الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهو مغرب عربي ...؟ أم مغرب كبير .

الطيب آيت حمودة

2012 / 2 / 23
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


كشفت وسائل الإعلام تباين النظر في المسميات والأوصاف التي تطلق على الرقعة الجغرافية الممتدة من النيل شرقا إلى الأطلسي غربا، ومن نهر السنيغال والأهقار جنوبا الى سواحل البحر المتوسط شمالا ، والتي تشتمل أقطارعديدة مديدة ، بهوية جغرافية أصيلة تبدلت تسمياتها الرمزية تبعا للمهيمنين عليها منذ عهد الفنيقيين إلى عهد الفرنسيين بفعل أدلجات وافدة تعامل معها أهل البلاد بالمطاوعة لا التطويع فكانوا قرطاجيين ثم ترومنوا و توندلوا وتعربوا وتأتركوا وتفرنسوا تبعا للمؤثرات التي أحاطت بهم عبر التاريخ، نزوع الى التقليد من باب (ولوع المغلوب بتقليد الغالب ) ، فالموصوف صاحب البلاد لاتنطبق عليه الصفات بقدر تطابقها مع اديولوجية الأقلية الوافدة المهيمنة بمؤازرة ممن يؤيدها ، الساعيان معا لتحقيق الطموحان المعنوي والمادي في غياب أي التفات للآخر المغلوب ، ويبدو أن الإنشغال انتقل من حاله المطلبي الثقافي والحضاري إلى الفعل السياسي على أعلى المستويات وهو ما لمسناه من تصريحات رئيس تونس المؤقت ( المنصف المرزوقي) بشأن تفضيله مصطلح ( المغرب الكبير) كبديل للمغرب العربي العنصري ، وهو نفس المقترح الذي ساقه وزير خارجية المغرب ( سعد الدين العثماني) في اجتماع الرباط هذه الأيام.

... الأمة الأمازيغية ... لها قابلية التماهي مع الآخر .

عبر حقب التاريخ كان الأجداد متماهين مع الوافد ، فأبدعوا بلغات المهيمن ، : (كأفولاي) ، ويوبا الثاني، وسانت أوغسطين وغيرهم كثير ..... وتناسوا لغتهم الأصلية التي هجروها ، فلولا انغلاق مناطق الجبال لما حافظ القوم على لهجاتهم المنطوقة أمام المد اللساني الدخيل عبر عصور التاريخ ، فالأمم التي لا تنتج بلسانها ،معرضة للذوبان في غيرها ، فالهيمنة اللغوية في حقيقتها مرافقة لكل هيمنة مهما تعددت غاياتها وأبعادها ، فالجهد الفكري مهما كان ذائعا وقويا إلا أنه سينسبُ إلى الأمة صاحبة اللغة ، فالأمازيغ الناطقون بلغة الضاد أو يلحنون بلغة دارجة هي خليط من اللهجات واللغات ، تجذر في ألبابهم بأنهم عرب قلبا وقالبا ، وهو اقتناع ترسخ حديثا بفعل طموسات خبيثة ، وظفت كل الأساليب لجعل شمال افريقيا عربيا ، وكثيرا ما قالوا بضرورة شطب ( التاريخ القديم )من الذاكرة الجماعية ، لأنه سبيل لتذكيرهم بأنهم وافدون ، واستبداله بتاريخ شبه جزيرة العرب قبل الإسلام لترسيخ قيم الإنتماء مشرقا .
فالداعون الى عربنة بلاد تامزغا الكبرى إما أنهم عرب شوفينيون ، يريدون جر الأكثرية الى الطواف حول (صنم العروبة ) ، أو أنهم مسلمون عجزوا التمييز والتفريق بين الإسلام والعروبة ، أو أنهم تخيلوا بأنهم عربا باللسان والحضارة ، أو أنهم انتسبوا للعروبة من باب مولى القوم منهم ، ومهما كانت الأسباب فهي لا تستند إلى العقل والمنطق ، فالأمازيغ ما هم إلا امازيغ ناطقون في أكثرهم بلغة الدين الذي اعتنقوه ، ولا يمكن تبرئة المذهب المالكي في انغراس اللسان العربي في شمال افريقيا .

.... خرافة ( المغرب العربي) .

حلم تحقيق وحدة ( المغرب العربي) تبخر مرارا وتكرارا ، قد يكون السبب سياسيا ، غير أن طموح الجيران متطلع إلى علائق مع الدول الواقعة شمال المتوسط أكثر، لقربها ووجود إمكانات التكامل الإقتصادي معها ( مواد أولية مقابل منتوج صناعي ) وهو ما يفتقر إليه التعاون الأفقي بين دول المغرب الكبير ، التي تفتقر إلى منتوج مبهر يجلب الرغبة للتعاون فيما بينها ، وقد تكون صفة العروبة إحدى المنغصات ، لأن الصفة تبدو وأنها غير بريئة ، فهي وإن بدت ثقافية حضارية إلا أنها تحمل في مضمونها فكرا عنصريا مقيتا يؤجج الدعوة القومية ويفتح العراك الإثني على أوسع أبوابه ، فدول الخليج وإن كانت عربية قحة فإنها اختارت لمنظمتها اسم ( منظمة التعاون الخليجي ) ، في حين أن الأمازيغ الناطقون بالعربية كانوا وراء ترسيخ صفة العروبة على شمال افريقيا منذ انعقاد أول مؤتمر لدول المغرب بالقاهرة سنة 1947 والذي أراد له المؤتمرون وصف المغرب ( بالعربي) بمباركة ساذجة للبطل الأسطورة ( عبد الكريم الخطابي ) ،أمام استنكار مشارقي على لسان أكبر دعاة القومية العربية الذي قال في رسالته لسليمان الباروني [ "أما طرابلس الغرب وتونس والجزائر ومراكش فهذه بلاد عربية وإن كان فيها بربر أكثر من العرب، فان ثقافة هؤلاء البربر عربية وهم على كل الأحوال مسلمون، فهذه الأمة هي منا ومعنا ،كما أن قلوبنا متحدة بيننا وبينهم، ولكن هناك أسباب جغرافية تمنع اتحادنا معهم اتحاداً فعلياً، وهم ليسوا من برنامجنا ولا نتكلم على الوحدة معهم لأننا نجعل لنا أعداء أقوياء ونحن في غنى عن ذلك الآن.](1).
ولا شك في أن مصطلح (المغرب العربي ) هو وليد ظروف استعمارية عاشتها بلدان الشمال الإفريقي، عبَّد لها الإصلاحيون الدينيون أرضية صلبة ، باعتبار أن لا فصل بين العروبة والإسلام ، فكان النداء ( إلى العروبة ننتسب ) كمخلص .... وقد صاغها العلامة ابن باديس يوم كان الإسلام ملاذا للمقهورين ، أو رغبة في الحصول على سند مشارقي باسم الدين والحضارة المشتركة ، وهو ما استغله أقطاب العروبية في وضع معالم المصطلح في المحك عند تأسيس ( مكتب المغرب العربي ) بالقاهرة عام 1947 ، وفعَّله بشيء من الحذاقة السياسية الممزوجة بالخيلاء الحضاري والعاطفة الدينية ، رجالات من أمثال البشير الإبراهيمي و شكيب أرسلان الدرزي و علال الفاسي المغربي، وغيرهم كثير ..... فانطبق عليهم القول القديم ..(زلَّة العَالم ( بكسر الميم) زلة عالم ( بفتح اللام ) ، وهو ما يعني ترسيخ منطق الأقلية العالمة على واقع الأغلبية الجاهلة ،.... فبادر الإستقلاليون بزعامة علال الفاسي العروبي دعوة الدستوريين التونسيين، والتحريرين الجزائريين للمشاركة في فعاليات مؤتمر طنجة 1958 بغرض وضع معالم ( اتحاد المغرب العربي ) الذي ولد ميتا ، لأنه يحمل في أحشائه بعدا اديولوجيا ناصريا لا يستقيم حاله في بلدان تتخذ من الإنتماء الجغرافي ( لا الإثني )شيئا مقدسا ، فنحن جميعا مغاربة نسبة للأرض المغربية أي أمازيغ نسبة لأرض تمازغا الكبرى ، وليس في ذلك أي بعد سلالي ، باعتبار أن الأمازيغ لا أرومة لهم سوى الأرومة التي وضعها لهم العرب في كتبهم التراثية ، والتي شابها الكثير من الإختلاف والتلاعب المقصود بغرض الهيمنة المعنوية .

..... مصطلح (المغرب العربي ) عنصري ...؟

لا يختلف أثنان بكون شمال افريقيا أمازيغية في أصولها وتاريخها وإرثها الحضاري ، فالأرض بطوبوناميتها صادحة بتميزها الجغرافي ، وصفها بالعروبة يعني الحاقها بالمشرق العربي ، ولا أعتقد بأن الوصف المومأ إليه بريء ، فهو في نظري ونظر أمثالي عنصري فوق اللزوم ، فهو دعوة صريحة لتشتيت الأمة وفق أجندة اثنية لسانية لا ندرك مداها بسبب تشعب التوجهات وهيمنة الأدلجات ، ولا أدري إن كان مرسخوه والداعون الى استمرار تداوله بيينا سيقبلون عندما نسميه ( المغرب الأمازيغي ) بالرغم من وجاهة المصطلح من الوجهة الإثنية والتاريخية باعتبارها هوية الأرض التي نقبع فوقها جميعا وإن اختلفنا سلاليا إلا أنه سيرفض ، فالإنتساب للأرض له قداسة قد تتساوى مع قدسية الأديان من باب حب الأوطان من الإيمان ، واستبعادا لكل تسنج محتمل من باب درأ المفاسد يُستحسن التوافق على مصطلح جامع يرى فيه الجميع انتماء فعليا له دون تحيز يذكر ، ويبدو أن مصطلح ( المغرب الكبير ) أكثر انصافا للجميع ، لأن التمسك بالعروبة الموهومة سيفتح سجالا تاريخيا عميقا هو أشبه بما يقع بشان تسمية الخليج بالعربي أو الفارسي ، فما عجز العرب بلوغه بالعمل الجاد سيسعون إلى تحقيقة عبر ترسانة من حيل كالإنتماء والإنتساب و التزوير في محاظر الوقائع وسجلات التاريخ .

مفصل القول أن أول الغيث قطرة ، فانتقال هاجس استنكار وصف مغربنا ( بالعربي ) من واقعه الثقافي والحضاري إلى المستوى السياسي كفيل بتصحيح التسميات ، فليستعد شمالنا الإفريقي تسميته التاريخية الأصيلة بالطريقة ذاتها التي استعاد بها (زيد حارثيته ) وحافظ ( بلال على حبشيته ) و(سلمان على فارسيته) و(صهيب على روميته )، ومهما روجوا للفكر البعثي الناصري ، فإن زيفه وقلاعه وأصنامه ستهوى تباعا أمام تنامي الثقافة والوعي بالذات المحلية ، فالفكر القومي العربي فشل في دياره الإصلية ، فكيف الحال في ديار غربته التى انتشر فيها بفعل سياسات الطمس والتجهيل والتخريف حتى حسبنا أنفسنا عربا وما نحن بعرب .
___________________________________________________________________________
(1) مقتطف من تصريح شكيب أرسلان في (المجلة الدمشقية).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران: أسطول جوي قديم ومتهالك؟.. تفاصيل عن مروحية الرئيس رئي


.. الصور الأخيرة للرئيس الإيراني رئيسي قبل تحطم مروحيته وموته




.. الحرب في غزة: هل من تأثير على قطاع السياحة في مصر؟ • فرانس 2


.. تساؤلات في إيران عن أسباب تحطم مروحية الرئيس من بين 3 مروحيا




.. سيناريوهات وأسباب محتملة في تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