الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يسكنني هاجس دائم بأني روائي قبل أن أكون أي شيء آخر

سعد محمد رحيم

2012 / 2 / 25
مقابلات و حوارات


حوار مع سعد محمد رحيم
أجراه: جاسم الصغير
* كيف ترى وتقيم المشهد الروائي اليوم؟
ـ تشهد الرواية انتعاشاً على الصعيد العالمي.. تكاد الرواية أن تكون هي الجنس الأدبي الطاغي في كل مكان.. فقد باتت جنس الأجناس الأدبية، تحتوي وتتمثل الفنون الإبداعية كافة.. لذا فالروائي القدير هو فنان متعدد المواهب.. هو رسام ومعماري وموسيقي وشاعر فضلاً عن كونه سارداً، وربما فيلسوفاً أيضاً.. مشهدنا الروائي العراقي بخير كما أظن.. هناك كم هائل من الروايات المنشورة خلال السنوات الثمانية الأخيرة، الجيدة منها قليلة، ومع ذلك يعد هذا علامة عافية تجعلنا نتفاءل بمستقبل الكتابة الروائية في العراق.
* بعد مضي ثماني سنوات على التغيير السياسي هل تحررت الثقافة العراقية من سطوة الرقيب أم مازال الكاتب العراقي يخفي رقيبا داخلياً يحصي عليه أنفاسه وكلماته؟
ـ الرقيب الداخلي حاضر دوماً مثل وحش متربص.. إنه يشتغل في منطقة خفية من الدماغ، يستحوذ على اللاشعور، ويحذِّر من مغبة الحرية.. إنه محصلة الممتنعات بتعبير علي حرب، أي تلك الإكراهات التي صنعتها قرون من الكبت والقمع والإرهاب الفكري وسياسات التجهيل والتخوف من المعرفة وذهنية التحريم والممنوعات التي لا تعد ولا تحصى.. في الظاهر ثمة فسحة حرّة الآن للتعبير، لكن خشية المبدعين الكبرى ليست من المؤسسة السياسية ورقابتها وإنما من المؤسسات الأخرى التي تختلق وتلفق المحرّمات، وتدّعي احتكار الحقيقة وحراسة المقدّس.
* هل حقاً أن ثقافة الصورة هيمنت واستطاعت الاستحواذ على ذهن وعين المتلقي وتراجعت ثقافة الكلمة في العقد الاخير، ولماذا؟
ـ ما يسيطر اليوم على فضاء القرن الواحد والعشرين هو ثقافة الفرجة. فالتقنيات الحديثة أتاحت الفرصة لهيمنة الصورة الثابتة والمتحركة على الفضائين الإعلامي والثقافي.. صحيح أن جيلنا ما يزال مغرماً بالهالة الرومانسية للكتاب المطبوع إلا أن ثقافة الصورة تغري اليوم مليارات البشر وتؤثر على قناعاتهم وأنماط سلوكهم. ومن النافل القول أن التطور التقني الذي يحدد وسائط التواصل المعرفي يؤثر على عادات البشر ورؤاهم إلى أنفسهم ومحيطهم وموقعهم في العالم وطرق تلقيهم للمعارف والمعلومات، وأيضاً على علاقاتهم بالأشياء والزمان والمكان. لكن في النهاية تبقى الكلمة جزءاً مصاحباً للصورة ولا غنى عنه في نقل المعارف والمعلومات. والمشكلة هي أية ثقافة تروج لها من يمتلكون مصادر ووسائط ضخ المعارف والمعلومات؟.
* هل تعد كتابة الرواية معبِّرا كافيا عن كينوتك دون الأنساق الأدبـية الأخرى، أم لك انشغالات ثقافية أخرى؟
ـ يسكنني هاجس دائم بأني روائي قبل أن أكون أي شيء آخر في العالم.. أنظر إلى الأشياء والكائنات والمجتمع والكون بعيون روائي أو هذا على الأقل ما أبغيه، حتى وإن بقيت شهوراً طويلة بلا مشروع كتابة رواية.. لي انشغالات ثقافية وأدبية أخرى، غير أني أعد هذا رافداً لتعزيز حضوري روائياً، فيما تناظر كتابتي للقصة القصيرة كتابة الرواية لأنهما تنتميان للفضاء الأدبي ذاته على الرغم من اختلاف قوانين تشكل إحداهما عن الأخرى، وتباين بنيتيهما.. وأعتقد أن الرواية، أكثر من أي جنس إبداعي ومعرفي آخر، قادرة على التعبير عن روح عصرنا.
* هل تؤمن بمفهوم الأجيال في الأدب العراقي وإلى أي جيل أدب تنتمي؟
ـ لست ميالا إلى تصنيف الأدباء في ضمن أجيال، وأعتقد أن السجالات البيزنطية، خلال العقود الأخيرة، بهذا الخصوص، لم تكن مجدية في الغالب لأنها أبعدتنا عن مناقشة قضايا ثقافية ونقدية أهم.. في حقل علم الاجتماع الثقافي قد يكون تناول هذا الأمر مفهوماً ونافعاً وكذلك في المجال المتعلق بتاريخ الثقافة، شرط أن يكون في حدود الدراسة العلمية والمنهجية وليست على طريقة بعضهم حين يجعلون من كل جيل وكأنه حزب أو عشيرة ويدافعون عنه بتعصب لا يليق بالمثقفين. أما إذا سألتني عن جيلي فأقول لك أنني أنتمي لجيل المحنة الذي كان شاهداً على الأهوال.
