيا جميل ، يشي بأن الأستاذ حسن قاص بارع يمتلك كل المقومات ليرسخ اسمه ضمن كوكبة القصاثصين المغاربة ، الذين يمضون قدما بهذا الفن الجميل ، لييتبوأ المكانة التي تليق به ضمن باقي الأجناس الأدبية الأخرى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال