الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة مفتوحة إلى خوسيه ساراماغو

باسل سليم

2005 / 1 / 11
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


"فيما يلي نص الرسالة التي بعثها البروفيسور جيمس بيتراس إلى الروائي البرتغالي خوسيه ساراماغو الحاصل على جائزة نوبل إثر تصريحه أنه لا توجد أية حركة مغاوير في كولومبيا وأن هذه المجموعات الثورية ليست إلا مجموعة من "العصابات المسلحة" وقد أطلق ساراماغو هذه التصريحات إثر زيارته لكولومبيا"

عزيزي الدكتور ساراماغو
في الايام الاخيرة اصبحت كولومبيا المشهورة بعصابات الموت ومذابح الفلاحين مصدرا مفضلا لبعض أشهر المثقفين الغربيين لاطلاق محاضرات اخلاقية تدين الثورة الكوبية (سوزان سونتاج) وأخرى تدين القوى المسلحة الثورية الكولومبية (خوسيه ساراماغو).
فدعني أخبرك منذ البداية أنني لا اعترض على حملاتك لترويح كتابك الاخير في أي مكان في العالم لكن ليس في حالة إن اصبح هذا الترويج أداة لتسجيل نقاط لصالح نظام مسؤول عن قتل آلاف الفلاحين وتهجير أكثر من 2 مليون فلاح آخر
وبما أنك رجل محسوب على اليسار فأنت على اطلاع على السياسة العالمية خصوصا المتعلقة بأميركا اللاتينية حيث قمت بزياراتك الاخيرة الى هذه الدول محاضرا ومروجا لكتبك ومتحدثا الى الصحفيين والمثقفين وآخرين من صناع الرأي

وعندما تتحدث عن السياسة والمجموعات السياسية والبلدان فإنك تفعل ذلك منطلقا من قيمك واهتماماتك وانت لا تتحدث عن جهل بل من خلال منطلقاتك الايديولوجية والتي تحدد الاحكام التي تطلقها .
لكن خلال زيارتك الاخيرة الى كولومبيا أدنت مجموعتي المغاوير المسلحة قائلا : " في كولومبيا لا يوجد مغاوير ، إنهم باختصار عصابات مسلحة "
كما انك قلت ان هذه المجموعات لا يمكن ان تكون شيوعية " لأنهم يلجأون الى الاختطاف والقتل وإنتهاك حقوق الانسان " كما انك اكرمتنا مضيفا " ربما كانوا في البداية شيوعيين لكن ليس الآن" ، ثم أضفت أن اللجوء الى حرب المغاوير (حرب العصابات في الترجمة في الادبيات الماركسية العربية) لا يكون مبررا الا "في حال كون البلد محتلا من قبل قوات اجنبية والناس عليهم تنظيم المقاومة " .
سيد ساراماغو ، فكما تعرف جيدا فأن الشروط التي يلجأ اليها الناس للاطاحة بمضطهديهم عديدة من مثل وجود حكم ديكتاتوري عسكري، نظم تقتل المدنيين ، وفي حالة وجود ملاك اراضي مسلحين بعصابات الموت التي تقتل الفلاحين .. إلخ ، وانت تذكر جيدا المقاومة المسلحة ضد حكم فرانكو والاطاحة بالديكتاتورية البرتغالية في عام 1974 كما لا بد وانك تذكر الحركات المسلحة المعادية للانظمة الديكتاتورية في اميركا اللاتينية في نيكاراغوا والسلفادور وغواتيمالا.
فهل تعتقد أن المغاوير بقيادة زاباتا و فارابوندو مارتي و فيديل كاسترو كانت " عصابات مسلحة" لأنها لا تنطبق على المعايير التي تريد ولم تصل للحكم من خلال الاقتراع ؟؟ فهم لم يثوروا على احتلال اجنبي ( مع العلم أن الخبراء الاجانب كانوا الى جانب الانظمة الديكتاتورية داءما ).
وخوفي أن معاييرك السياسية ستنكر الكثير من الثورات في القرن العشرين التي ستبقى ملهمة لنضالات ملايين من البشر التي ستبقى تناضل عشرات السنين ضد الاستبداد بعد أن تذهب محاضراتك وآراءك الى سلة مهملات التاريخ.
لكن دعنا للحظة نناقش حركة المغاوير في كولومبيا وخصوصا الحركة الثورية المسلحة التي تم تشكيلها من قبل 46 ناشط فلاحي في عام 1964 ، والتي قامت بجهود جبارة لتشكيل مجتمعات انتاجية مسالمة (تعاونيات) قوبلت بالاضطهاد وتخريب المحاصيل والبيوت وقتل الحيوانات وشاهد هؤلاء الناشطون عائلاتهم واصدقائهم وجيرانهم يقتلون أمام اعينهم. كل هذه الانتهاكات تمت في ظل نظام منتخب حضاريا وتحت إشراف الخبراء العسكريين الامريكان . هل عليهم نثر التراب على رؤوسهم والاختباء في الغابات منتظرين قدوم الانتخابات التالية لترشيح قائمة تمثلهم ؟؟!! وهل تضمن حياتهم بعد خروجهم من مراكز التصويت؟؟
نعم، فانت ضامن أنهم في البداية كانوا شيوعيين لكنهم لم يعودوا كذلك فيما بعد.
في السنوات اللاحقة ، قامت هذه القوات الثورية بعقد اتفاقية سلام مع الرئيس بيتانكورت كي تتمكن من تشكيل حزب علني يخوض الانتخابات النيابية والرئاسية فماذا حصل ؟ في الفترة الفاصلة بين عامي 1984 -1989 قامت القوات العسكرية والشرطة وعصابات الموت الكولومبية بتصفية أكثر من خمسة آلاف ناشط في الحزب العلني إضافة إلى إثنين من المرشحين عن الحزب للانتخابات الرئاسية . من هنا قررت القوات الثورية العودة إلى حرب المغاوير واستخدام السلاح مرة أخرى
هل هذه هي النقطة التي لم يعودوا فيها شيوعيين يا سيد ساراماغو وماذا عليهم أن يفعلوا ؟ العودة الى الانتخابات مرة أخرى ؟ أم التصويت في الانتخابات من المنافي ؟ طبعا الاجابة لا .
من الواضح أن المغاوير عادوا الى العمل المسلح لأنهم لم تتوفر لديهم أية طريقة أخرى للعمل والنضال من أجل ما تدعوه أنت " الديمقراطية الفاعلة ".
في الفترة 1999-2001 قامت "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" بالاتفاق مع نظام " باسترانا" على وقف إطلاق للنار والعمل المسلح كما أصروا على وجود منطقة منزوعة السلاح وقدموا برنامجا للاصلاح الزراعي وبرنامجا وطنيا للحفاظ على المصادر الستراتيجية في كولومبا أضافة الى برنامج شامل لخلق وظائف تحد من البطالة.
وكان هذا البرنامج هو اساس المفوضات المعقودة مع النظام للوصول الى اتفاق سلام عادل ، وانت بالتأكيد تتذكر تلك الايام التي قامت فيها القوات الثورية بعقد برامج عمل وورشات ومحاضرات دعي اليها الاكاديميين وناشطي النقابات والاتحادات ومزارعين ورجال أعمال لتقديم الاوراق والمقترحات، وانت بالتأكيد تعرف هذه البرامج المقدمة وخصوصا المتعلقة بنزع السلاح في بعض المناطق من قبل الطرفين.
عزيزي الدكتور ساراماغو ، أنت تعرف بالتأكيد أن " العصابات المسلحة " لا تقدم برامج تنموية كما أنها لا تدعو الاخرين الى نقاش برامجها وتقديم المقترحات للوصول إلى " ديمقراطية فاعلة " !!!
ماذا حصل بعد ذلك ، بدعم أميركي مباشر قام نظام باسترانا بفض المفاوضات كما قام بهجوم عسكري على المناطق المنزوعة السلاح ، هل يجب على المغاوير ومناصريهم من الفلاحين في هذه الحالة الرد على الهجوم بالتحضير للانتخابات ؟؟!! أليست هذه هي اللحظة التي اصبح فيها المغاوير حسب رأيك عصابات مسلحة تقوم بالاختطاف والاغتيال ؟؟
,وأنا جاد يا ساراماغو في البحث عن أجابة من قبلك لأن مقترح القوات الثورية بالاصلاح الزراعي لقي الدعم من ملايين الفلاحين الذين قوبلوا بالتعذيب والتهجير من الحكومة الكولومبية والتي لا تجرؤ على تسميتها وتكتفي بالاشارة الى ممارساتها بالقول " الوضع في كولومبيا " .
لماذا كل هذا الحذر عند الحديث عن حكومة مثل حكومة الارهاب بقيادة الرئيس "أوريبي" الذي اطلق حملة تجريد للأراضي من الفلاحين ؟؟ لماذا لا تدين التواجد الاميركي في كولومبيا ، فالمساعدات وصلت الى 3 بلايين دولار لهذه الحكومة وعدد الخبراء العسكريين يزيد على 800 خبير اضافة الى مجموعة من القواعد العسكرية المدعومة من البينتاجون ؟؟ أليس هذا التواجد " غزوا أجنبيا " ؟؟ أم تريد 10 بلايين من المساعدات وخمس وحدات من قوات المارينز كي تعتبر الامر احتلالا اميركيا وكي تعتبر القوات الثورية قوات مغاوير وليست "عصابات مسلحة" و قتلة ومختطفين .
أنا لست آسفا لأني اكتب لك بهذه الطريقة المباشرة والصريحة ، فبالاضافة الى كون هذه هي طريقتي في الكتابة فالضرر السياسي الذي سببته من خلال تصريحاتك عظيم الأثر . المصطلحات التي استخدمتها تعكس طروحات البينتاغون والنظام الاستبدادي في كولومبيا، واللغة التي استخدمتها تشبه تماما اللغة التي تستخدمها الطبقة الحاكمة وملاك الاراضي في اميركا اللاتينية لوصف حركات الفلاحين والمهجرين من الارض بالمجرمين و " العصابات المسلحة " لكن من يملك الاسبقية في استخدام المصطلح ، أنت أم هم ؟؟
سوف انهي رسالتي باخبارك رأيي في هذا الامر . إن المغاوير ممثلين بالقوات الثورية وجيش التحرير الوطني هم اليوم وكما كانوا دائما قوات ثورية مشروعة، وهم مسلحين لأنه يجب عليهم ان يكونوا كذلك ، لأن كولومبيا بحاجة الى تغييرات اساسية والنظام السياسي لا يسمح للوسائل الأخرى ومن ضمنها الانتخابات كي تأخذ مجراها من دون التهديد والمضايقات .
لك كل الحق في رأيك لكن الظروف والسياق ونتائج تصريحاتك لا يمكن النظر اليها إلا بأنها داعمة للقيادة وللقوات العسكرية الحكومية في كولومبيا .
أنت تدعي الشيوعية ، كما أنه هنالك الكثير من الشيوعيات في هذه الايام: هنالك الذين سرقوا مكتسبات الشعب في روسيا وتحولوا الى طبقة حاكمة ، و هنالك الذين يتعاونون مع النظام الاستعماري الاميركي في العراق وهنالك الذين ناضلوا طوال اربعين عاما في مصانع وغابات كولومبيا من أجل مجتمع من دون طبقات وهنالك الشيوعيون الذين يخافون من المشاكل (الامبريالية) والذين يخافون من الحلول ( الثورة الشعبية) ويجعلون المسألة عبارة عن تفضيلات واختيارات ذاتية . .
الافكار كما ترى لها تبعات خصوصا اذا كانت من قبل كاتب مثلك له ملايين القراء . فكر قبل أن تتحدث عن " عصابات مسلحة"، لانك بذلك تبرر قتل آلاف من الكولومبيين الذين اختاروا اصعب الطرق واخطرها للوصول الى تحرير بلدهم.
في الماضي والحاضر تبادلنا الاراء والمواقف لكن وبدءا من اليوم اختار كل واحد منا مسارا مختلفا، لقد فقدت أملي فيك كما انك خنت ثقتي ، اذهب في طريقك وسأذهب في طريقي دون حزن أو ندم.
جايمس بيتراس
27.12.2004
( بورفيسور سابق لعلم الاجتماع في جامعة بينجهامتون ، نيويورك ، خاض 50 عاما من النضال الطبقي ، مناصر ومستشار محرومي الارض والعاطلين عن العمل في البرازيل والارجنتين ومؤلف مشارك لكتاب "العولمة بدون قناع")








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجورجيون يتحدون موسكو.. مظاهرات حاشدة في تبليسي ضد -القانون


.. مسيرة في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية تطالب بوقف الحرب على غز




.. مضايقات من إسرائيليين لمتضامنين مع غزة بجامعة جنيف السويسرية


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. ديوكوفيتش يتعرض لضربة بقارورة مياه على الرأس