* كيف تنظر لدعوات بعض الأدباء والنقاد التي تطالب بفصل الادب عن المجتمع، أو تبني نظريات ومدارس نقدية تدعو إلى قطع الصلة بين الادب والمجتمع، والاكتفاء بالعلاقات الداخلية للنص الأدبي بعيدا عمّا يدور في العالم؟
جف الأدب وتيبست عروقه حين تحوّل إلى أشكال غريبة لا صلة لها بالحياة.. وأرقى المنجزات الأدبية هي تلك التي عكست نبض التاريخ وصورت ذبذبات الروح الإنسانية في عثراتها وسموِّها وآمالها الشاسعة.. شخصياً أؤمن بأن للأدب وظيفة في الحقل المجتمعي.. لا يمكن انتزاع الأدب من أرضيته التاريخية والاجتماعية والحضارية.. الأدب محايث لعالمنا ولا يصدر عن عالم مفارق وأسطوري. لكني في الوقت نفسه مع أن تكون الكتابة ذات نَفَس حداثي حقيقي ينطوي على خصائص فنية عالية.
* يلاحظ على الاحداث السياسية الجارية في بعض بلدان العالم العربي وما يُعرف بربيع الثورات العربية عدم وجود مشروع فكري يُلهم هذه الثورات. كيف تنظر كمثقف الى هذا الأمر؟
ـ هذه انفجارات كبرى حدثت نتيجة الكبت والاستبداد الطويلين.. نحن اليوم أمام مفترق حاسم.. لا أقول أني متفائل على المدى القصير، فقد يقفز إلى سدة الحكم هنا وهناك متزمتون وموتورون وطائفيون لكن التحولات الكبرى في تاريخ الشعوب لا تحدث بين ليلة وضحاها، وعلى المثقفين المتنورين أن يكونوا جزءاً من الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي، لا بمعنى الانخراط في اللعبة السياسية المباشرة وإنما بالعمل الثقافي والإبداعي الذي يقرأ الواقع ويستشرف آفاق المستقبل، وحيث يكون المثقف فاعلاً اجتماعياً، وشاهداً أميناً على عصره.
* هل هناك اهتمام بالواقع الثقافي في الوقت الحاضر من قبل الدولة؟
ـ لم تصبح الثقافة من أولويات الدولة العراقية منذ نشأتها.. القائمون على الشأن السياسي، في الوقت الحاضر، لم يستوعبوا مغزى وأهمية الرهان الثقافي.. إذا كانت الديمقراطية وإقامة المجتمع المدني والتنمية الاجتماعية والسياسية هي أهداف النخب الحاكمة كما تدّعي فإن عليهم أن يفهموا أن المعركة الكبرى بهذا الصدد هي على جبهة الثقافة.. وحتى المعركة مع الإرهاب لن تحسمها القوى الأمنية ما لم يوظف الجهد التربوي والثقافي بهذا الصدد.. نحن بحاجة إلى بنية تحتية للثقافة كدور النشر والمسارح ودور السينما واستديوهات الإنتاج التلفزيوني والسينمائي وقاعات عرض للإنتاج الفني التشكيلي، وقاعات للمحاضرات والحفلات الموسيقية وتقديم العروض الراقصة، الخ. وليست هناك من جهة يمكنها النهوض بهذا الأمر سوى الدولة بإمكانياتها المالية والمؤسساتية. وأتمنى أن ينهض القطاع الخاص والطبقة الموسرة بدورهما في تطوير الثقافة ورعايتها كما حدث في أوروبا منذ عصر النهضة.
* كيف تستشرف مستقبل الرواية العربية عموما، والعراقية خصوصاً؟
ـ أعتقد أن الرواية العراقية ستتبوأ مكانة عالية في الفضاء الثقافي العربي والعالمي خلال العقود اللاحقة.. مؤشرات ذلك واضحة اليوم من خلال هذا الكم النسبي من الروايات العراقية الجيدة التي بدأت تظهر.. المشكلة هي في توزيع الكتاب والإعلان عنه والمتابعة الإعلامية والنقدية له.. روايتنا العراقية مظلومة بسبب عدم امتلاكنا لتقاليد إيصال المنتج الإبداعي إلى الجمهور والترويج له في الداخل والخارج.. ما يجعلني متفائلاً بهذا الخصوص ليس عدد الروايات العراقية المطبوعة فقط وإنما هذا التطور المذهل والتعدد الثري في الأساليب والرؤى التي صارت تتضح عند بعض من الروائيين العراقيين، وبينهم شباب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة