الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابراهيم الخياط في جمهورية البرتقال

مثنى كاظم صادق

2012 / 2 / 23
الادب والفن


الأنا اسم مكني، وهو للمتكلم وحده، بمعنى أنه تعبير عن الذات، أما الآخر، فهو غير المؤتلف أو المختلف، وتأسيسا على هذا تكون الأنا مجال المعرفة الجوهري ؛ لان السؤال عن الأنا سؤال عن الوجود، ومن هنا كان الإقرار بأن الآخر، هو غير الأنا ..... ثمة مسلمة نقدية تشير إلى أن لكل شاعر أناه الخاصة به، وبذاته، وبوجدانه، ولذا سمي الشعر الغنائي بالوجداني؛ لبروز أنا الشاعر فيه .....
وبعد فقد قامت هذه المقالة على لبنات تراصفت، محاولة قراءة ثيمة الأنا والآخر في شعر إبراهيم الخياط، ولاسيما في مجموعته الموسومة بـ (جمهورية البرتقال) حيث إن شعر الخياط يرتبط بمدلولات كثيرة بدءا من عنوان مجموعته هذه ومرورا بعنوانات قصائده وانتهاء بمضمونها، فالخياط في هذه المجموعة، قد تجاوز هواجس الأنا وتداعياتها الخاصة، ليندمج مع الآخر (ذوات الآخرين) من خلال لغته الهامسة، إذ نلمح حضور الأنا والآخر، كظاهرة أسلوبية في شعره، ولاسيما أن الأنا عند الخياط، هي أنا عراقية خالصة قد أتت ضمن تقنية الحضور والغياب، من خلال (الآخر لدى الأنا) و (الأنا لدى الآخر).
ومما جاء من قسم (الآخر لدى الأنا) قوله:
(( إنه /
قاب قتلين أو أدنى /
فحق عليه القول /
بعد أن فرهت أحلامه /
ونحت به عن جزيل افتقاره ... )) ص 11
إذ نجد حضورا مكثفا للآخر (الغائب) عن الأنا، حيث عززت ذلك التقفية الداخلية لضمير الغائب (الهاء) في (إنه، عليه، أحلامه، به، افتقاره) الذي توزع عبر كامل الخطاب الشعري، ليؤكد عمق الصلة بهذا الآخر ومن ذلك:
((عيناك خردلتان/
والحرائق طائرات/
فهل جادك الغيث/
عندما الموت همى /
هل راعك وأنت تحت نار/
ياغصة الغريب على دار )) ص 41
إذ تعمل المعطيات الشعرية هنا على الآخر (المرأة) ؛ لذلك نجدها حاضرة بضمير المخاطب الحاضر ( عيناكِ، جادكِ، راعكِ، أنتِ ) محاولا ( الأنا ) إنتاج نفسه من خلال هذا الآخر الحاضر، ليسلط الضوء على المكابدات النفسية من خلال الذات المستلبة، ويتجلى الآخر( المدينة ) عند الأنا في قوله:
(( ووقفت على بابها الحميم /
لأقيس ارتفاع الدمع/
في جزرة نهرها المعلول/
فلطالما /
شيعتني هذه الثكلى الطروب/
ـ التي أسميتها /
مدينتي /
وسمتني جوابها المقيم .... )) ص 127
حيث يعلن النص هنا عن ذات الآخر ( المدينة ) ببابها الموصوف بالحميم، من خلال الأطر التي يستعملها الشاعر ببراعة كقياس نسبة الدموع مثلا إذ نتحسس الاغتراب للشاعر في عبارة ( التي أسميتها مدينتي ) وكأنه متردد في هذه التسمية هل هي مدينته التي عرفها أم لا ؟ . إن ثيمة ( الآخر ) لدى الخياط ثيمة مركبة ؛ لأنها كيان ( غيري ) فقد يكون ( الوطن / النهر / المدينة / الأنثى .. الخ ) .
أما ما جاء من ( الأنا لدى الآخر ) فمن ذلك قوله :
(( أحرقت دمعي /
وهل كان دمعي غير ماء ؟ /
أطفأت روحي /
ثم رميت عقبها المفحم خلف الباب )) ص 15
إذ نجد في هذا المقطع فضاء الانبعاث من خلال ( أحرقت ) ثم ما يلبث الشاعر أن يستعمل تقنية الاستفهام المجازي الخارج إلى النفي مقررا أن دمعه ليس سوى ماء ثم يأتي الانطفاء والرمي ( أطفأت / رميت ) خلف الباب لكي لا يراها أحد !! بصياغة مشهدية تمثل عملية إحراق سيجارة وإطفائها والتخلص منها بمكان خفي ومما جاء أيضا قوله :
(( عشرون عاما وأنا أبكي ... /
عشرون عاما وأنا أدور /
عشرون عاما وأنا أهاجر /
عشرون عاما وأنا أنكفئ/
عشرون عاما وأنا أموت بالتقسيط المريح )) ص 35ـ37
الخياط هنا يتوضأ بالحزن عبر نظرة شمولية لواقع الـ ( الأنا ) حيث تلخص وتركز بصورة مكثفة على المفارقات الحادة، لتأصيل الجنايات المذكورة لواقع الإنسان العراقي، عبر تكريسه لحقب زمنية متكررة، لتتجاوز الحدود إلى الوقت الحاضر، عبر إسقاطات حضور الأنا عند الآخر.
خلاصة القول :
لا يمكن لـ ( الأنا ) عند الخياط أن تحقق كينونتها بمعزل عن ( الآخر ) ذلك من أجل إثبات الهوية، فقد تكون هذه الهوية ذكورية / وطنية / إنسانية / آيدلوجية / الخ، لكن ( الأنا ) عند الخياط، كثيرا ما تغترب بفعل (الآخر) فضلا عن أن ( الآخر ) حاضر دوما في هذه المجموعة الشعرية (جمهورية البرتقال ) حرصا من ( الأنا ) في إثبات ذاتها معرفيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش